• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 142 _ المقصد الأول في الاوامر 74 .

الدرس 142 _ المقصد الأول في الاوامر 74

تردد القيد بين رجوعه إلى المادة أو الهيئة:

قال صاحب الكفاية R: «تتمة: قد عرفت اختلاف القيود في وجوب التحصيل، وكونه مورداً للتكليف وعدمه، فإن علم حال قيد فلا إشكال، وإن دار أمره ثبوتاً بين أن يكون راجعاً إلى الهيئة، نحو الشرط المتأخر أو المقارن، وأن يكون راجعاً إلى المادة على نهج يجب تحصيله أولا يجب، فإن كان في مقام الإثبات ما يعين حاله، وأنه راجع إلى أيهما من القواعد العربية فهو، وإلا فالمرجع هو الأصول العملية... وما ذكرناه من الوجهين موافق لما أفاده بعض مقرري بحث الأستاذ العلامة (أعلى الله مقامه)».

حاصل هذا الكلام: إذا علمنا بأيّ طريق من الطرق برجوع القيد إلى المادة أو الهيئة، فهو. فإنّه إن رجع إلى المادة وكان اختيارياً وجب تحصيله، وإن رجع إلى الهيئة وكان شرطاً للوجوب، فلا يجب تحصيله.

أمّا إن تردّد القيد بين رجوعه إلى المادة أو الهيئة، فقد حكي عن الشيخ الأنصاري رجوعه إلى المادة، ولكن أُشكل عليه بأنه ذهب إلى استحالة رجوع القيد إلى الهيئة، فلا معنى لهذا الكلام حينئذٍ؛ إذ لا تردّد على ما ذهب إليه.

وأجاب البعض بأنّ هذا الكلام كاشف عن أنّه R لم يقصد ما ذكره المقرر سابقاً من استحالة رجوع القيد إلى الهيئة، ولكنك عرفت ما فيه.

وأجاب البعض الآخر بأن الشيخ إنّما ذكر ذلك بناءً على ما ذهب إليه المشهور، فلا إشكال حينئذٍ.

وأجاب آخرون بأنّ هذه المسألة مبنية على كون الوجوب مستفاداً من جملة اسمية لا من جملة شرطية.

وذكر بعض الأعلام أنّ ذكر هذه المسألة يتوافق مع مبناه؛ فإنّ القيد يرجع إلى المادة حتماً، كل ما في الأمر أنّه إنّ لم يجب تحصيله فيكون بمنزلة رجوعه إلى الهيئة فيراد بالهيئة المادة بعلاقة المشابهة في عدم لزوم تحصيل القيد، ولكنّه خلاف ما سنذكره من الدليل على رجوع القيد إلى المادة دون الهيئة.

مهما يكن من شيء، إذا تردد القيد بين رجوعه إلى المادة أو الهيئة، مع خلو المقام من القرينة العامة في رجوع القيد إلى الهيئة أو إلى المادة، فما هو الأصل اللفظي والعملي في المقام؟

الأصل اللفظي:

يذكر الشيخ الأنصاري R وجهين لرجوع القيد إلى المادة دون الهيئة:

الوجه الأوّل:

نقول: إنّ الإطلاق تارةً يكون شمولياً وأخرى بدلياً. أمّا الشمولي، فقد سمّي كذلك لشموله لجميع الأفراد أو الأحوال؛ كما في (أكرم العالم)؛ فإن كان الحكم المحمول على الطبيعة المطلقة ناظراً إلى كل أفرادها على نحو العطف بـــــ (الواو)؛ أي أكرم زيداً العالم وعمراً العالم وبكراً العالم... سمّي إطلاقاً شمولياً أفرادياً. وإن كان الحكم المحمول على الطبيعة ناظراً إلى كل أحوالها على نحو العطف بـــــ (الواو) أيضاً؛ أي أكرم العالم الهاشمي وغيره، والعربي وغيره، ونحو ذلك، سمّي إطلاقاً شمولياً أحوالياً.

