• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مقدمات علم الأصول / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 66 _ مقدمات علم الاصول 66 .

الدرس 66 _ مقدمات علم الاصول 66

 المبحث الثالث عشر كلام الفصول في صفات الله سبحانه وتعالى

قال صاحب الكفاية (رحمه الله): «لا ريب في كفاية مغايرة المبدأ مع ما يجري المشتق عليه مفهوماً، وإن اتحدا عيناً وخارجاً، فصِدق الصفات ­ مثل: العالم، والقادر، والرحيم، والكريم، إلى غير ذلك من صفات الكمال والجلال ­ عليه تعالى، على ما ذهب إليه أهل الحق من عينية صفاته، يكون على الحقيقة، فإن المبدأ فيها وإن كان عين ذاته تعالى خارجاً، إلا أنَّه غير ذاته تعالى مفهوماً».

هذا ما قاله صاحب الكفاية جواباً على ما ذكره صاحب الفصول (رحمه الله)؛ حيث قال: «يشترط في صدق المشتق على شيء حقيقة قيام مبدأ الاشتقاق به من دون واسطة في العروض إن كان صفة؛ (الضارب) و(القاتل) و...، وأمّا إذا كان المبدأ ذاتاً فلا يعتبر فيه القيام؛ كما في (البقّال) و(الحدّاد) و...، وخالف في ذلك جماعة، فلم يعتبروا قيام المبدأ في صدق المشتق؛ واستدلّوا بصدق (الضارب) و(المؤلِم) مع قيام الضرب والألم بالمضروب والمؤلَم. وانتصر لهم بعض أفاضل المتأخّرين بصدق (العالم) و(القادر) ونحوهما عليه مع عينيّة صفاته سبحانه وتعالى، كما هو الحق، وبصدق الخالق عليه سبحانه وتعالى مع عدم قيام الخلق به. وكلا الوجهين ضعيف، أمّا الأوَّل؛ فلأنّه مشترك الورود؛ إذ الظاهر إطباق الفريقين على أنَّ المبدأ لا بدّ أن يكون مغايراً لذي المبدأ، وإنَّما اختلفوا في وجوب قيامه به وعدمه، فالوجه التزام وقوع النقل في تلك الألفاظ بالنسبة إليه سبحانه وتعالى، ولهذا لا يصدق في حق غيره...».

هذا ما أورده صاحب الفصول في التنبيه الثالث من تنبيهات المشتق؛ حيث ذكر أنَّه أجمع الفريقان على اشتراط التغاير الخارجي بين المبدأ وذيه في صحة الحمل، فإن لم يكن بينهما تغاير لم يصحّ حمل المشتق على الذات، أو وجب التأويل.

وبناءً عليه، يرد الإشكال على حمل صفات الله سبحانه وتعالى الذاتية؛ (العالم) و(القادر) على ذاته المقدّسة، بناءً على ما ذهبت إليه الإمامية والحكماء؛ فإنَّ في المقام أقوال، منها:

الأوّل: أنَّ صفاتهLزائدة على ذاته، لازمة لها، فهي قديمة بقدمها، وهذا قول الأشاعرة.

الثاني: أنَّها زائدة على الذات وحادثة، وهذا ما نسب إلى الكرّامية.

الثالث: أنَّ معنى اتصاف الذات بها كون الفعل الصادر منها فعل من تلبّس بها؛ فكونها عالمة بمعنى أنّها تفعل فعل العالم في إتقانه وإحكامه؛ فالذات نائبة مناب الصفات. وهذا القول منسوب إلى المعتزلة.

الرابع: أنَّ صفاته سبحانه وتعالى عين ذاته، وكلّ منها عين الأخرى في الخارج؛ فهو عالم من حيث هو قادر، وقادر من حيث هو عالم، وهكذا... وهذا قول الإمامية والحكماء، وهو الحقّ؛ لأنَّه لو كانت الصفات زائدة على ذاتهL، للزم تركّبه منها ومن ذاته، وبالتالي افتقاره إليها، وكلّ مفتقر إلى غيره ممكن، وهذا خلف ما ثبت من كونه سبحانه وتعالى واجب الوجود لذاته. ثمَّ إنَّه لو كانت زائدة على الذات ولازمة لها في القدم، للزم تعدد القدماء، وهو خلف ما ثبت من كونه سبحانه وتعالى واحداً. وإذا كانت حادثة للزم أن يكون الواجبLمحلاً للحوادث، وهو باطل؛ للزومه النقص عليه سبحانه وتعالى؛ إذ لو كانت حادثة للزم خلوّه منها في آنٍ من الآنات، والخلوّ من الكمال نقص، وهي عليهLمحال. وتفصيل ذلك كله موكول إلى محله.

إذاً، بناءً على ما ذهبت إليه الإمامية والحكماء من أنَّ صفات الباري سبحانه وتعالى عين ذاته، يلزم أن تكون مبادئ الذات المقدّسة عينها، فلا يصحّ بالتالي حمل الصفات عليها؛ كما في قولنا: (الله عالم)، وقد أطبق الفريقان على اشتراط المغايرة بين المبدأ والذات.

