[الخلاصة]
* في الصلوات المستحبّة: نافلة شهر رمضان.
* الكلام في: استحباب نافلة شهر رمضان: ويقع الكلام في أمرَيْن: الأمر الأوَّل: في استحباب هذه النافلة وشرعيَّتها. الروايات التي تدل بظاهرها على نفي مشروعية هذه الصلاة.
* الكلام في: استحباب نافلة شهر رمضان: ويقع الكلام في أمرَيْن: الأمر الثاني: في قدرها. الروايات الواردة في المقام.
* أما تتمة الروايات، فهذا ما يأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
ثمَّ إنَّه هناك جملة من الرِّوايات، بل لعلَّها مستفيضة، تدلّ بظاهرها على نفي مشروعيَّة هذه النافلة في شهر رمضان:
منها: موثَّقة محمَّد بن مسلم، قال: «سمعتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) يقول: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا صلَّى العشاء الآخرة آوى إلى فراشه لا يصلي شيئاً، إلَّا بعد انتصاف اللَّيل، لا في رمضان، ولا في غيره».[1] وهي موثَّقة، لأنَّ في إسناد الشَّيخ (رحمه الله) إلى عليِّ بن الحسن بن فضَّال: علي بن محمَّد بن الزُّبير القرشي المعروف بابن الزُّبير، وهو وإن لم يوثَّق بالخصوص إلَّا أنَّه من المعاريف والمشاهير، وهو شيخ المشايخ، وذلك كاشف عن وثاقته.
ومنها: صحيحة الحلبي، قال: «سألتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن الصَّلاة في شهر رمضان، فقال: ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر وركعتا الصُّبح قبل الفجر، كذلك كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآلُه يصلِّي، وأنا كذلك أُصلِّي، ولو كان خيراً لم يتركه رسول الله (صلى الله عليه وآلِه) وآلُه)».[2] هكذا في نسخة الفقيه، وفي نسخة التهذيب: «سألته عن الصَّلاة ...».
ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السَّلام)، قال: «سألتُه عن الصَّلاة في شهر رمضان، فقال: ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر وركعتان قبل صلاة الفجر، ولو كان فضلاً كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآله أَعْمَل به وأَحَقّ».[3]
وقد ذكر الأعلام بعض التأويلات لهذه الرِّوايات: قد أشار إليها صاحب الوسائل (رحمه الله)، قال في ذَيْل موثَّقة محمَّد بن مسلم المتقدِّمة: «قد عرفت أنَّ معارضات هذه الأحاديث متواترةً، بل تجاوزت حدّ التواتر كما تقدَّم في الأبواب الثمانية، فلا بدّ من تأويلها، وقد حمل الشَّيخ هذه الأحاديث على نفي الجماعة في نوافل رمضان، واستشهد بما يأتي؛ ويمكن أن يراد عدم استحباب الزِّيادة في النوافل المرتبة، أو يراد نفي وجوب نافلة شهر رمضان وإن ثبت الاستحباب بما تقدَّم، ويحتمل الحَمْل على نفي تأكُّد الاستحباب بالنسبة إلى النوافل اليوميَّة فإنَّها آكد، أو على النَّسْخ بأنَّه لم يكن يصلِّي ثمَّ صار يصليها، أو على نفي صلاة التراويح كما يفعله العامَّة، ويحتمل الحَمْل على أنَّه ما كان يصلِّي هذه النوافل في المسجد بل في البيت» (انتهى كلامه). أقول: إنَّ هذه الرِّوايات النافية قد هجرها الأصحاب قديماً وحديثاً، بحيث لم يعرف عامل بها -وأمَّا مخالفة الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله)، فقد عرفت حالها- وهذا بحدّ ذاته موجب لِسقوطها عن الحجيَّة وإن كانت صحيحة السَّند؛ هذا أوَّلاً. وثانياً: قد عرفت أنَّ الرِّوايات المثبتة متواترة من حيث المعنى. وعليه: فتكون تلك الرِّوايات النافية مخالفة للسُّنَّة القطعيَّة، وهذا سبب آخر لِسقوطها عن الحجيَّة. ومن هنا يتضح لك أنَّه لسنا بحاجة لتلك التأويلات التي ذكرها الأعلام رحمهم الله.
والخلاصة: أنَّ هذه الرِّوايات النافية للاستحباب يُردّ علمها إلى أهلها، والله العالم.
