[الخلاصة]
*- التنبيه الحادي عشر: فتارة يكون الشك في التقدم والتأخر بالإضافة إلى أجزاء الزمان، وأخرى يكون الشك في التقدم والـتأخر بالإضافة إلى حادث زماني آخر، ويقع الكلام فيه في مقامين:
*- المقام الأوّل: ما إذا كل من الحادثين مجهول التاريخ، وفيه أربع صور.
*- أما الصورة الثانية، فتأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
[التنبيه الحادي عشر]
*قال صاحب الكفاية (رحمه الله): لا إشكال في الاستصحاب فيما كان الشك في أصل تحقق حكم او موضوع وأمّا إذا كان الشك في تقدمه وتأخره بعد القطع بتحققه وحدوثه في زمان فإن لوحظ بالإضافة إلى أجزاء الزمان فكذا لا إشكال في استصحاب عدم تحققه في الزمان الأوّل وترتيب آثاره لا آثار تأخره عنه لكونه بالنسبة إليها مثبتاً إلّا بدعوى خفاء الواسطة*
اعلم: أنه لا إشكال في جريان الاستصحاب إذا شك في أصل حدوث الحادث حكماً كان أو موضوعاً ذا حكم، لأن الأصل عند الشك في حدوث كل حادث هو عدمه، إذا كان الشك في أصل الحدوث. وأمّا إذا كان الشك في تقدم الحدوث وتأخره مع العلم بأصل الحدوث:
فتارة يكون الشك في التقدم والتأخر بالإضافة إلى أجزاء الزمان، كما إذا شك في موت زيد يوم الخميس مع العلم بموته يوم الجمعة.
وأخرى يكون الشك في التقدم والـتأخر بالإضافة إلى حادث زماني آخر قد علم بحدوثه، كما إذا علم بموت متوارثين على التعاقب ولم يعرف المتقدم منهما على المتأخر.
وأمّا إذا كان الشك في التقدم والتأخر بالإضافة إلى حادث زماني آخر، فسيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى.
وأمّا إذا كان الشك في التقدم والتأخر بالإضافة إلى أجزاء الزمان، فلا إشكال في ان الاستصحاب يقتضي عدم الحدوث في الزمان المشكوك حدوثه فيه، فإذا علم يوم الجمعة بموت زيد وشك في أنه مات يوم الجمعة أو فيما قبله يجري فيه استصحاب العدم في الأزمنة المشكوك حدوثه فيها إلى زمان اليقين بأصل الحدوث. ويترتب عليه الآثار الشرعية المترتبة على عدم حدوثه فيها، ولا يصح ترتيب آثار تأخره لو كان لتأخره عن يوم الخميس آثار شرعية إلّا من باب الأصل المثبت، لأن صفة التأخر التي هي موضوع للأثر الشرعي صفة وجودية ومن العناوين الإنتزاعية واللوازم العقلية لعدم وجوده يوم الخميس فإثباتها باستصحاب العدم يكون من الأصل المثبت. وكذا لا يترتب آثار حدوثه يوم الجمعة باستصحاب عدمه يوم الخميس لو كان للحدوث أثر شرعي، لأن الحدوث صفة وجودية وعنوان انتزاعي وهو عبارة عن أوّل الوجود. وعليه، فهو ملازم عقلاً لعدم الحدوث يوم الخميس فإثباته باستصحاب العدم يكون من الأصل المثبت.
نعم، إذا قلنا بأن الحدوث ليس هو أمراً بسيطاً وإنتزاعياً، بل يكون مركباً من الوجود يوم الجمعة وعدم الوجود يوم الخميس فيترتب الأثر حينئذٍ، ولا يكون من الأصل المثبت بل يندرج في الموضوعات المركبة المحرزة بعضها بالوجدان وهو الوجود يوم الجمعة وبعضها بالأصل وهو عدم الحدوث يوم الخميس. ولكنك عرفت سابقاً أنه ليس مركباً بل هو أمر بسيط إذ لا تركيب في المفاهيم بل كلّها بسائط. هذا كلّه إذا كان الشك في التقدم والتأخر بالإضافة إلى أجزاء الزمان.
وأمّا إذا كان الشك في التقدم والتأخر بالإضافة إلى حادث زماني آخر، فالكلام فيه يقع في مقامين:
المقام الأوّل: ما إذا كل من الحادثين مجهول التاريخ.