أجاب صاحب الفصول على هذا الإشكال بأنّ الصفات الذاتية المحمولة على الذات المقدّسة إنَّما هي مستعملة في معنى آخر، أو في معنى مجازي، ولكنّه (رحمه الله) لم يوضح المراد من المعنى الآخر، ولم يبيّن ما هو المعنى المجازي.

نقول: أوَّلاً: إنَّ الإجماع المدّعى من إطباق الفريقين على اشتراط التغاير الخارجي بين المبدأ والذات لصحة الحمل، غير ثابت من جهة، ومن جهة أخرى إنَّ الإجماع المعتبر عند الأعلام هو في الأحكام الفرعية الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السّلام)، لا في مثل المقام.

ثانياً: تقدّم كفاية التغاير من جهة في صحة الحمل، وهذا حاصل في حمل صفاته سبحانه وتعالى على ذاته المقدّسة؛ إذ إنَّ التغاير المفهومي بين الذات المقدّسة والصفات (العلم) و(القدرة) كافٍ، وهو حاصل وإن كانت الذات المقدّسة متّحدة معها خارجاً.

ولعلّ السرّ في ذهاب صاحب الفصول (رحمه الله) إلى لا بديَّة التغاير بين المبدأ والذات، هو نظره إلى الممكنات، فإنَّ ذواتها مغايرة لمبادئ المشتقات المحمولة عليها؛ كما في قولنا: (زيد كاتب)، فزيد شيء والكتابة شيء آخر مغاير له، إلا أنَّ ذلك لا يقاس على واجب الوجودL؛ لأنَّ التغاير بين الذات والمبدأ بالنسبة للممكنات إنَّما حصل لأنَّهما من عالم الماهية، بينما الواجب سبحانه وتعالى وصفاته الذاتية لا ماهية لهما؛ لأنَّ الماهية أمر زائد على وجود ذيها، وهي حدّ له، والحقسيط، فلا شيء يزيد على وجوده، وما من شيء يحيطه ويحدّه، بل هو سبحانه وتعالى بكل شيء محيط.

والخلاصة إلى هنا: إنّه لا يشترط في صحّة الحمل التغاير الخارجي بين المبدأ والذات، وإنَّما يكفي التغاير من جهة. وعليه، لا إشكال في حمل صفات الباري سبحانه وتعالى الذاتية على ذاته المقدّسة، وإن كانا متّحدين خارجاً، لكفاية التغاير المفهومي بينهما.

 

 المبحث الرابع عشر

قيام المبدأ بالذات

قال صاحب الكفاية (رحمه الله): «إنه وقع الخلاف بعد الاتفاق على اعتبار المغايرة ­ كما عرفت ­ بين المبدأ وما يجري عليه المشتق، في اعتبار قيام المبدأ به، في صدقه على نحو الحقيقة، وقد استدل من قال بعدم الاعتبار، بصدق الضارب والمؤلِم، مع قيام الضرب والألم بالمضروب والمؤلَم ­ بالفتح ­.

والتحقيق: إنه لا ينبغي أن يرتاب من كان من أولي الألباب، في أنَّه يعتبر في صدق المشتق على الذات وجريه عليها، من التلبس بالمبدأ بنحو خاص، على اختلاف أنحائه الناشئة من اختلاف المواد تارة، واختلاف الهيئات أخرى».

وقع الخلاف بين الأعلام حول اشتراط قيام المبدأ بالذات لصحة حمل المشتق عليها حقيقة، فمنهم من ذهب إلى عدم الاشتراط، ومنهم من ذهب إلى الاشتراط، ومنهم كصاحب الفصول (رحمه الله) اشترط القيام ولكن على نحو خاص؛ كالحلول والصدور ونحو ذلك؛ بحيث يكون بين المبدأ والذات اثنينيَّة وتغاير، فإن لم يكن بينهما ذلك، لم يصحّ الحمل إلا مع التصرّف بالمحمول، كما تقدّم في الصفات الذاتية للحق سبحانه وتعالى؛ بحمله على معنى مجازي معيَّن، أو نقله إلى معنى آخر.

هذه خلاصة الأقوال في المسألة.

وقد استدل القائلون بعدم الاشتراط بصحة حمل (الضارب) على زيد في قولنا: (زيد ضارب عمرو)، مع أنَّ القيام قائم بعمرو لا بزيد، وكذا في قولنا: (زيد مؤلِم عمرو)، فإنَّه صح حمل (المؤلِم) على زيد، مع أنَّ الألم قائم في عمرو. وكذا في المبادئ الجامدة، فإنَّه يصحّ حمل المشتق منها على الذات، مع أنَّ المبادئ الجامدة لا تقوم بالذوات؛ مثل قولنا: (زيد لابِن)، أو (تامر)؛ فإنَّ (اللبن) و(التمر) لا يصحّ قيامهما بالذات.

أمّا صاحب الفصول، فلمَّا اشترط في صحة حمل المشتق على الذات، أن يكون المبدأ قائماً بالذات على نحو يلزم منه اثنينيّتهما وتغايرهما، لزمه أن يتصرف في معنى الصفات الذاتية للباريL؛ لأنَّها لمّا كانت عين ذاته المقدّسة، انتفت الاثنينية بين مبدئها والذات، فلزم نقلها إلى معنى آخر، أو حملها على المجاز.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2451
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 20-02-2013
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28