• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الخمس .
              • القسم الفرعي : ما يجب فيه الخمس / الخمس (أرشيف صوتي) .
                    • الموضوع : الدرس 1162 _كتاب الخمس 42 .

الدرس 1162 _كتاب الخمس 42

وقد يُشكل أيضاً على التَّرتيب المذكور في التَّعريف ­ حيث ذكروا أنَّه يُعرِّفه المالك قبله، فإن لم يعرفه، فالمالك قبله، وهكذا ­: بأنَّ الدَّليل على وجوب التَّعريف ­ وهو قاعدة اليد ­ مشتركٌ بين الجميع، حيث إنَّ جميعهم مشتركٌ في عدم وجود يد لأحد منهم وقت التَّعريف، وقُرب زمان يد أحدهم من يد المعرّف لا يقتضي ترجيحه على غيره.

وأجابوا على ذلك: بأنَّ اليد اللاَّحقة مزيلةٌ لأثر اليد الأُولى، فحال كُلِّ يدٍ بالنِّسبة إلى سابقتها حال الأصل بالنِّسبة إلى الدَّليل.

والإنصاف: أنَّ استدلالهم على وجوب التَّعريف بقاعدة اليد ليس تامّاً؛ لأنَّ عمدة دليل قاعدة اليد هو بناء العقلاء الممضى من الشَّارع المقدَّس، وهو دليل لُبِّيّ يُقتصر فيه على القدر المتيقَّن، وهو خصوص اليد الفعليّة، لا اليد السَّابقة الزَّائلة بالبيع ونحوه، فاليد الفعليّة القائمة على الأرض أو الدَّار هي يدٌ على ما فيها من الكنز بالتَّبع، فيُحكم حينئذٍ لصاحب اليد بأنَّه له، وأمَّا اليد السَّابقة الزَّائلة بالبيع ونحوه فهي ليست حُجّةً. وبالتَّالي، لا يمكن الحكم بكون الكنز للبائع أو للَّذي قبله لأجل أن يده كانت عليه سابقاً؛ إذ لا اعتبار بهكذا يد.

وممَّا يُؤكِّد ما ذكرناه: أنَّه لو كانت اليد السَّابقة حُجَّةً ودالَّةً على ملكيّة ما في الأرض والدَّار بالتَّبع، لَمَا كانت هناك حاجة للتَّعريف، ولا

حاجة لدعوى الملكيّة من ذي اليد، بل وجب الحكم بكون الكنز له، ولو لم يكن قابلاً للادِّعاء، كالصَّبيّ والمجنون والميِّت، فيُدفع إلى ورثته إن عُرفوا، وإلاَّ فإلى الإمام (عليه السلام).

والخلاصة: أنَّ حكم الكنز في الأرض المبتاعة أو الموهوبة حكمه في الأرض المباحة في أنَّه إنِ احتُمل أنَّ له مالكاً محترماً موجوداً بالفعل كان من مجهول المالك ووجب التّعريف عنه، فإن ظهر، وإلاَّ تُصدِّق به على الفقراء؛ لأنَّ مصرف المال المجهول مالكه المحترم هو الفقراء.

وأمَّا إذا لم يُحتمل أنَّه له مالكاً محترماً موجوداً بالفعل، كالكنز القديم، حيث يُعلم بموت صاحبه وعدم وجود وارث له، فهو للإمام (عليه السلام)، وقد أباح (عليه السلام) للمسلم تملّكه ­ كالأنفال ­، فإذا وجده زيد مثلاً فهو له، وعليه خُمُسه؛ للأدلَّة السَّابقة الدّالَّة على تخميسه.

هذا كلُّه بالنَّظر إلى قاعدة اليد ومقتضاها.

وأمَّا بالنَّظر إلى الرِّوايات، فقدِ استدلّ الشَّيخ (رحمه اﷲ) لوجوب تعريف البائع ­ بعد أن نفى الخلاف عنه ظاهراً ­ بروايتَيْن:

الأُولى: موثَّقة إسحاق بن عمَّار (قَاْل: سألتُ أبا إبراهيم (عليه السلام) عن رجلٍ نزل في بعض بيوت مكّة، فوجد فيه نحواً من سبعين درهماً مدفونةً، فلم تزل معه ولم يذكرها حتّى قدم الكوفة، كيف يصنع؟ قَاْل: يسأل عنها أهل المنزل، لعلّهم يعرفونها، قلتُ: فإن لم يعرفوها؟ قَاْل: يتصدّق بها)([1]).

