ومنها: رواية عليّ بن مَهْزِيار الرَّابعة عن محمَّد بن الحسن الأشعريّ (قَاْل: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثَّاني (عليه السلام): أخبرني عن الخُمُس، أعلى جميع ما يستفيد الرَّجل من قليل وكثير من جميع الضُّروب، وعلى الصّنّاع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطِّه: الخُمُس بعد المؤونة)([1]).
والظَّاهر أنَّ ضمير (قَاْل) راجع إلى محمَّد بن الحسن الأشعريّ، لا إلى عليّ بن مَهْزِيار.
وعليه، فالحاكي لقوله: (فكتب)، هو محمَّد بن الحسن الأشعريّ لا ابن مَهْزِيار حتَّى تكون شهادةً منه بأنَّ الكاتب هو الإمام (عليه السلام)، وبما أنَّ محمَّد بن الحسن الأشعريّ الَّذي هو ابن أبي خالد المعروف بشنبولة غير موثَّق، فتكون الرِّواية حينئذٍ ضعيفةً.
ومنها: صحيحة عليّ بن مَهْزِيار الطويلة (قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) وَقَرَأْتُ أَنَا كِتَابَهُ إِلَيْهِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ قَالَ: إنَّ الَّذي أَوْجَبْتُ فِي سَنَتِي هَذِهِ وَهَذِهِ سَنَةُ عِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ فَقَطْ لِمَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي أَكْرَهُ تَفْسِيرَ الْمَعْنَى كُلِّهِ خَوْفاً مِنَ الِانْتِشَارِ، وَسَأُفَسِّرُ لَكَ بَعْضَهُ إِنْ شَاءَ
اﷲُ تَعَالَى إِنَّ مَوَالِيَّ أَسْأَلُ اﷲَ صَلَاحَهُمْ أَوْ بَعْضَهُمْ قَصَّرُوا فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَعَلِمْتُ ذَلِكَ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُطَهِّرَهُمْ وَأُزَكِّيَهُمْ بِمَا فَعَلْتُ فِي عَامِي هَذَا مِنْ أَمْرِ الخُمُس، قَالَ اﷲُ تَعَالَى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم (103) أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم (104) وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون (105) [التوبة: 103105]، وَلَمْ أُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ عَامٍ، وَلَا أُوجِبُ عَلَيْهِمْ إِلاَّ الزَّكَاةَ الَّتي فَرَضَهَا اﷲُ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا أَوْجَبْتُ عَلَيْهِمُ الخُمُس فِي سَنَتِي هَذِهِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الَّتي قَدْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، وَلَمْ أُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فِي مَتَاعٍ، وَلَا آنِيَةٍ، وَلَا دَوَابَّ، وَلَا خَدَمٍ، وَلَا رِبْحٍ رَبِحَهُ فِي تِجَارَةٍ، وَلَا ضَيْعَةٍ إِلاَّ في ضَيْعَةٍ سَأُفَسِّرُ لَكَ أَمْرَهَا تَخْفِيفاً مِنِّي عَنْ مَوَالِيَّ وَمَنّاً مِنِّي عَلَيْهِمْ؛ لِمَا يَغْتَالُ السُّلْطَانُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلِمَا يَنُوبُهُمْ فِي ذَاتِهِمْ، فَأَمَّا الْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ عَامٍ، قَالَ اﷲُ تَعَالَى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير) ]الأنفال: 41]، وَالْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ يَرْحَمُكَ اﷲُ! فَهِيَ الْغَنِيمَةُ يَغْنَمُهَا الْمَرْءُ، وَالْفَائِدَةُ يُفِيدُهَا، وَالْجَائِزَةُ مِنَ الْإِنْسَانِ لِلْإِنْسَانِ الَّتي لَهَا خَطَرٌ (عَظِيمٌ)، وَالْمِيرَاثُ الَّذي لَا يُحْتَسَبُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا ابْنٍ، وَمِثْلُ عَدُوٍّ يُصْطَلَمُ فَيُؤْخَذُ مَالُهُ، وَمِثْلُ مَالٍ يُؤْخَذُ
(يُوجد) لَا يُعْرَفُ لَهُ صَاحِبُهُ (صاحب)، وَ(مِنْ ضَرْبِ) مَا صَارَ إِلَى (قَوْمٍ مِنْ) مَوَالِيَّ مِنْ أَمْوَالِ الْخُرَّمِيَّةِ([2]) الْفَسَقَةِ، فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَمْوَالاً عِظَاماً صَارَتْ إِلَى قَوْمٍ مِنْ مَوَالِيَّ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُوصِلْ إِلَى وَكِيلِي، وَمَنْ كَانَ نَائِياً بَعِيدَ الشُّقَّةِ، فَلْيعمَد (فَلْيَتَعَمَّدْ) لِإِيصَالِهِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ، فَإِنَّ نِيَّةَ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ، فَأَمَّا الَّذي أُوجِبُ مِنَ الضِّيَاعِ وَالْغَلاَّتِ فِي كُلِّ عَامٍ فَهُوَ نِصْفُ السُّدُسِ مِمَّنْ كَانَتْ ضَيْعَتُهُ تَقُومُ بِمَؤونَتِهِ، وَمَنْ كَانَتْ ضَيْعَتُهُ لَا تَقُومُ بِمَؤونَتِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ نِصْفُ سُدُسٍ، وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ)([3]).
هذه الصَّحيحة هي المعروفة بصحيحة عليّ بن مَهْزِيار الطَّويلة عن أبي جعفر الإمام الجواد (عليه السلام) .
