• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاصول العملية / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 236 _ تنبيهات الإستصحاب 57 .

الدرس 236 _ تنبيهات الإستصحاب 57

[الخلاصة]

*- التنبيه الرابع عشر: ما هو المراد من الشك الذي أخذ موضوعاً في باب الأصول العملية ومورداً في باب الأمارات.
*- وقد استدل الشيخ الأنصاري (رحمه الله) على أن المراد بالشك هو غير اليقين بعدّة أدلة:
*- الكلام في: أنه يعتبر في الاستصحاب كون القضية المشكوكة عين القضية المتيقنة موضوعاً ومحمولاً. ويقع الكلام في عدّة أمور: تتمة الكلام في الأمر السادس.
*- الكلام في: جريان الاستصحاب فيما لو قامت أمارة في مورده. ولي يتضح الحال، لا بدّ من بيان الفرق بين: الورود والحكومة والتخصيص والتخصصّ.
*- الكلام في: أن الحكومة على قسمين: القسم الأوّل: هو أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي شارحاً ومفسّراً للدليل الآخر. وإمّا أن يكون بمدلوله الإلزامي.
*- الكلام في: أنه لو كان أحد الدليلين بمدلوله الإلزامي شارحاً ومفسّراً للدليل الآخر: تارة يكون ناظراً إلى عقد الوضع، وأخرى يكون ناظراً إلى عقد الحمل.
*- أما التفصيل في كيفية كونه ناظراً إلى عقد الوضع أو عقد الحمل، فيأتي في الدرس القادم، إن شاء الله تعالى.



إن قلت: إنه مع العلم يكون العنوان علّة للحكم لا نحتاج إلى الاستصحاب لبقاء الموضوع، فيكفي نفس دليل الحكم في اثباته عند ارتفاع العنوان.
قلت: إن مجرد كونه من العلل لا يكفي في بقاء الحكم بعد زواله لاحتمال أن يكون العنوان علّة حدوثاً وبقاءً، فيرتفع الحكم بارتفاع علته ولا دافع لهذا الاحتمال إلّا التمسّك بالاستصحاب.
والنتيجة في نهاية المطاف: انه لا عبرة بظاهر الدليل بعدما كان المرتكز العرفي بحسب مناسبة الحكم والموضوع على خلاف ما يقتضيه ظاهر الدليل ابتداءً، فإنه بعد الالتفات إلى المرتكز العرفي وما تقتضيه مناسبة الحكم والموضوع لم يبقَ للدليل ظهور على خلاف المرتكز العرفي، ولهذا ذكر جماعة من الأعلام انه لا وجه للمقابلة بين الدليل والعرف، فإن مفاد الدليل يرجع بالنتيجة إلى ما يقتضيه نظر العرف، لأن المرتكز العرفي ومناسبة الحكم والموضوع يكون قرينة صارفة عمّا يكون الدليل ظاهراً فيه ابتداءً، فلو كان الدليل ظاهراً بدواً في قيديّة العنوان وكانت مناسبة الحكم والموضوع تقتضي عدمه فاللازم هو العمل على ما تقتضيه مناسبة الحكم والموضوع لأنها بمنزلة القرينة المتصلة فلم يستقر للدليل ظهور على الخلاف. والله العالم.