المقام الثاني: ما إذا كان أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهوله.
والكلام الآن في المقام الأوّل، وفيه صور متعدّدة، لأن كل حادث أضيف إلى حادث آخر بالقياس إلى الزمان؛ إمّا أن يكون متقدماً عليه، أو متأخر عنه أو مقارناً له في الزمان. وعليه، فالأثر الشرعي:
تارة: يكون لتقدم أحدهما أو لتأخره أو لتقارنه بنحو مفاد كان التامة.
وأخرى: يكون للحادث المتصف بالتقدم أو التأخر أو التّقارن بنحو مفاد كان الناقصة.
وثالثة: يكون للعدم النعتي أي للحادث المتصف بعدم التقدم أو عدم التأخر أو عدم التقارن في زمان حدوث الآخر بنحو مفاد ليس الناقصة.
ورابعة: يكون للعدم المحمولي أي عدم أحدهما في زمان حدوث الآخر بنحو مفاد ليس التامة.
فهذه أربع صور، وقبل ذكر أمثلتها وأحكامها، نقول: توضيحاً للفرق بين كان وليس التامتين وبين كان وليس الناقصتين -وان كان تقدم الفرق بينهما بالتفصيل في مبحث العام والخاص- إن العرض كالموت مثلاً، وان كان له وجود نفسي لأنه بنفسه من الماهيات الامكانية التي لها تقرّر في وعاء الخارج إلّا أن وجوده النفسي قائم بالغير، ومن هنا قيل إن وجود العرض لنفسه وبنفسه عين وجوده لغيره وبغيره، وعليه: فيمكن أن يلاحظ العرض من حيث وجوده النفسي بمفاد كان التامة -أي وجد الموت- وليس التامة -أي لم يوجد الموت- أي يحمل عليه الوجود والعدم المطلق، ويمكن أن يلاحظ من حيث وجوده الغيري وكونه قائماً بالغير بمفاد كان الناقصة -أي زيد متصف بالموت- وليس الناقصة -أي زيد متصف بعدم الموت-، وبالنتيجة يحمل عليه الوجود والعدم النعتي.
إذا عرفت ذلك، فنقول:
أمّا الصورة الأولى: أي ما يكون الأثر لتقدم أحدهما أو لتأخره أو لتقارنه بنحو مفاد كان التامة، كما إذا فرض ان الإرث مترتب على تقدم موت المورِّث على إسلام الوارث، ففي هذه الحالة يجري استصحاب عدم تقدم موت المورث، فلا يرث الوارث حينئذٍ. هذا إذا لم يكن لتقدم الحادث الاخر وهو إسلام الوارث أثر على هذا الحادث.
وأما إذا كان الأثر الشرعي لتقدم كل منهما على الآخر:
فإن علمنا إجمالاً بتقدم أحدهما على الآخر -كما لوكان حدوث أحدهما يوم الخميس والآخر يوم الجمعة- ولم يعلم المتقدم منهما فاستصحاب عدم تقدم موت المورث يتعارض مع استصحاب عدم تقدم إسلام الوارث ويتساقطان، ونرجع إلى الأصول العملية الأخرى.
وأمّا إذا لم يكن لنا علم إجمالي بتقدم أحدهما على الآخر، واحتملنا التقارن في حدوثهما فلا مانع من استصحاب عدم التقدم في كل منهما، ولا توجد معارضة بين الأصلين لاحتمال التقارن.
وممّا ذكرنا يتضح حكم ما لو كان الأثر لتقدم الحادث الآخر فقط، فيجري استصحاب عدمه بلا معارض. وكذا لو كان الأثر لكل من تقدم الحادث الأوّل كموت المورث وتأخره فتقع المعارضة بين استصحاب عدم تقدم الحادث الأوّل واستصحاب عدم تأخره، لأن الفرض أن الأثر لكل منهما. وكذا تقع المعارضة لو كان الأثر لكل من تقدم الآخر وتأخره. ومنه يتضح أيضاً حال ما لو كان الأثر لتأخر كل منهما، فتقع المعارضة بين استصحاب عدم تأخر أحدهما مع استصحاب عدم تأخر الآخر. وكذا غيرها من شقوق المسألة. وبالجملة، فشقوق هذه الصورة كلها واضحة.
أما الصورة الثانية، فتأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
|