الأمر الثاني: في قدرها، وهل هي ألف ركعة، أم أكثر، أم أقل.
قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: «والمشهور ألف ركعة زيادةً على الرَّاتبة، رواه جميل بن دراج عن الصَّادق (عليه السّلام)، وعليُّ بن أبي حمزة أيضاً، وإسحاق بن عمَّار عن أبي الحسن (عليه السَّلام)، وسُماعة بن مهران عن الصَّادق (عليه السَّلام). (إلى أن قال): نعم قال ابن الجنيد: قد رُوِي عن أهل البيت (عليهم السَّلام) زيادة في صلاة اللَّيل على ما كان يصلِّيها الإنسان في غيره: أربع ركعات تتمَّة اثنتي عشرة ركعة، مع أنه قائل بالألف أيضاً، وهذه زيادة لم نقف على مأخذها، إلّا أنّه ثقة وإرساله في قوَّة المُسْنَد، لأنَّه من أعاظم العلماء؛ وقال الشَّيخ الجليل ذو المناقب والمآثر أبو عبد الله محمَّد بن أحمد الصَّفواني في كتاب التعريف: هي سبعمائة ركعة، ولعلَّه أراد الألف، وترك ذكرَ زوائدِ ليالي الإفراد لِشهرته» (انتهى كلامه). ومقصوده من «ليالي الإفراد»: ليالي القدر، كلّ ليلة مائة ركعة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وذكر جماعة من الأعلام: منهم المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى وهنا -أي كتاب الدروس-: أنَّه يستحبّ زيادةُ مائةٍ ليلةَ النَّصف، أي زيادةً على الألف.
وفي الجواهر -تعليقاً على قول المحقِّق (رحمه الله): فهي ألف ركعة في شهر رمضان زيادةً على النوافل المرتَّبة-: «بمعنى تأكُّد استحبابها في الشَّهر المزبور، وإلَّا فلا ريب في استحباب ذلك في كلّ ليلة، كما ينقل عنهم عليهم السَّلام فعلها كذلك» (انتهى كلامه).
أقول: الرِّوايات الواردة في تِعداد الرِّكعات مختلفة جدًّا، إلَّا أنَّه يستفاد منها الألف ركعة، كما يستفاد من منها زيادة المائة ركعة في النِّصف من شهر رمضان، زيادةً على الألف.
وإليك جملة من الرِّوايات:
منها: رواية جميل بن صالح عن أبي عبد الله (عليه السَّلام)، قال: «إنِ استطعت أن تصلِّيَ في شهر رمضانَ وغيرِه في اليوم واللَّيلة ألفَ ركعةٍ فافعل، فإنَّ عليّاً (عليه السَّلام) كان يصلِّي في اليومِ والليلةِ ألفَ ركعةٍ».[4] وهي ضعيفة بمحمَّد بن جعفر المؤدّب، وبجهالة النَّضر بن شعيب، وبجهالة الحسين بن عليّ بن شيبان القزويني الواقع في إسناد الشَّيخ إلى عليِّ بن حاتم.
ومنها: رواية عليّ بن أبي حمزة، قال: «دخلنا على أبي عبد الله (عليه السَّلام)، فقال له أبو بصير: ما تقول في الصَّلاة في رمضان؟ فقال له: إنَّ لِرمضان حرمةً وحقّاً، لا يشبهه شيء من الشُّهور، صلِّ ما استطعت في رمضان تطوُّعاً باللَّيل والنَّهار، وإنِ استطعت في كلِّ يومٍ وليلةٍ ألفَ ركعةٍ فصلِّ، إنَّ علياً (عليه السَّلام) كان في آخر عمره يصلِّي في كلِّ يومٍ وليلةٍ ألفَ ركعةٍ ...».[5] وهي ضعيفة بعليِّ بن أبي حمزة البطائني، وبعدم وثاقة القاسم بن محمَّد الجوهري.
أما تتمة الروايات، فهذا ما يأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
[1] وسائل الشيعة: باب 9 من أبواب نافلة شهر رمضان، ح3.
[2] وسائل الشيعة: باب 9 من أبواب نافلة شهر رمضان، ح1.
[3] وسائل الشيعة: باب 9 من أبواب نافلة شهر رمضان، ح2.
[4] وسائل الشيعة: باب 5 من أبواب نافلة شهر رمضان، ح1.
[5] وسائل الشيعة: باب 5 من أبواب نافلة شهر رمضان، ح2.
|