*قال صاحب الكفاية (رحمه الله): المقام الثاني: أنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب مع الأمارة المعتبرة في مورده وإنما الكلام في أنه للورود أو الحكومة أو التوفيق بين دليل اعتبارها وخطابه. والتحقيق انه للورود فإن رفع اليد عن اليقين السابق بسبب أمارة معتبرة على خلافه ليس من نقض اليقين بالشك، بل باليقين*
المعروف بين الأعلام قاطبة: أنه يعتبر في الاستصحاب أن يكون المستصحب مشكوك البقاء، وعليه: فلو دلّ دليل اجتهادي على بقاء المستصحب أو على ارتفاعه فلا معنى حينئذٍ لجريان الاستصحاب.
ولكن يظهر من بعضهم في بعض المسائل الفقهية: إعمال المعارضة بين الأمارات والأصول، ويمكن أن يكون ذلك منهم بناءً على كون الاستصحاب من الأمارات الظنية كما يشهد له استدلالهم للاستصحاب بكونه مفيداً للظن بالبقاء وحكم العقل بالأخذ بالراجح، وإلّا فبناء على أخذه من الأخبار، وكونه من الأصول العملية كما هو الإنصاف والمعروف بين الأعلام، فلا اشكال حينئذٍ في تقديم الأمارة وعدم جريان الاستصحاب معها. وإنما وقع الإشكال بينهم في وجه تقديم الأمارة، هل هو بمناط الورود كما ذهب إليه صاحب الكفاية (رحمه الله) ومن تبعه كالسيد أبو الحسن الأصفهاني وغيره، أو الحكومة كما ذهب إليه أغلب الأعلام، أو التخصيص.


ولكي يتضح الحال: لا بأس ببيان الفرق بين الورود والحكومة والتخصيص والتخصصّ، ثم نرى ما هو الإنصاف في المسألة، فنقول:
أمّا الورود: فهو عبارة عن كون أحد الدليلين رافعاً لموضوع دليل المورود وجداناً حقيقة ولكن بعناية التعبّد بالدليل الوارد بحيث لولا التعبّد من الشارع لكان المورود جارياً، وذلك كما في الطرق والأمارات المعتبرة بالنسبة إلى الأصول العقلية كالبراءة والاحتياط والتخيير، فإنه بالتعبّد بالأمارات المعتبرة والطرق يتمّ البيان، فلا يبقى موضوع لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان الذي هو موضوع البراءة العقلية، كما أنه يتحقق المؤمّن عند قيام الأمارات والطرق على الإباحة، فيرتفع احتمال الضرر الذي هو موضوع حكم العقل بالاحتياط، كما أنه بقيام الأمارات والطرق يرتفع التحيّر الذي هو موضوع حكم العقل بالتخيير.
وبالجملة: فببركة التعبّد بالأمارات والطرق يرتفع موضوع الأصل العقلي، ولولا التعبّد بها لجرى الأصل العقلي لبقاء موضوعه.

وأمّا التخصصّ: فهو خروج بعض الأفراد عن تحت الدليل موضوعاً بلا حاجة إلى ما يخرجه، وبذلك افترق عن الورود، فإنه بعد اشتراكهما في كون الخروج في كل منهما على وجه الحقيقة، لكن يمتاز التخصصّ عن الورود بأن الخروج فيه يكون بذاته تكويناً بلا عناية التعبّد كخروج الجاهل عن موضوع قوله: اكرم العلماء. وأمّا الورود: فالخروج فيه بعناية التعبّد أي أن المورد يكون خارجاً عن تحت دليل المورود بالعرض، حيث نشأ عن تصرف من الشارع المقدس بالتعبّد بدليل الوارد بحيث لولا عناية التعبّد لكان دليل المورود جارياً وشاملاً للمورد.
والخلاصة: ان الورود يشارك التخصصّ في النتيجة فإن ورود أحد الدليلين على الآخر إنما هو باعتبار كون أحدهما رافعاً لموضوع الآخر حقيقة.

وأمّا التخصيص: فهو إخراج بعض الأفراد عن تحت الحكم من دون أن يتصرف المخصِّص في الموضوع أو المحمول كقوله: لا تكرم زيداً بعد قوله: اكرم العلماء.

