أقول: إنّ توثيق الشيخ المفيد رحمه الله وإن كان واضحاً ومقبولاً لكونه من المتقدمّين وممّن يعتمد عليه في التوثيق وغيره، إلاّ أنّه لا ظهور في كلامه على أنّ مراده من الأصحاب الموثّقين هم الذين ذكرهم ابن عقدة حتى يقال: إنّ الشيخ رحمه الله ذكر في رجاله ما ذكره ابن عقدة، ويكونون معروفين حينئذٍ.
ولا يوجد عندنا قرينة تدلّ على أنّ مراد الشيخ المفيد رحمه الله من الأصحاب الموثقين هم الذين ذكرهم ابن عقدة، لا سيّما وأنّ الكتب الرجالية كانت كثيرة في زمن الحسن بن علي بن محبوب إلى زمن الشيخ رحمه الله، فقد بلغت على ما قيل نيفاً ومائة، فيمكن أن يكون مقصود الشيخ المفيد رحمه الله من الرجال الموثقين، هم المذكورون في هذه الكتب.
وأمّا التوثيقات الصادرة بعد الشيخ المفيد رحمه الله، فهي راجعة إليه مضافاً إلى أنّها صادرة من المتأخرين وتوثيقاتهم لا يعتمد عليها، لكونها مبنيّة على الحدس.
وأمّا بالنسبة لكلام السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله، فهو مبني على كون عبارة الشيخ المفيد رحمه الله ناظرة إلى ما ذكره ابن عقدة.
وبما أنّه لم يثبت ذلك، فإشكالات السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله لا موقع لها حينئذٍ، وإن كان كلامه بالجملة صحيحاً لو كانت عبارة الشيخ المفيد رحمه الله ناظرة إلى ما ذكره ابن عقدة.
وإنّما قلنا صحيحة بالجملة، لأنّه قد يرد على ما ذكره من أنّ أحمد بن نوح زاد على ما جمعه ابن عقدة ممّن روى عن الصادق عليه السلام، إلاّ أنّه مع ذلك لم يبلغ عدد ما ذكره الشيخ رحمه الله أربعة آلاف، فإنّ المذكورين في رجاله لا يزيدون على ثلاثة آلاف إلاّ بقليل.
وجه الإيراد: هو ما ذكره المحدّث النوري رحمه الله من أنّ ما اسقطه في باب أصحاب الصادق عليه السلام أثبته في باب أصحاب أبي جعفر الباقر عليه السلام، وفي باب أصحاب أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام، لأنّ بعض أصحاب الصادق عليه السلام، أدرك عصر الإمام الباقر عليه السلام، كما أدرك عصر الإمام الكاظم عليه السلام، فاكتفى الشيخ رحمه الله في رجاله في الباب المعقود لخصوص أصحاب الإمام الصادق عليه السلام بذكر من اختصّ بالصادق عليه السلام، ولم يدرك الإمام الباقر عليه السلام، ولا الإمام الكاظم عليه السلام، ولكن ابن عقدة جعل المناط كلّ من روى عن الصادق عليه السلام وإن كانت له رواية عن غيره.
والخلاصة إلى هنا: لا يظهر من كلام الشيخ المفيد رحمه الله أنّه ناظر إلى من ذكرهم ابن عقدة. وعليه، فلا تصل النوبة إلى المناقشة. والله العالم.
الأمر الرابع: بنو فضّال ومشايخهم.
فقد ادعي وثاقتهم ووثاقة مشايخهم، واستدلّ لذلك بما روى عن الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام أنّه قال: «خذوا بما رووا وذروا ما رأوا».
وهذه الرواية أوردها الشيخ الطوسي رحمه الله في كتاب الغيبة بهذا السند عن أبي محمد المحمدي، قال: حدثني أبو الحسين بن تمام، قال: حدثني عبد الله الكوفي خادم الحسين بن روح، قال: «سئل الشيخ يعني أبا القاسم رحمه الله عن كتب ابن أبي العزاقر بعدما ذُمّ وخرجت فيه اللعنة، فقيل له: فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملاء؟ فقال: أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام وقد سئل عن كتب بني فضّال، فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟ فقال عليه السلام: (خذوا بما رووا وذروا ما رأوا»[1].
وقد اعتمد الشيخ الأنصاري رحمه الله على هذه الرواية، وحكم بصحّة روايات بني فضّال. قال في كتاب الصلاة عندما تعّرض لرواية داود بن فرقد، وقال: روى الشيخ عن داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي بمقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فإذا مضى مقدار ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر....
ثمّ قال: «وهذه الرواية وان كانت مرسلة إلاّ أنّ سندها إلى الحسن بن فضّال صحيح. وبنو فضّال ممّن أمروا بالأخذ بكتبهم ورواياتهم... الخ»[2].
وقد استشكل على هذه الرواية تارةً من حيث السند، وأخرى من حيث الدلالة.
وأمّا من حيث السند، فهي ضعيفة بجهالة عبد الله الكوفي خادم الحسين بن روح.
وقيل: بجهالة أبو الحسين بن تمام.
ولكن الإنصاف: أنّ هذا الرجل، وثّقه النجاشي رحمه الله.
وأما من حيث الدلالة، فهي لا تدلّ على الأخذ بجميع كتبهم، وإن اشتملت على ضعف أو جهالة أو إرسال، بل مفادها أنّ فساد العقيدة لا يضرّ بالرواية، إذا كانوا على الاستقامة في زمانها.
وبالجملة، فكما أنّه قبل فساد العقيدة لم يكن يؤخذ برواياتهم فيما إذا كانت الرواية مرسلة أو عن ضعيف أو مجهول الحال، فكذلك بعد فساد العقيدة.
وهل بنو فضّال في حال انحرافهم يكونون أحسن حالاً من حال الاستقامة حتى يؤخذ برواياتهم الضعيفة في حال الانحراف ولا يؤخذ بها في حال الاستقامة، إنّ هذا لشيء عجاب؟
وبنو فضّال هم: الحسن بن علي بن فضال، وأحمد بن الحسن بن علي بن فضال، وأخوه علي بن الحسن بن علي بن فضال.
[1] كتاب الغيبة، صورة بعض توقيعات الحجة عجل الله فرجه، ص 390.
[2] كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري، ج1، ص35.
|