• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : التعادل والتراجيح / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 12 _ التعادل والتراجيح 12 .

الدرس 12 _ التعادل والتراجيح 12

*قال صاحب الكفاية (رحمه الله): لا يخفى أن ما ذكر من قضية التعارض بين الأمارات انما هو بملاحظة القاعدة في تعارضها والآخر بما يدعى الإجماع على عدم سقوط كلا المتعارضين في الأخبار كما اتفقت عليه كلمة غير واحد من الأخبار*
قد عرفت فيما سبق: أن مقتضى القاعدة الأوليّة العقلية في تعارض الخبرين هو التساقط، إلّا أن الأعلام ذكروا ان مقتضى الأدلة النقلية الخاصة، كالإجماع والأخبار العلاجية، قائمان على عدم سقوط الخبرين المتعارضين بل أن أحدهما حجّة تعييناً أو تخييراً، وبذلك نرفع اليد عمّا تقتضيه القاعدة العقلية عن سقوطهما معاً عن الحجّية، ولكن سيأتي -ان شاء الله تعالى- ان مبنانا في المسألة هو التساقط أيضاً، إذا لم يكن هناك مرجح لأحد الخبرين على الآخر، فلا فرق عندنا بين القاعدة الأوّلية والقاعدة الثانوية من هذه الجهة.

