المبحث الثاني أسماء الزمان
قال صاحب الكفاية (رحمه الله): «ثانيها: قد عرفت أنَّه لا وجه لتخصيص النـزاع ببعض المشتقات الجارية على الذوات، إلا أنَّه ربما يشكل بعدم إمكان جريانه في اسم الزمان، لأنَّ الذات فيه وهي الزمان بنفسه ينقضي وينصرم، فكيف يمكن أن يقع النـزاع في أنَّ الوصف الجاري عليه حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدأ في الحال، أو فيما يعم المتلبس به في المضي؟».
عرفنا في المبحث الأوّل أنَّ النـزاع في المشتق يعمّ جميع المشتقات النحوية عدا الأفعال والمصادر، ويعم الجوامد، شريطة أن يصحّ حمل كلّ ذلك على الذات، وأن لا تكون عناوين ذاتية؛ بحيث يلزم من انتفاء المبدأ عنها انتفاء الذات.
ثمَّ تناول صاحب الكفاية في المبحث الثاني من الأمر الثالث عشر أسماء الزمان، فإنّه قد يُتوهم خروجها عن محلّ النـزاع نظير العناوين الذاتية؛ ذلك أنَّ الذات فيها هي الزمان نفسه، فإذا انقضى التلبس بالمبدأ انقضى الزمان وانصرم؛ لأنَّه غير قارّ الذات، وعليه لا معنى حينئذٍ للنـزاع حول أنَّ إطلاق اسم الزمان على الذات وهي الزمان، بعد انقضاء المبدأ وبالتالي انقضاء زمانه إطلاق حقيقي أم مجازي؛ لأنَّه من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.
ومثاله: (مقتل الإمام الحسين (عليه السّلام) يوم عاشوراء سنة 61 هجرية)، (المقتل) اسم الزمان، والذات فيه عبارة عن (يوم عاشوراء من السّنة المذكورة)، فإذا انقضى التلبّس بالمبدأ وهو (القتل)، كانت الذات وهو (يوم عاشوراء من سنة 61 هجرية) منقضية، وبالتالي ليس لذات اسم الزمان ثباتٌ لنحتمل وضع اسم الزمان للأعمّ؛ لأنَّ معنى الوضع للأعم أنَّ المشتق موضوع للذات الجامعة بين التلبس بالمبدأ أو المنقضي عنها، فإذا كانت الذات منقضية بانقضاء المبدأ، فلا شيء باقٍ ليكون المشتق موضوعاً له حينئذٍ.
جواب صاحب الكفاية:
أجاب صاحب الكفاية (رحمه الله) عن هذا التوهم بقوله: «ويمكن حل الإشكال بأن انحصار مفهوم عام بفرد كما في المقام لا يوجب أن يكون وضع اللفظ بإزاء الفرد دون العام، وإلا لما وقع الخلاف فيما وضع له لفظ الجلالة، مع أنَّ الواجب موضوع للمفهوم العام، مع انحصاره فيه تبارك وتعالى».
حاصل جوابه: إنَّ الكلام في المشتق يقع في مفاد هيئة المشتق ومفهومه، لا في مصداقه، واسم الزمان موضوع لمعنى كلّي وسيع وإن كان مصداقه في الخارج واحداً، وهو الذات التي تنقضي بانقضاء المبدأ.
وعليه، لا يلزم من وحدة الفرد الخارجي امتناع وقوع النـزاع حول كون اسم الزمان موضوعاً لخصوص المتلبس بالمبدأ فعلاً أم للأعمّ، وذلك نظير لفظ الجلالة (الله) سبحانه وتعالى؛ فرغم أنَّ مصداقه واحد خارجاً، إلا أنَّه وقع النـزاع حول أنَّه هل هو علَم شخصي، أم أنَّه موضوع لمفهوم واجب الوجود الكلي وإن كان له مصداق واحد خارجاً.
وكذلك نظير مفهوم (واجب الوجود لذاته)، فإنَّه مفهوم كلّي رغم كون مصداقه واحداً في الخارج، فإنَّ ذلك يدلّ على أنَّ انحصار المفهوم في فرد خارجي لا يخرجه عن كونه موضوعاً لمعنى كلي.
وفيه: أوّلاً: أنَّ التنظير بواجب الوجود لذاته في غير محلّه؛ فإمّا أن نأخذ لفظ (الواجب)، والذي معناه (الثابت)، وهو معنى منطبق على الذات المقدّسة وغيرها؛ إذ كلّ موجود ثابت، فلا يكون نظيراً لأسماء الزمان التي تنحصر مصاديقها خارجاً بمصداق واحد. وإمّا أن نأخذ (الواجب لذاته)؛ أي نضمّ إليه كلمة أخرى، فهو حينئذٍ وإن أفاد الانحصار بالذات المقدّسة، إلا أنَّ ذلك من باب تعدّد المدلول بتعدّد الدال، والفرض أنّنا نبحث في اللفظ الواحد الموضوع لمعنى كلّي.
ثانياً: تقدَّم أنَّ الغاية من الوضع هي التفهيم والتفهّم، فما الغاية من وضع أسماء الزمان لمعانٍ كلية إن كان لها فرد واحد خارجاً؟ فليس الكلام في إمكان وضع اللفظ لمعنى كلّي وعدم إمكانه إن كان له فرد واحد في الخارج، وإنَّما الكلام فيما يتعقّب الوضع، وأنَّه ما الغاية منه؟ فإذا لم تتعلق الحاجة بالوضع لذلك، كان الوضع لغواً، وبالفعل لا توجد حاجة متعلّقة باستعمال اسم الزمان في الجامع بين الزمان المنقضي عنه المبدأ والزمان المتلبّس به فعلاً، وقياسه على اسم الجلالة في غير محلّه؛ لأنَّ اسم الجلالة الذي اختُلف في وضعه للذات المقدّسة أو لواجب الوجود لذاته، تتعلّق الحاجة به لاستعماله في الجامع، وهي مسألة البحث عن التوحيد وغيره، فتأمل.
وعليه، فلا يكفي مجرّد إمكان أن تكون أسماء الزمان موضوعة لمعنى كلّي، إذا لم تكن ثمّة نكتة في البين.
|