وأمّا الحكومة: فهي عبارة عن كون أحد الدليلين متعرضاً لحال مفاد الدليل الآخر، إمّا بعناية التصرف في عقد الوضع أي يتصرف في موضوع دليل المحكوم توسعة أو تضييقاً بإدخال ما يكون خارجاً عنه، أو إخراج ما يكون داخلاً فيه كقوله: زيد عالم أو ليس بعالم. عقيب قوله: أكرم العلماء. وإمّا بعناية التصرف في عقد الحمل أي يتصرف في محمول دليل المحكوم بتضييق دائرة الحكم، كما في قوله تعالى: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾، وكقوله (صلّى الله عليه وآله): «لا ضرر ولا ضرار»، فإنه حاكم على الأدلة الأوّلية ويكون مضيّقاً للحكم الشرعي الثابت للأفعال بعناوينها الأوّلية، فوجوب الوضوء بالعنوان الأوّلي مطلق، ولكن إذا صار الوضوء ضررياً فيرتفع عنه الحكم، فبعد أن كان الحكم بمقتضى الدليل الأوّلي يشمل الوضوء الضرري وغيره أصبح بعد مجيء «لا ضرر» مختصاً بالوضوء غير الضرري، وهكذا بالنسبة لقاعدة «لا حرج» ونحوها.
وقد تكون الحكومة بمعنى أن دليل الحاكم رافع لموضوع دليل المحكوم في عالم التشريع مع بقائه في عالم التكوين، فإن قيام الأمارة على خلاف مؤدى الأصل لا يوجب رفع الشك خارجاً لاحتمال مخالفة الأمارة للواقع، فموضوع الأصل محفوظ تكويناً، ولكن لما كان المجعول في باب الأمارات هو الإحراز وإلغاء احتمال الخلاف كانت الأمارة رافعة للشك في عالم التشريع، لأن المكلف يكون محرزاً للواقع بالمتعبّد به -لا بنفس التعبّد- فلا يبقى موضوع للأصل.
ثم ان الحكومة بحسب النتيجة، وان كانت تشارك التخصيص من حيث كون خروج المورد عن تحت دليل الآخر حكمياً، إلّا أن الفرق بينهما هو أن في التخصيص يكون خروج المورد عن تحت العام بلا تصرف من المخصِّص في عقد الوضع العام أو عقد حمله، كما في قوله: لا تكرم زيداً، بعد قوله: اكرم العلماء، وفي الحكومة يكون ذلك بعناية تصرف من الحاكم في عقد وضع المحكوم إدخالاً أو إخراجاً أو في عقد حمله، كما تقدم.
وتفصيل معنى الحكومة بشكل مختصر، هو أنه قد ذكرنا سابقاً أن الحكومة على قسمين:
القسم الأوّل: هو أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي شارحاً ومفسّراً للدليل الآخر ومتعرضاً لبيان حاله وشرحه للدليل، إمّا أن يكون بلفظ «أعني» أو «أردت» أو «قصدت» ونحو ذلك. وإمّا أن يكون بمدلوله الإلزامي.
أمّا الأوّل: فوجوده نادر، إذ قلّما يوجد في الأخبار ما يكون بلفظ أعني ونحوها، وذلك كما في موثقة عمار الساباطي قال: «كنّا جلوساً عند أبي عبد الله (عليه السّلام) بمنى، فقال له رجل: ما تقول في النوافل قال: فريضة، ففزعنا وفزع الرجل، فقال أبو عبد الله (عليه السّلام): إنما أعني صلاة الليل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ان الله يقول: ﴿ومن الليل فتهجد به نافلة لك﴾»(1).
وأمّا الثاني -وهو ما يكون شارحاً بمدلوله الالتزامي-: فهو كثير، لأنه تارة يكون ناظراً إلى عقد الوضع أي موضوع الحكم، وأخرى يكون ناظراً إلى عقد الحمل أي الحكم الشرعي.

أما التفصيل في كيفية كونه ناظراً إلى عقد الوضع أو عقد الحمل، فيأتي في الدرس القادم، إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وسائل الشيعة: باب 16 من أبواب اعداد الفرائض ونوافلها، ح6.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1714
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 05-12-2018
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20