وقدِ استشكل صاحب المدارك (رحمه اﷲ) في دلالتها، فقال: (وأمَّا رواية عليِّ بن مَهْزِيار فهي معتبرة السَّند، لكنَّها متروكة الظَّاهر من حيث اقتضائها وجوب الخُمُس في ما حال عليه الحَوْل من الذَّهب والفِضَّة، ومع ذلك فمقتضاها اندراج الجائزة الخطيرة والميراث ممَّنْ لا يحتسب، والمال الَّذي لا يُعرف صاحبه، وما يحلُّ تناوله من مال العدو في اسم الغنائم، فيكون مصرف الخُمُس فيها مصرف خمس الغنائم، وأمَّا مصرف السَّهم المذكور في آخر الرِّواية، وهو نصف السُّدس في
الضِّياع والغلاَّت فغير مذكور صريحاً، مع أنَّا لا نعلم بوجوب ذلك على الخصوص قائلاً)([4]).
أقول: أمَّا إشكاله (رحمه اﷲ) في وجوب الخُمُس في الذَّهب والفِضَّة، مع أنَّه لا يجب فيهما إلاَّ الزَّكاة بالاتِّفاق.
فيرد عليه: أنَّ الصَّحيحة صريحة في أنَّ ما صنعه (عليه السلام) في تلك السَّنة وهي سنة وفاته (عليه السلام) من وضع الخمس على بعض الأشياء، ورفعه عن بعض كان مخصوصاً بتلك السنة لمعنى من المعاني كره (عليه السلام) تفسيره كلّه، والظَّاهر أنَّ المعنى الذي كره (عليه السلام) تفسيره خوفاً من الانتشار هو موته (عليه السلام) في تلك السَّنة. وأمّا بعض المعنى الذي فسّره (عليه السلام)، فهو أنَّ مواليه جميعهم أو بعضهم قصَّروا في تأدية الحقوق الواجبة عليهم فشدَّد عليهم بعض التَّشديد ليطهِّرهم ويزكِّيهم، فأوجب عليهم الخُمُس في الذَّهب والفِضَّة، ولم يُوجب فيما عداهما تخفيفاً ومَنّاً منه (عليه السلام) عليهم.
والذَّهب والفضة، وإن كان لا يجب فيهما بالعنوان الأوَّليّ إلاَّ الزَّكاة مع اجتماع شرائطها إلاَّ أنَّ للإمام (عليه السلام) أن يتصرَّف بهذا النَّحو من التّصرُّفات، فيُسقط الخُمُس عن بعض الأشياء، ويجعله في بعضها الآخر، كالذَّهب والفِضَّة ولو في بعض الأوقات لمصلحة يراها تقتضي تبديل البعض بالبعض الآخر.
وعليه، فلا إشكال في هذه الصَّحيحة من هذه الجهة.
وأمَّا قوله (رحمه اﷲ): (ومع ذلك، فمقتضاها اندراج الجائزة الخطيرة والميراث... في اسم الغنائم، فيكون مصرف الخُمُس فيها مصرف خُمُس الغنائم).
فيرد عليه: أنَّه لا إشكال في اندراج الجائزة الخطيرة وغيرها من المذكورات في اسم الغنائم؛ لما عرفت سابقاً من تفسير الغنيمة بمطلق الفائدة والاستفادة، لا خصوص غنائم دار الحرب الَّتي هي الغنيمة بالمعنى الأخصّ.
ومن هنا يكون مصرف الخُمُس فيها هو المصرف في خُمُس الغنائم.
نعم، قد يُستشكل في قوله (عليه السلام): (ومثل مال يُؤخذ لا يُعرف له صاحب)؛ باعتبار أنَّ هذا من مجهول المالك، والمعروف بين الأعلام أنَّ المال المجهول المالك يُتصدَّق به على الفقراء.
ولكن يُجاب عن هذا الإشكال: بأنَّ الصَّحيحة ناظرةٌ إلى وجوب الخُمُس في مجهول المالك في الجملة، وهو في حال ما إذا كان لُقطةً، حيث يصحّ تملّكها مع الشَّرائط فيكون المال لآخذه، ويكون فائدةً، ولا إطلاق لهذه الصَّحيحة في أنَّ كلَّ ما يكون من مجهول المالك فهو لآخذه حتَّى يُستشكل في ذلك.
وبالجملة، فإنَّ القدر المتيقَّن من قوله (عليه السلام): (ومثل مال يُؤخذ ولا يُعرف له صاحب) هو تملُّك اللُّقطة.
وعليه، فلا إشكال في هذه الصَّحيحة من هذه الجهة.
وأمَّا قوله (رحمه اﷲ): (وأمَّا مصرف السَّهم المذكور في آخر الرِّواية، وهو نصف السُّدس في الضِّياع والغلاَّت، فغير مذكور صريحاً...).
فيرد عليه: أنَّ الظَّاهر من هذه الصَّحيحة أنَّ مصرف نصف السُّدُس في الضّياع والغلاَّت هو مصرف الخُمُس في غيره؛ لأنَّه (عليه السلام) إنَّما أوجب نصف السُّدُس في الضِّياع والغلاَّت تخفيفاً على شيعته ومَنّاً عليهم، وإلاَّ فالمفروض أوّلاً هو وجوب الخُمُس عليهم لولا هذا التَّخفيف، ومصرف الخُمُس معلوم، فهذا مثله.
وأراد (عليه السلام) بقوله: (ولم أُوجب عليهم ذلك في كلِّ عامٍ...)، السِّنين الَّتي يتولَّى (عليه السلام) فيها أمرهم لا السِّنين الَّتي يرجع الأمر فيها إلى إمام آخر، كما هو واضح.
([1]) الوسائل باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح1.
([2]) الخُرَّمِيَّة: هم أصحاب التَّناسخ والإباحة.
([3]) الوسائل باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح5.
|