قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: وكلُّ ذلك بعد مؤونة الإخراج والتَّصفية.
المعروف بين الأعلام أنَّ الخُمُس إنَّما يجب بعد استثناء مؤنة الإخراج والتَّصفية التي يفتقر إليهما إخراج الكنز والمعدِن والغَوْص.
وفي المدارك: (هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب...)([1]).
وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده، كما اعترف به في المفاتيح...)([2]).
وعن الخلاف وظاهر المنتهى: الإجماع عليه.
أقول: تسالم الأعلام على ذلك قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، بحيث أصبحت المسألة من الواضحات.
ومع ذلك، قدِ استُدلّ على كون الخُمُس بعد مؤونة الإخراج والتَّصفية بالرِّوايات الدَّالّة على تعلُّق الخُمُس بسائر أنواع الاستفادات، فإنَّه يظهر منها أنَّ مناط تعلُّق الخمس بها إنَّما هو اندراجها في الغنائم والفوائد.
ومن المعلوم أنَّه لا تُطلق الفائدة والغنيمة في العرف إلاَّ بعد استثناء المؤونة المصروفة في سبيل تحصيلها، فمَنِ استخرج معدِناً أو كنزاً، وصرف في سبيل إخراجه مائتي درهم، وكان المعدِن بقيمة أربعمائة درهم، أو كان الكنز أربعمائة درهم، لا يقال: إنَّه استفاد أربعمائة درهم، بل يُقال عرفاً: استفاد مائتي درهم.
ويدلّ على ذلك أيضاً: صحيحة زرارة المتقدِّمة عن أبي جعفر (عليه السلام) (قاْل: سألتُه عن المعادنِ ما فيها؟ فقال: كلُّ ما كان ركِازاً ففيه الخُمُس، وقَاْل: ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج اﷲ سبحانه منه من حجارته مصفّى الخُمُس)([3])، وهي ظاهرة في اختصاص الخُمُس بما يبقى بعد إخراج مصرف العلاج المبذول من ماله.
ومن هنا، قال صاحب الحدائق (رحمه اﷲ): (والظَّاهر أنَّ معنى آخر الخبر: أنَّ الخُمُس إنَّما يجب في ما عُولج بعد وضع مؤونة العلاج، ومرجعه إلى تقديم إخراج المؤونة على الخُمُس...)([4]).
والخلاصة: أنَّه لا إشكال في المسألة، وإنَّما الكلام في أنَّه هل يُعتبر النِّصاب قبل المؤونة أو بعدها؟
المشهور بين الأعلام هو أنَّ النِّصاب إنَّما يُعتبر بعد المؤونة، بل ظاهر التَّذكرة والمنتهى نفي الخلاف فيه، كما أنَّه ظاهر المصنِّف هنا وفي البيان، وهو مختار صاحب الجواهر (رحمه اﷲ).
واستظهر صاحب المدارك (رحمه اﷲ) كون النِّصاب قبل المؤونة.
وقدِ استدلّ صاحب الجواهر (رحمه اﷲ) للمشهور وهو مختاره أيضاً من كون النِّصاب بعد المؤونة، بأصل البراءة عن وجوب الخُمُس فيما إذا بلغ النِّصاب قبل المؤونة، فإنَّ المتيقَّن من وجوب الخُمُس هو فيما إذا بلغ النِّصاب بعد المؤونة.
أقول: إنَّما يُرجع إلى الأصل فيما إذا فُقِد الدَّليل اللَّفظيّ، وإلاَّ فمع وجوده لا مسرح للأصل العمليّ، والدَّليل هنا موجود، وهو إطلاق صحيحتي البزنطيّ المتقدِّمتَيْن الواردتَيْن في الكنز والمعادن، فقد دلَّتا على وجوب الخمس بعد بلوغ النِّصاب، وقد ثبت بالدَّليل القاطع أنَّه لا خُمُس إلاَّ بعد المؤونة، ولم يثبت أنَّ النِّصاب بعد المؤونة إلاَّ بالإجماع المحكيّ عن ظاهر التَّذكرة والمنتهى، وهو غير حُجَّة كما ذكرنا في أكثر من مناسبة .