ثم أنه بناءً -كما ذكره الأعلام- على عدم سقوطهما عن الحجّية رأساً بمقتضى الإجماع المدعى والأخبار العلاجية الآتية: فلو شك في أن الحجّة هل هو أحدهما المعين أم أن الحجّة أحدهما تخييراً. فما هي القاعدة عند دوران الحجّة بين التعيين والتخيير؟ وبالجملة: فإنه إذا لم يترجح عندنا أخبار التخيير على أخبار الترجيح ولا العكس، فما هي القاعدة بعد الفراغ عن عدم سقوط الخبرين المتعارضين عن الحجّية رأساً -لأجل الإجماع والأخبار العلاجية- هل هي التعيين أم التخيير؟
ذهب جماعة من الأعلام -بل أغلبهم-: إلى أن القاعدة هي التعيين. منهم: صاحب الكفاية (رحمه الله)، والشيخ الأنصاري (رحمه الله) حيث قال: «هذا وقد عرفت فيما تقدم إنا لا نقول بأصالة التخيير في تعارض الأخبار بل ولا غيرها من الأدلة بناءً على أن الظاهر من أدلتها وأدلّة حكم تعارضها كونها من باب الطريقية ولازمه التوقف والرجوع إلى الأصل المطابق لأحدهما أو أحدهما المطابق للأصل، إلّا أن الدليل الشرعي دلّ على وجوب العمل بأحد المتعارضين في الجملة، وحيث كان ذلك بحكم الشرع فالمتيقن في التخيير هو صورة تكافؤ الخبرين. أمّا مع مزية أحدهما على الآخر من بعض الجهات فالمتيقن هو جواز العمل بالراجح. وأمّا العمل بالمرجوح فلم يثبت، فلا يجوز الالتزام به، فصار الأصل وجوب العمل بالمرجح وهو أصل ثانوي بل الأصل فيما يحتمل كونه مرجحاً الترجيح به» (انتهى كلام الشيخ الأنصاري).
والإنصاف: هو ما ذهب إليه الأعلام -بناءً على عدم سقوطهما عن الحجّية راساً- من التعيين دون التخيير. وتوضيحه: أنه قد ذكرنا سابقاً في مبحث البراءة، ان دوران الأمر بين التعيين والتخيير: تارة: يقتضي الحكم بالبراءة. وأخرى: يقتضي الحكم بالاشتغال.
وأمّا ما يقتضي الحكم بالبراءة: فقد ذكرناه هناك بشكل مفصل فلا حاجة للإعادة. ومن أراده فليراجع.
وأمّا ما يقتضي الحكم بالاشتغال: هو ما إذا دار الأمر بين التعيين والتخيير في مرحلة الجعل في الأحكام الظاهرية ومقام الحجّية -كما فيما نحن فيه- فإذا دار الأمر بين كون الطريق الموصل إلى الواقع المبرئ للذمة هو هذا الخبر المعيّن أو المخيّر بينه وبين ذاك الخبر، فلا اشكال في ان سلوك ما يحتمل التعيين مبرئ للذمة قطعاً بخلاف الخبر الآخر. وبالجملة: فإن علم بحجّيته المردّدة بين كونها تعيينية أو تخييرية قاطع للعذر في مقام الامتثال ومبرئ للذمة قطعاً. وأمّا الخبر الآخر المحتمل كونه حجّة على نحو التخيير فهو محكوم بعدم الحجّية عقلاً وشرعاً، وذلك لما ذكرناه في أكثر من مناسبة، من أن الشك في الحجّية في مقام الجعل والإنشاء يساوق القطع بعدم الحجّية فعلاً، فكل ما شك في حجّيته لشبهة حكمية أو موضوعية، فالأصل عدمه ولا يصّح الاعتماد عليه في مقام العمل ولا يصّح اسناد مؤداه إلى الشارع المقدس في مقام الإفتاء وتكون النتيجة حينئذٍ هي الحكم بالتعيين. أضف إلى ذلك: أنه لا مجال للوجوب التخييري في العمل بالحجّة، لأنه قد يكون مؤدى الخبرين نقيضين أو ضدين لا ثالث لهما فيمتنع الوجوب التخييري بينهما، لأن وجود الشيء يكون حاصلاً قهراً في فرض عدم ضده أو نقيضه، وقد لا يكون مؤداهما معاً حكماً إلزامياً فلا معنى للوجوب في المقام، فيتعين كون المرجع عند الشك أصالة عدم الحجّية في غير ما يحتمل التعيين. وأمّا محتمل التعيين فهو معلوم الحجّية قطعاً. هذا كلّه بناءً على مقتضى القاعدة الثانوية.
وأمّا إذا نظرنا إلى الأخبار العلاجية: فهل المستفاد منها هو الأخذ بالتخيير مطلقاً، أو التوقف الذي مرجعه إلى الاحتياط، لأن التوقف في الفتوى يستلزم الاحتياط في العمل، أو أن المستفاد منها الأخذ بما يوافق منهما الاحتياط ان كان وإلّا فالتخيير؟
ومنشأ الاختلاف: اختلاف الروايات الواردة في المقام، فإن منها ما يدل على التخيير مطلقاً. وهي خمس روايات: ثلاثة منها في كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله) وهي ضعيفة بالإرسال:
الرواية الأولى: رواية الحسن بن الجهم عن الرضا (عليه السّلام)، قال: «قلت له: تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة. فقال: ما جاءك عنّا فقس على كتاب الله عزّ وجلّ وأحاديثنا فإن كان يشبههما فهو منّا وان لم يكن يشبههما فليس منّا. قلت: يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيّهما الحق.  قال: فإذا لم تعلم فموسع عليك بأيّهما أخذت».[1]
الرواية الثانية: رواية الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله (عليه السّلام)، قال: «إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم (عليه السّلام) فترد عليه».[2] وقد ذكر جماعة من الأعلام: أن التخيير في هذه الرواية مختص بحال الحضور والتمكن من الوصول إلى الإمام (عليه السّلام). ولكن الإنصاف: أن التحديد في قوله (عليه السّلام): «حتى ترى
`القائم (عليه السّلام)»، كناية عن مرور الأزمنة السابقة على زمان التمكن من الوصول إلى الحجّة، وبهذه الجهة تكون الرواية ظاهرة جدّاً في الشمول لحال الغيَبة، إذ لا خصوصية لزمان الحضور، وإنما المدار على التمكن من الوصول إلى الإمام وعدم التمكن منه.

 

[1] وسائل الشيعة: باب 9 من أبواب صفات القاضي، ح40.

[2] وسائل الشيعة: باب 9 من أبواب صفات القاضي، ح41.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1840
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 27-03-2019
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19