• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مقدمات علم الأصول / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 58 _ مقدمات علم الاصول 58 .

الدرس 58 _ مقدمات علم الاصول 58

الدليل الثالث: برهان التضاد

قال صاحب الكفاية (رحمه الله): «كيف؟ وما يضادها بحسب ما ارتكز من معناها في الأذهان يصدق عليه؛ ضرورة صدق القاعد عليه في حال تلبسه بالقعود، بعد انقضاء تلبسه بالقيام، مع وضوح التضاد بين القاعد والقائم بحسب ما ارتكز لهما من المعنى، كما لا يخفى. وقد يقرر هذا وجها على حدة».

إنَّ برهان التضاد من أقوى البراهين على صحّة الوضع لخصوص المتلبس بالمبدأ فعلاً، ومفاده: لو كان المشتق موضوعاً للأعم، لصدق على زيد أنَّه قائم حال قعوده وانقضاء مبدأ القيام عنه؛ حيث يطلق عليه حينئذٍ أنَّه قائم وقاعد في آنٍ واحد، وهو باطل؛ لأنَّه اجتماع للضدين. وعليه، فالقول بالأعم يلزمه اجتماع الضدين، واللازم باطل، فالملزوم مثله، فيتعيّن القول بالأخص.

وبعبارة أخرى: نحن نعلم أنَّ بين المبادئ تضادّاً؛ فبين العلم والجهل تضاد، وبين البياض والسواد تضاد، وبين القيام والقعود تضاد، وكما أنَّه بين المبادئ تضاد، فكذلك بين المشتقّات، وعليه لا يمكن اجتماع مشتقَّين متضادَّين على ذات واحدة في وقت واحد. نعم يمكن اجتماع مبدأين متخالفين، وبالتالي مشتقين متخالفين، ولكن غير متضادين؛ كاجتماع السواد والحلاوة في الدبس.

وبعبارة أخرى: إنَّ معنى المشتق لا يخلو، إمّا هو بسيط أو مركب، فإن كان بسيطاً؛ أي معناه (المبدأ لا بشرط)؛ أي لا بشرط بالنسبة الحمل؛ حيث يكون معنى (القائم) هو القيام لا بشرط، ومعنى (القاعد) هو القعود لا بشرط، فيكون المشتق الذي هو (القائم) عبارة عن القيام نفسه المتّحد وجوداً مع الذات، وكذلك (القاعد)؛ فالتضاد بين القيام والقعود لا محالة يستلزم التضاد بين القائم والقاعد.

أمّا على القول بأنَّ معنى المشتق مركّب من الذات المتلبّسة بالمبدأ في زمن ما، فقد يقال بعدم التضاد فيها، باعتبار أنَّ المشتقات موضوعة للذات التي ثبت لها المبدأ في الجملة، ولو في زمن ما، فيكون (القائم) هو الذي صدر عنه القيام، وهو لا يتنافى مع (القاعد) الذي هو عبارة عن الذات التي صدر عنها القعود.

وبالجملة، يكون ضدّ (القائم) هو (القاعد الدائمي)؛ بحيث لم يتلبس بالقيام أصلاً، وكذا الحال في القاعد. وأمّا المتلبس بالقيام في الجملة، فليس ضداً للقعود، وكذا العكس.

وفيه: سبق أن قلنا بعدم دخالة الزمن في مدلول المشتق، وبإخراج الزمن عن المدلول، تكون وظيفة هيئة المشتق نسبة المبدأ إلى الذات مع عدم التصرّف بالمبدأ، والذات بل المبدأ باقٍ على ما هو عليه من المعنى، وكذا الذات. وبعد تسليم التضاد بين المبادئ، فلا معنى لعدم تسليمه بين المشتقات.

والخلاصة: إنَّ التضاد بين المبادئ يسري إلى التضاد بين المشتقات نفسها، فيتعيّن حينئذٍ القول بالوضع لخصوص المتلبس بالمبدأ فعلاً.

هذا تمام ما ذكره صاحب الكفاية من أدلّة على القول بالأخص.

ونضيف بعض المؤيدات الشرعية على هذا القول، وهي كثيرة، منها:

لو كان زيد فقيراً، ثمَّ أصبح غنياً، فبناءً على القول بالأعم يكون مستحقاً للصدقات؛ عملاً بقولهL: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء »( )، والحق خلافه.

وكذلك لو طلّق زيد زوجته، فبناءً على القول بالأعم يجوز له النظر إليها بعد خروجها من العدّة، ويبقى استحقاقها للنفقة؛ لأنَّه بناءً على الأعم يصدق عليهما أنَّهما زوجان حقيقة، وهو باطل اتفاقاً.

وإنَّما جعلنا هذه الأمور وأمثالها مؤيّدات لا أدلّة؛ لأنَّه في الواقع لا منافاة بين القول بالأعم مع هذه الأمور؛ حيث يكون الدليل الخاص، وهو الدليل الشرعي، دلّ على عدم الالتزام بها.

إشكال صاحب البدائع:

ثمَّ ذكر صاحب الكفاية إشكالاً لصاحب البدائع المحقق الرشتي (رحمه الله) على برهان التضاد؛ حيث قال (رحمه الله): «ولا يرد على هذا التقرير ما أورده بعض الأجلة من المعاصرين، من عدم التضاد على القول بعدم الاشتراط، لما عرفت من ارتكازه بينها، كما في مبادئها».