وعليه، فلم يثبت بدليل قويّ أنَّ النِّصاب بعد المؤونة، فنتمسّك حينئذٍ بإطلاق الصَّحيحتَيْن الدَّالَّــتَــيْن على أنَّ الخُمُس بعد النِّصاب، سواء أكان النِّصاب قبل المؤونة أم بعدها.
نعم، القدر المتيقَّن الَّذي لا يجب فيه الخُمُس هو عدم بلوغ النِّصاب، وأمَّا إذا بلغ النِّصاب فيجب الخُمُس فيه بعد إخراج المؤونة، سواء أكان نصاباً قبل المؤونة أم بعدها.
والنَّتيجة: أنَّ ما ذهب إليه صاحب المدارك (رحمه اﷲ) هو الأقوى، واﷲ العالم.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: ولا فرق بين أن يكون الإخراج دفعةً أو دفعات، كالكنز.
المعروف بين الأعلام أنَّه لا يُعتبر في النِّصاب الإخراج دفعةً سواء كان ذلك في المعدِن أو الكنز بل لو أُخرج المعدِن أو الكنز في دفعات متعدِّدة ضُمّ بعضه إلى بعض، واعتُبر النِّصاب في المجموع حتَّى لو تخلّل بين الدَّفعتَيْن الإعراض، كما لو أَخرج في الدَّفعة الأُولى
أقلّ من النِّصاب، ثمَّ أعرض عن ذلك، ثمَّ عاد وأخرج، وبلغ المجموع نصاباً، وجب إخراج خُمُس المجموع.
وفي الجواهر: (بل لا فرق بين تحقُّق الإعراض بين الدَّفعات وعدمه، وفاقاً لظاهر بيان الشَّهيد الأوَّل، وصريح مسالك الثَّاني والمدارك وغيرها لذلك أيضاً أي لإطلاق الأدلَّة وخلافاً للفاضل في المنتهى، فاعتبر عدم الإهمال في الانضمام المزبور، ولم نعرف له مأخذاً معتدّاً به)([5]).
أقول: ظاهر المصنِّف (رحمه اﷲ) هنا كظاهره في البيان أنَّه لا فرق في تحقُّق الإعراض بين الدَّفعات وعدمه.
والإنصاف: أنَّ ظاهر أدلَّة اعتبار النِّصاب عدم الفرق في ما أُخرج من المعدِن أو الكنز دفعةً أو دفعات، فيجب إخراج الخُمُس إذا بلغ المجموع نصاباً، وإن كان المُخرَج على دفعات.
وأمَّا وجه منِ اعتَبر أن يكون الإخراج دفعةً واحدةً، وعدم صحَّة ضمّ بعضه إلى البعض، فهو انصراف ما دلّ على اعتبار النِّصاب إلى اعتباره في كلِّ دفعةٍ، بحيث لا يكفي بلوغ المجموع.
ولكنَّ هذا الانصراف بدويٌّ، منشؤه أُنس الذِّهن بذلك، فلا يُعتدّ به حينئذٍ.
وبالجملة، فإنّ ما ذكرناه، وإن كان هو مقتضى الإنصاف، إلاَّ أنَّ الإنصاف أيضاً: أنَّ الإعراض المتخلِّل بين الدَّفعات إن كان كثيراً
بحيث يُعدّ العود إلى الإخراج عند العرف عملاً ابتدائيّاً مستأنفاً، لا استمراريّاً للعمل السَّابق، كما لو استأنف الإخراج بعد يومَيْن أو ثلاثة، بحيث يكون فعله بعد الإعراض وقبله بمنزلة دفعات عند العرف واقعة في أزمنة متباعدة لا يُوجد ارتباط بعضها ببعض، ففي هذه الحالة يُعتبر كلّ فعلٍ من أفعاله موضوعاً مستقلاًّ، ولا يصحّ ضمّ بعضه إلى البعض الآخر.
وأمَّا إن لم يكن كذلك، كما لو كان العود بعد وقت يسير، بحيث يُعدّ عند العرف أنَّ عمله الثَّاني متَّصلٌ بالأوَّل ومتمّمٌ له، ففي هذه الحالة يُعتبر المجموع فعلاً واحداً، ويُضمّ بعضه إلى البعض الآخر، واﷲ العالم.
([3]) الوسائل باب 3 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح3.
([4]) الحدائق: ج12، ص303.
([5]) الجواهر: ج16، ص19، 20.
|