وفيه: ما ذكرناه سابقاً من أنَّ محلّ الكلام هو الكنز الَّذي يُعدّ عرفاً من المال الَّذي لا مالك له، وهذا لا ينطبق على مورد الموثَّقة؛ باعتبار أنَّ الدَّراهم الَّتي يجدها النَّازل في بعض بيوت مكَّة المكرَّمة أيّام موسم الحجّ والعُمرة ليست عادةً من قبيل الكنز الَّذي هو محلّ الكلام، بل هي من قبيل المال المجهول مالكه، أي أنَّ لها مالكاً بالفعل، ولكنَّه مجهول، فيجب الفحص عنه.

والسِّرّ فيه: أنَّ العادة جاريةٌ بأنَّ مثل هذا الشَّخص النَّازل في بعض بيوت مكَّة إنَّما يجد هذه الدَّراهم مدفونةً في بعض زوايا الدَّار ونحوها من المواضع الَّتي يُعلم عادةً بأنَّها إمَّا لبعض الحُجَّاج النَّازلين قبله في هذه البيوت، أو أنَّها لأهل المنزل.

وبالجملة، فيجري على هذه الدَّراهم حكم مجهول المالك من لزوم الفحص إلى أن ييأس، ثمَّ التّصدُّق بها.

لا يُقال: إنَّ هذه الموثَّقة ظاهرةٌ في لزوم تعريف أهل المنزل فقط، مع أنَّ المال المجهول مالكه يجب الفحص عنه إلى حصول اليأس من معرفته.

فإنَّه يُقال: إنَّ ما يوجد مدفوناً في بعض بيوت مكَّة لو لم يعرفه أهل المنزل الَّذي قد يُراد منه الأعمّ من مالكه ومن الأشخاص النَّازلين فيه معه مِمَّنْ يعرفهم، لحصل غالباً اليأس عن وجدان صاحبه.

والخلاصة إلى هنا: أنَّ هذه الموثَّقة أجنبيّة عن محلِّ الكلام.

الرِّواية الثَّانية: صحيحة عبد اﷲ بن جعفر الحميريّ (قَاْل: كتبتُ

إلى الرَّجل (عليه السلام) أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي، فلمَّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة، لمَنْ يكون ذلك؟ فوقّع (عليه السلام): عرِّفها البائع، فإن لم يكن يعرفها فالشَّيء لك، رزقك اﷲ إيّاه)([2]).

وفيه: أنَّ هذه الصَّحيحة مثل الموثَّقة المتقدِّمة خارجةٌ عن محلِّ الكلام؛ لما عرفت من أنَّ محلّ الكلام الكنز القديم الَّذي مات صاحبه، وليس له وارث، فيصدق عليه أنَّه مال لا مالك له، فيكون للإمام (عليه السلام)، وقد أباحه (عليه السلام) للمسلمين، فمَنْ وجده يكون له، وعليه خُمُسه.

وأمَّا الصَّحيحة، فهي واردة في ما له مالك بالفعل، ولكنَّه مجهول؛ لأنَّ ما يُوجد في جوف الحيوان من الصُّرّة المشتملة على الدَّراهم أو الدَّنانير أو الجوهرة هو شيء حادث قدِ ابتلعته الدَّابّة في زمن غير بعيد، فله صاحب بالفعل، ولكنَّه مجهول، ومقتضى القاعدة أنَّ المال المجهول مالكه المحترم يجب الفحص عنه إلى حصول اليأس، ثمَّ التّصدُّق به عنه.

ولكنَّ هذه الصَّحيحة اقتصرت على تعريف البائع فقط، ولا يلزم تعريف السَّابق عليه، كما أنَّها دلَّت على أنَّه بعد تعريف البائع وعدم تعرّفه يكون ما في جوفها ملكاً للواجد. ولا بأس بالالتزام بمورد الصَّحيحة؛ إذ بها يُخصَّص ما دلّ على وجوب التّصدُّق بمجهول المالك، كما أنَّ بها يُخصّص ما دلّ على لزوم الفحص عن صاحبه إلى حصول اليأس، فنلتزم في موردها بتعريف البائع فقط.

والنَّتيجة في نهاية المطاف: أنَّ مقتضى الصِّناعة العلميّة هو أنَّ الكنز إذا كان في أرض مملوكة للواجد بالابتياع أو بالهبة، ونحو ذلك، فلا يجب عليه أن يُعرِّف المالك قبله، ولا السَّابق عليه، بل يجوز أن يتملّكه وعليه خُمُسه، سواء أكان عليه أثر الإسلام أم لا.

 

([1]) الوسائل باب 5 من أبواب اللقطة ح3.

([2]) الوسائل باب 9 من أبواب اللُّقطة ح1.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2878
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 02-02-2023
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 04 / 26