أمّا الإطلاق البدلي، فهو ما يتحقق في حال الحكم الواحد المنصبّ على طبيعة بنحو صرف الوجود بلا تعيين، لا على نحو الانحلال والتعدّد بتعدّد الأفراد أو الأحوال؛ كما في (أكرم عالماً)؛ حيث يكفي في تحقق الامتثال إيجاد الطبيعة بفرد من أفرادها على نحو البدل والعطف بـــــ (أو)؛ أي أكرم زيداً العالم أو عمراً العالم، أو العالم الهاشمي، أو غير الهاشمي... ولهذا سمّي بدلياً من جهة، ولم يكن قابلاً للتكرر من جهة أخرى؛ إذ صرف الوجود لا يقبل التكرار. ومن المعلوم أنّ الإطلاق الشمولي يقدّم على البدلي.

الوجه الثاني:

إنّ تقييد الهيئة ممّا يوجب بطلان محلّ الإطلاق في المادة؛ إذ مع تقييد الهيئة لا يبقى محلّ حاجة وبيان لإطلاق المادة، وهذا بخلاف تقييد المادة، فإنّه يبقى محلّ حاجة وبيان لإطلاق الهيئة؛ فإذا فرض تقييد وجوب إكرام زيد بمجيئه، فلا يبقى محلّ حاجة وبيان لإطلاق الإكرام بالنسبة إلى المجيء؛ إذ الإكرام حينئذٍ لا ينفك عن المجيء، وهذا بخلاف ما إذا فرض تقييد الإكرام بمجيئه، فيبقى معه محلّ حاجة وبيان لإطلاق الوجوب؛ وذلك لجواز تقييد الوجوب حينئذٍ بالمجيء. وكلّما دار الأمر بين تقييدين أحدهما يبطل محلّ الإطلاق في الآخر دون العكس، كان العكس أولى. والسرّ فيه أنّ التقييد، وإن لم يكن مجازاً، ولكنّه مع ذلك هو خلاف الأصل؛ أي الظاهر، ولا فرق في الواقع بين أن يقيّد الإطلاق بمقيّد خاص، وبين أن يعمل عملاً يشترك مع التقييد في الأثر وبطلان محلّ الإطلاق، فكل منهما على خلاف الأصل.

وعليه، إن رجع القيد إلى المادة، فيلزم خلاف واحد للأصل، وإن رجع إلى الهيئة فيلزم خلافان للأصل، ومن المعلوم أنّ الأوّل مقدّم على الثاني.

إشكال صاحب الكفاية على الوجه الأول:

هذا وقد أشكل صاحب الكفاية R بقوله: «أما في الأول: فلأن مفاد إطلاق الهيئة وإن كان شمولياً بخلاف المادة، إلا أنّه لا يوجب ترجيحه على إطلاقها، لأنّه أيضاً كان بالإطلاق ومقدمات الحكمة، غاية الأمر أنّه تارة يقتضي العموم الشمولي، وأخرى البدلي، كما ربما يقتضي التعيين أحياناً، كما لا يخفى».

يقول: قبلنا أنّ إطلاق المادة بدلي، وإطلاق الهيئة شمولي، ولكن لا نقبل بتقدم أحدهما على الآخر؛ فإنّ كلاًّ منهما آتٍ من رحم واحد، وهو مقدمات الحكمة، كل ما هنالك أنّ نتيجة كل منهما مختلفة، فمرّة يقتضي الشمول، وأخرى البدلية، وثالثة يقتضي التعيين؛ كاقتضاء الصيغة كون الوجوب نفسياً عينياً تعيينياً، كما تقدم.

وعليه، فالخلاف في جهة الإطلاق لا في الإطلاق نفسه؛ إذ الظهور في كليهما في مرتبة واحدة، بخلاف العموم، فإنّه مقدّم على الإطلاق لأنّه أظهر؛ ذلك أنّ ظهوره بالوضع، فهو تنجيزي غير معلّق على مقدمات الحكمة كالإطلاق، ممّا يجعله قرينة صالحة على الخلاف.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2528
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 03-10-2013
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 04 / 27