• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : التعادل والتراجيح / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 8 _ التعادل والتراجيح 8 .

الدرس 8 _ التعادل والتراجيح 8

[الخلاصة]

*- الكلام في: التعادل والتراجيح.
*- الكلام في: أنّ الأصل في المتعارضين هل هو التساقط أم التخيير. ثم إن البحث: تارة: يكون على القول بالطريقية والكاشفية في الأمارات. وأخرى: على السببيّة والموضوعية فيها.
*- أمّا بالنسبة إلى نفي الحكم الثالث، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.



والإنصاف أن الوجه في سقوطهما عن الحجّية: هو أن الدليلين المتعارضين لما كان كل واحد منهما دالاً على نفي الآخر، إمّا بالمطابقة لو كانا متناقضي المضمون بالإيجاب والسلب، أو بالالتزام لو كانا متضادي المضمون كالوجوب والحرمة وكان اطلاق دليل حجّيتهما في المدلول المطابقي والإلتزامي في عرض واحد، امتنع دخولهما تحت الحجّية، لأن التعبّد بسند كل واحد منهما بما لهما من المضمون يؤدي إلى التعبّد بالنقيضين أو الضدين، وهو مستحيل سواء كان التعارض بينهما ذاتياً أو عرضياً، كوجوب صلاة الظهر من يوم الجمعة ووجوب صلاة الجمعة.
وأمّا التعبّد بأحدهما بعينه دون الآخر: فهو أيضاً مستحيل من المولى سبحانه وتعالى لكونه ترجيحاً بلا مرجح.
واعلم أن الترجيح بلا مرجح في الافعال الاختيارية ليس محالاً، إذ المستحيل هو وجود الممكن بلا علّة، وأمّا ترجيح الخبر الفاقد للمزية على الواجد لها فليس بمحال، لكون علّة وجود المرجوح إرادة الفاعل المختار، غاية الأمر أنه قبيح لكونه بدون داعٍ عقلائي مع إمكان ايجاد الراجح. نعم، الترجيح بلا مرجح محال بالنسبة إلى الحكيم تعالى شأنه من حيث حكمته. وبالجملة: الترجيح بلا مرجح بمعنى بلا علّة: محال، وبمعنى بلا داع عقلائي: قبيح وليس بمحال.
وأمّا القول بالتخيير: فهو مبنيٌّ على دعوى شمول دليل الحجّية للواحد منهما بلا عنوان القابل للانطباق على كل واحد ولو بواسطة اختيار المكلف، كما لو ورد من أوّل الأمر التعبّد بأحدهما مخيّراً بينهما. ففيه، أوّلاً: ان الوجوب التخييري بعد انتهاء الأمر في التعبّد بالمتعارضين بمدلولهما المطابقي والإلتزامي إلى النقيضين أو الضدين اللذين لا ثالث لهما -من وجوب شيء وعدم وجوبه أو حرمته- غير متصور هنا، لأن مرجع الوجوب التخييري إلى الأمر بكل واحد من الأمرين في ظرف عدم وجود الآخر، وهذا انما يتصور فيما أمكن النهي شرعاً عن ترك مجموع الأمرين، لا في مثل النقيضين أو الضدين اللذين لا ثالث لهما، ممّا يكون وجود الشيء حاصلاً قهراً في فرض عدم ضده أو نقيضه. وثانياً: لو سلمنا إمكان تركهما معاً، إلّا أن معنى التخيير هو رفع اليد عن إطلاق دليل الحجّية بالنسبة إلى كل منهما، ورفع اليد يكون بالتقييد بترك الآخر، وهذا لازمه اتصاف كل منهما بصفة الحجّية عند ترك كل منهما، فيعود محذور التعبّد بالنقيضين أو الضدين.
والخلاصة: أنه لا بدّ من سقوطهما معاً عن الحجّية.

   إن قلت: إن تعيّن السقوط انما هو إذا كان الدليلان نصيّن في المؤدى، وأمّا إذا كانا ظاهرين فيه، فلا مانع من الأخذ بالمتعارضين بمقتضى عموم دليل التعبّد بالصدور، فيكون حكم مظنوني الصدور حكم مقطوعي الصدور في وجوب العمل بظاهرهما معاً إن أمكن، وإلا فيجمع بينهما بأي نوع من التأويل، وإن لم يمكن التأويل فيهما فيحكم بإجمالهما. قلت: يرد عليه أوّلاً: أنه لا يجب التأويل في المقيس عليه، وهو مقطوعاً الصدور فضلاً عن مظنوني الصدور، فإنه لا دليل على وجوب التأويل وحملهما على خلاف ظاهرهما مع عدم مساعدة العرف على ذلك، والقطع بالصدور لا يقتضي التأويل، بل القطع بالصدور يلازم القطع بعدم إرادة المتكلم ظاهر كل منهما، وأمّا استخراج المراد منهما بالتأويل فهو ممّا لا يقتضيه القطع بالصدور بل لا بدّ من التوقف. وثانياً: لو سلّمنا وجوب التأويل في مقطوعي الصدور ولكن قياس مظنوني الصدور على مقطوعي الصدور في غير محلّه، لأن أدلّة التعبّد بالسند لا يمكن أن تشمل المتعارضين، فإن معنى التعبّد بالسند هو البناء على صدور الكلام بما له من الظهور في مؤداه، والمفروض أنه لا يمكن البناء على صدور كل من المتعارضين بما لهما من الظهور، وأين هذا من مقطوعي الصدور اللذين لا تنالهما يد التعبّد.
والخلاصة: أنه لا سبيل إلى توّهم وجوب الجمع بينهما ولو بحمل أحدهما أو كليهما على خلاف الظاهر، فإن ذلك تصرّف في الروايتين بلا موجب.
والنتيجة في نهاية المطاف هي: أن القاعدة في المتعارضين تقتضي سقوطهما معاً، سواء قلنا إن التعارض يكون بين الظهورين أو قلنا إنه يكون بين السندين أو قلنا إنه يكون بين سند كل منهما وظهور الآخر، فإنه على جميع التقادير أدلة اعتبار السند والظهور لا تشمل المتعارضين، لأنه لا يترتب على التعبّد بصدور المتعارضين أثر سوى البناء على إجمالهما، وعدم إرادة الظاهر من كل منهما، ولا معنى للتعبّد بصدور كلام تكون نتيجة التعبّد إجمال الكلام. هذا كلّه بالنسبة إلى خصوص مؤدى الخبرين.

أمّا بالنسبة إلى نفي الحكم الثالث، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1830
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء: 19-03-2019
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16