ومنها: رواية نصر بن حبيب صاحب الخان: (قَاْل: كتبتُ إلى عبدٍ صالح (عليه السلام): لقد وقعت عندي مائتا درهمٍ (وأربعة دراهم)، وأنا صاحب فندقٍ، ومات صاحبها، ولم أعرف له ورثةً، فرأيك في إعلامي حالها وما أصنع بها فقد ضقت بها ذرعاً، فكتب: اِعمل فيها وأخرجها صدقةً قليلاً قليلاً حتَّى تخرج)([1])، وهي ضعيفة بجهالة نصر بن حبيب
صاحب الخان، وفي بعض النِّسخ فيض بن حبيب، وعلى كلِّ حالٍ هو شخصٌ واحدٌ مجهول الحال.
ولعلَّ أمره (عليه السلام) بالعمل بها، وإخراجها قليلاً قليلاً؛ لعلمه بحاجته، فأمره بالعمل لينتفع بها.
ويُحتمل أن يكون من قبيل ميراث مَنْ لا وارث له ممَّا هو ملْك للإمام (عليه السلام)، فيكون أمره بهذا النَّحو من التّصدُّق ترخيصاً له بهذا النَّحو من التّصرُّف.
ثمَّ إنَّه يؤيِّد القولَ بأنَّ المال المجهول مالكه يُتصدَّق به: الرِّواياتُ الكثيرة الواردة في التّصدُّق باللُّقطة وما هو بمنزلتها:
منها: رواية حفص بن غياث (قَاْل: سألتُ أبا عبد اﷲ (عليه السلام) عن رجل من المسلمين، أودعه رجلٌ من اللُّصوص دراهم أو متاعاً، واللِّصّ مسلمٌ، هل يردّ عليه؟ فقال: لا يردُّه، فإن أمكنه أن يردَّه على أصحابه فعل، وإلاَّ كان في يده بمنزلة اللُّقطة يصيبها، فيعرّفها حولاً، فإن أصاب صاحبها ردَّها عليه، وإلاَّ تصدّق بها، فإن جاء طالبها بعد ذلك خيَّره بين الأجر والغرم، فإنِ اختار الأجر فله الأجر، وإنِ اختار الغرم غرم له، وكان الأجر له)([2])، وهي ضعيفة بعليّ بن محمَّد القاسانيّ، وجهالة القاسم بن محمَّد، كما أنَّ موردها خاصّ، وهو إيداع اللِّصّ.
ومن هنا جعلناها مؤيِّدةً، وكذا غيرها من الرِّوايات الظَّاهرة في أنَّ حكم المال المجهول مالكه هو الصَّدقة.
ثمَّ إنَّه قد يظهر من بعض الرِّوايات أنَّ المال المجهول المالك هو ملك لمَنْ وضع يده عليه، كما في صحيحة عليّ بن مَهْزِيار الطَّويلة المتقدِّمة، حيث ورد فيها: (وَالْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ يَرْحَمُكَ اﷲُ! فَهِيَ الْغَنِيمَةُ يَغْنَمُهَا الْمَرْءُ، وَالْفَائِدَةُ يُفِيدُهَا، وَالْجَائِزَةُ مِنَ الْإِنْسَانِ لِلْإِنْسَانِ الَّتي لَهَا خَطَرٌ (عَظِيمٌ)، وَالْمِيرَاثُ الَّذي لَا يُحْتَسَبُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا ابْنٍ، وَمِثْلُ عَدُوٍّ يُصْطَلَمُ فَيُؤْخَذُ مَالُهُ، وَمِثْلُ مَالٍ يُؤْخَذُ (يُوجد) لَا يُعْرَفُ لَهُ صَاحِب...)([3]).
فيظهر منها أنَّ المال الَّذي لا يُعرف صاحبه يجوز تملّكه، حيث عدّه من جملة الغنائم والفوائد التي يجب فيها الخُمُس.
وقدِ استدلّ بعض الأعلام بهذه الصَّحيحة على جواز تملُّك المال المجهول المالك، بل ذكر المحقِّق الإيراونيّ (رحمه اﷲ) في حاشيته على المكاسب أنَّها صريحة في جواز تملُّك مجهول المالك بعد إخراج خُمُسه.
ولكن يرد على هذا الاستدلال: أنَّ قوله (عليه السلام): (ومثل مال يُؤخذ ولا يُعرف له صاحب)، ينطبق على اللُّقطة؛ لأنَّها المال الضَّائع من صاحبه، ومن المعلوم أنَّ اللُّقطة يجوز تملُّكها بعد التّعريف عنها حولاً.
ثمَّ إنَّه لو سلَّمنا بأنَّ المراد من قوله (عليه السلام): (ومثل مال يُؤخذ...) هو المال المجهول المالك، إلاَّ أنَّها واردةٌ في مقام بيان وجوب الخُمُس في كلِّ غنيمةٍ، ومنها المال الَّذي يُؤخذ ولا يُعرف له
صاحب، والقدر المتيقَّن منه هو مال اللُّقطة، ولا إطلاق لها من جهة أنَّ المال المجهول المالك هل يُملك مطلقاً، أم يُملك في بعض الموارد؟ فالرِّواية مجملةٌ من هذه الجهة، فيُؤخذ بالقدر المتيقَّن، والقدر المتيقَّن من المال المجهول المالك الَّذي يُملك هو اللُّقطة بعد التَّعريف عنها حولاً.
([1]) الوسائل باب 6 من أبواب ميراث الخُنثى ح3.
([2]) الوسائل باب 18 من أبواب اللُّقطة ح1.
([3]) الوسائل باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح5.
|