حاصل الإشكال: إنَّ القول بالأخص يتوقّف على التضاد، ويتوقف التضاد على القول بالأخصّ، فيلزم الدور، وهو محال.

توضيح الإشكال: إنَّ التضاد متوقف على بقاء المبدأ، وإلا لو أنَّ زيداً تلبس بالقيام، ولم نشترط بقاء المبدأ فيه، ثمَّ عرض عليه القعود، فلا يقع التضاد؛ لأنَّ المبدأ الباقي هو القعود.

وعليه، فالقول بالتضاد متوقّف على اشتراط بقاء المبدأ. والمراد من اشتراط بقاء المبدأ، هو الوضع لخصوص حال التلبّس، وقد تقدم أنَّ الوضع لخصوص المتلبس بالمبدأ منوط بالتضاد؛ لأنَّ المفروض كونه دليلاً على الوضع لخصوص حال التلبس، فيلزم الدور حينئذٍ.

جوابه: ليس التضاد متوقّفاً على بقاء المبدأ، بل ليس متوقّفاً على شيء؛ فهو أمر بديهي مرتكز في الوجدان، والوجدانيات لا تتوقف على شيء، بل كلّ أدلّة العلوم البرهانية ترجع إليها، وإلا لو كانت الوجدانيات متوقّفة على شيء، لم يبقَ حجر على حجر.

 

 المبحث التاسع

أدلّة القول بالأعم

الدليل الأوَّل: التبادر

قال صاحب الكفاية (رحمه الله): «حجة القول بعدم الاشتراط وجوه: الأول: التبادر، وقد عرفت أنَّ المتبادر هو خصوص حال التلبس».

ممّا ادعي دليلاً على القول بالأعم، هو التبادر؛ حيث إنَّ المتبادر إلى الذهن من سماع مثل (زيد نائم) كونه نائماً وإن استيقظ وانقضى عنه مبدأ النوم.

وفيه: أنَّ الوجدان كافٍ في دحض هذه الدعوى؛ بل التبادر وجداناً إلى المتلبس بالمبدأ فعلاً.

الدليل الثاني: عدم صحة السلب

قال صاحب الكفاية (رحمه الله): «الثاني: عدم صحة السلب في مضروب ومقتول، عمن انقضى عنه المبدأ. وفيه: إنَّ عدم صحته في مثلهما، إنما هو لأجل أنَّه أريد من المبدأ معنى يكون التلبس به باقياً في الحال، ولو مجازاً».

الدليل الثاني على القول بالأعم، هو عدم صحة سلب المشتق عمّن انقضى عنه المبدأ؛ ففي قولك: (زيد مضروب عمرو)، يبقى صدق المضروبيّة على زيد حتى بعد انقضاء المبدأ وتوقّف عمرو عن ضربه، ولا يصحّ سلبها عنه. وكذا في قولك: (زيد مقتول عمرو)؛ حيث يبقى صدق المقتولية على زيد حتى بعد انتهاء فعل القتل، ولا يصحّ سلبها عنه.

وقد أجاب صاحب الكفاية بأنَّ صدق المشتق عمّن انقضى عنه الضرب والقتل، إنّما منشؤه تفسير المبدأ بمعنى مجازي طويل وباقٍ، فبتفسير الضرب بالإيلام، صحّ إطلاق المضروب على زيد بعد توقّف عمرو عن ضربه؛ لأنَّه بعد ذلك يبقى متألّماً. وبتفسير القتل بإزهاق الروح وحصول الموت، صحّ إطلاق المقتول على زيد؛ لأنَّه بعد انقضاء القتل يبقى إزهاق الروح.

هذا ما أجاب به صاحب الكفاية مقحماً المبدأ في محلّ البحث، ولكنّه ذكر سابقاً في المبحث الرابع أنَّ اختلاف المبادئ لا يوجب اختلافاً في الهيئة التي هي مدار البحث؛ فإنَّ الكلام في كون الهيئة هل هي موضوعة للأخصّ أم للأعم؟

والإنصاف: أنّنا لسنا بحاجة إلى هذه التكلّفات؛ لأنَّ المبدأ باقٍ على معناه الأصلي، وهو نفس الضرب، أو القتل، أمّا عدم صحة سلب المضروب أو المقتول عمّن انقضى عنه المبدأ، فهو بلحاظ حال التلبس السابق؛ فقولك: (هذا مضروب) أو (مقتول)؛ أي هذا الذي وقع عليه الضرب أو القتل سابقاً. وأمّا بلحاظ الحال الفعلي، فيصحّ السلب عنه؛ حيث تقول: (هذا ليس مضروباً الآن)، أو (ليس مقتولاً الآن)، بل كان كذلك في السابق.

وبالجملة، إنَّ قولنا بعد الانقضاء: (زيد مضروب عمرو)، و(زيد مقتول عمرو)، هو بلحاظ حال التلبس والاتصاف بالجري؛ وذلك بالقرينة المتقدّمة، وهي صحّة السلب حال التقيُّد بالفعلية.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2443
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 06-02-2013
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19