• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 182 _ المقصد الأول في الاوامر 114 .

الدرس 182 _ المقصد الأول في الاوامر 114

الدليل الثاني:

قال صاحب الكفاية R: «ثم إنّه لا أظنّ أن يلتزم القائل بالترتب بما هو لازمه من الاستحقاق في صورة مخالفة الأمرين لعقوبتين، ضرورة قبح العقاب على ما لا يقدر عليه العبد، ولذا كان سيدنا الأستاذ R لا يلتزم به ­ على ما هو ببالي ­ وكنّا نورد به على الترتب، وكان بصدد تصحيحه».

حاصل هذا الدليل: إنّه لا يمكن الالتزام بما هو لازم للقول بالترتب، وهو تعدّد العقاب عند ترك المكلّف امتثال كلا الواجبين؛ أي الواجب الأهم والمهم؛ ضرورة أنّ العقاب على غير المقدور قبيح عقلاً، وبما أنّه في المقام يستحيل الجمع بين الواجبين من جهة المضادة بين متعلقهما، فلا يمكن العقاب على تركهما. وعليه، لا يصحّ القول بتعدد العقاب، بل يعاقب عقاباً واحداً، وهو العقاب على ترك الأهم فقط، وهذا يلزمه إنكار الترتب وعدم تعلّق أمر مولوي إلزامي بالمهم، وعلى فرض وجود أمر بالمهم فيحمل على الإرشاد إلى كونه واجداً للملاك.

والخلاصة: إنّ القائل بالترتب، إمّا أن يلتزم بتعدّد العقاب أو لا، فإن التزم بالتعدّد فيلزمه العقاب على غير المقدور وهو غير ممكن، وإن التزم بعدم التعدد فمعناه إنكار الترتب.

والإنصاف: أنّنا نلتزم بتعدّد العقاب، ولا محذور فيه؛ وذلك لأنّه ترك كلاًّ منهما مع قدرته على ذلك؛ والسرّ فيه أنّ الأمر لم يتعلق بالجمع بينهما حتى يقال باستحالة العقاب على تركه من جهة استحالة طلب الجمع بينهما، بل الأمر تعلّق بكلّ منهما، غاية الأمر وقعت المزاحمة بينهما في مقام الامتثال فقيّدنا فعلية الأمر بالمهم بعصيان الأهم وبقي الأهم مطلقاً. وعليه، فكل منهما مقدور للمكلّف على نحو الترتب؛ فإنّه عند إعمال قدرته في فعل الأهم لا أمر بالمهم، فلو ترك الأهم في هذه الحالة يعاقب عليه؛ إذ لا يكون العقاب على تركه عقاباً على غير المقدور.

وأمّا مع عدم إعمالها فيه، فلا مانع من إعمالها في فعل المهم، وحينئذٍ لو ترك المهمّ وعصى أمره فلا مانع من العقاب عليه أيضاً؛ إذ المفروض أنّه قادر، ومن هنا يكون قد جمع بين ترك الواجبين الأهم والمهم، فيستحقّ عقابين، ولا يكون ذلك من العقاب على المحال، فإنّ المحال إنّما هو الجمع بين الضدين في الخارج لا الجمع بين تركهما على نحو الترتب. والغفلة عن حقيقة الترتب أوجبت هذا الإشكال؛ حيث ظنّ صاحبه أنّ القول بالترتب مستلزم لطلب الجمع بين الضدين.

وعليه، فيكون العقاب على ترك الجمع بينهما قبيحاً، ولكنّك عرفت أنّ العقاب على الجمع في الترك لا على ترك الجمع، والله العالم.

الدليل الثالث:

لا يخفى أنّ العصيان الذي هو شرط لفعليّة الأمر بالمهم إن كان شرطاً بوجوده الخارجي على نحو الشرط المقارن، فتخرج المسألة حينئذٍ عن مبحث الترتب؛ لأنّه بالعصيان يسقط الأمر بالأهم، فلا يوجد ما يزاحم الأمر بالمهم؛ لأنّه في زمان ثبوت الأمر بالأهم فلا أمر بالمهم، وفي زمان فعليّة الأمر بالمهم يكون الأمر بالأهم قد سقط بالعصيان، فلم يجتمع الأمران حتى يتوهّم طلب اجتماع الضدين.

وأمّا إذا كان العصيان قد أُخذ على نحو الشرط المتأخّر أو على نحو التعقّب كما اخترناه؛ حيث أنكرنا الشرط المتأخّر كما تقدم توضيحه سابقاً؛ ففي هذه الصورة يلزم منه طلب الجمع بين الضدّين؛ لأنّ الأمر بالمهم يكون فعلياً في زمان فعلية الأمر بالأهم؛ لفرض بقائه؛ حيث لم يسقط. والسرّ في عدم سقوطه هو أنّ العصيان أُخذ على نحو الشرط المتأخّر، أو على مبنانا من كون الشرط هو تعقّبه بالعصيان المتأخر.

والجواب عن هذا الكلام هو أنّ أخذ العصيان على أي نحو كان لا يلزم منه إنكار الترتب. أمّا أخذه على نحو الشرط المتأخّر أو التعقّب؛ فلما قلناه سابقاً من أنّ اجتماع الأمرين في زمان واحد على نحو الترتب لا عيب فيه كما عرفت، ولا يلزم الجمع بين الضدين إلا إذا كان الأمر بالمهم مطلقاً؛ كالأمر بالأهم، ولكنّك عرفت أنّ الأمر بالمهم مشروط ومقيّد بعصيان الأهم، وقد تقدم تفصيل ذلك، فلا حاجة للإعادة.

وأمّا أخذ العصيان على كون وجوده الخارجي شرطاً للأمر بالمهم، فلا يلزم منه أيضاً إنكار الترتب؛ لأنّ الأمر في الواقع لا يسقط بالعصيان حتى يقال بعدم وجود الأمر بالأهم حين فعليّة الأمر بالمهم، بل المسقط للأمر إمّا الامتثال أو عدم القدرة على الامتثال.

أمّا الأوّل فواضح؛ لأنّ الإنسان إذا أتى بالتكليف على وجهه؛ أي مشتملاً على أجزائه وشرائطه، فلا محالة يتحقق الغرض، وبتحققه لا يبقى الأمر؛ إذ لا معنى لبقائه مع سقوط الغرض. وبالجملة، فالانطباق قهري والإجزاء عقلي، وبذلك يسقط الأمر.

وأمّا الثاني؛ أي سقوطه بالعجز، فواضح أيضاً؛ إذ التكليف مشروط بالقدرة ومع عدمها لا يعقل بقاؤه؛ لقبح تكليف العاجز. ومن هنا يتّضح لك أنّ العصيان ليس سبباً لسقوط التكليف إلا إذا استمر العصيان إلى زمان لا يتمكّن المكلف بعده من الامتثال، فيسقط الأمر لا محالة، ولكن لا من جهة العصيان بل من جهة عدم قدرة المكلف عليه.

والخلاصة إلى هنا: إنّ هذا الدليل الثالث لم يكتب له التوفيق كباقي الأدلّة. والنتيجة في نهاية المطاف هي أنّه لا إشكال في إمكان الترتب ووقوعه خارجاً عرفاً وشرعاً، وقد عرفت أنّه يكفي في التصديق به مجرّد تصوّره، والله العالم.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2568
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 08-01-2014
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 04 / 26