• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاصول العملية / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 195 _ تنبيهات الإستصحاب 16 .

الدرس 195 _ تنبيهات الإستصحاب 16

لا زال الكلام في المحاولة الأولى.

ولكن الإنصاف: أنّ هذه المحاولة لم يكتب لها التوفيق. لأنّ أدلة التوقيت دالّة على اعتبار الظرفية ووقوع الفعل في الزمان المخصص له، انظر إلى قوله تعالى: ﴿أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل﴾، وكذا الروايات الكثيرة، كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة»[1]. فإنه لا يمكن إنكار دلالة هذه الأدلة على اعتبار الظرفية وأنها مقتضية لكون وقوع الفعل في الوقت المضروب لها شرطاّ شرعياً، وليست دالّة على مجرّد لزوم وقوع المأمور به صلاة أو صوماً عند تحقق أوقاتها بحيث تكفي المقارنة بين الفعل والوقت حتى يقال أنه باستصحاب بقاء الليل أو النهار أو رمضان يترتب وجوب الاتيان بالصوم أو الصلاة ويترتب عليه تحقق الامتثال والخروج عن عهدة التكليف بإتيان المأمور به في الوقت المستصحب، بل الصحيح هو ما ذكرناه من أنّ المستفاد من الروايات الكثيرة الواردة في باب المواقيت هو اعتبار الظرفية ووقوع الفعل في الزمان المضروب له.

المحاولة الثانية للأغا ضياء الدين العراقي (رحمه الله): وهي أنه يمكن إثبات نهارية الزمان الحاضر أو ليليّته أو رمضانيّته بنحو مفاد كان الناقصة، وحاصل هذه المحاولة: «هي أنّ ذوات الآنات المتعاقبة كما تكون تدريجية، كذلك وصف الليلية والنهارية الثابتة لها تدريجية أيضا، فهي حادثة بحدوث الآنات وباقية ببقائها، فإذا اتصف بعض هذه الآنات بالليلية أو النهارية وشك في اتصاف الزمان الحاضر بالليلية أو النهارية، فكما يجري الاستصحاب في نفس الزمان، كذلك يجري الاستصحاب في وصف الليلية أو النهارية الثابتة للزمان، لان صدق البقاء في الزمان كما يكون بتلاحق بقية الآنات بالآنات السابقة ولحاظ المجموع من جهة كونها متصلة وجودا واحدا ممتدا، كذلك بقاء وصف الليلية يكون بتلاحق القطعة من الوصف الثابت للزمان الحاضر بقطعات الوصف الثابت للآنات السابقة، فلو شك حينئذ في ليلية الزمان الحاضر، فلا مانع من استصحاب الليلية الثابتة للآنات السابقة وجرها إلى زمان الحاضر، فيقال: ان هذا الزمان الممتد كان متصفا بالليلية أو النهارية سابقا والآن كما كان، فيثبت بذلك اتصاف الآن المشكوك ليليته أو نهاريته بالليلية أو النهارية»[2]. (انتهى كلامه). هذا حاصل ما ذكره (رحمه الله) وهو في غاية الصحّة والمتانة، ويصدق حينئذٍ وقوع الفعل في زمان، كان ذلك الزمان ليلاً أو نهاراً، فوقوع أصل الفعل في زمان محرَزٌ بالوجدان، واتّصاف ذلك الزمان بالليلية أو النهارية محرَزٌ بالأصل فيترتب عليه الامتثال والخروج عن عهدة التكليف. والله العالِم. هذا تمام الكلام في الأمر الأول.

أما الأمر الثاني: أي استصحاب الزمانيات: وهي الأمور المبنية على التقضي والتصرّم، كالحركة والتكلم وجريان الماء وسيلان الدم ونحوها.
ولكي يتضح الحال نقول: إنّ الشكّ في بقاء الزماني على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يكون الشكّ في بقاء الزماني للشكّ في بقاء المبدأ الذي اقتضى وجود الزماني بعد إحراز مقدار استعداد بقائه في عمود الزمن، بحيث يكون الشكّ فيه راجعاً للشكّ في الرافع كما إذا أحرز انقداح الداعي في نفس المتكلم للتكلّم مقدار ساعة، وشكّ في بقاء التكلّم لاحتمال وجود صارف زمانيّ عن الداعي أوجب قطع الكلام، وكما لو أحرز مقدار استعداد عروق الأرض أو باطن الرحم لنبع الماء وسيلان الدم، وشكّ في بقاء النبع والسيلان لاحتمال وجود مانع عن ذلك.
القسم الثاني: أن يكون الشكّ في بقاء الزماني لأجل الشكّ في مقدار استعداد المبدأ لوجود الزماني، كما إذا شكّ في مقدار انقداح الداعي للتكلّم ومقدار استعداد عروق الأرض وباطن الرحم لجريان الماء وسيلان الدم، بحيث احتمل أن يكون انقطاع التكلّم والماء والدم لأجل عدم اقتضاء المبدأ لبقاء ذلك، لا لوجود صارف أو مانع زماني، وبعبارة أخرى يكون الشكّ فيه من باب الشكّ في المقتضي.
القسم الثالث: أن يكون الشكّ في بقاء الزماني لأجل احتمال قيام مبدأ آخر مقام المبدأ الأول مع العلم بارتفاعه، كما لو شكّ في بقاء التكلّم من جهة احتمال انقداح داعٍ آخر للمتكلّم يقتضي التكلّم بعد القطع بارتفاع الداعي الأول، كما لو شكّ في جريان الماء لاحتمال قيام منبع آخر مقام المنبع الأول الذي علم بنفاد مائه، وهذا يتصور على وجهين:
الوجه الأول: أن يكون المبدأ الآخر الذي احتمل قيامه مقام المبدأ الأول على نحوٍ يوجب تغييراً في عنوان المستصحب أو في الخصوصية المقوّمة لفرديّته عرفاً بحيث يُعدُّ معه الموجود اللاحق فرداً مغايراً مع الموجود السابق، نظير تغييّر عنوان التكلّم من مثل القرآن إلى الأدعية أو الخطبة أو الزيارة أو تغييّره من فردٍ إلى آخر.
الوجه الثاني: أن يكون المبدأ الآخر الذي احتمل قيامه مقام المبدأ الأول على نحو آخر لا يوجب ذلك، كما في تبدّل عرق الأرض الجاري منه الماء إلى عرقٍ آخر غير موجبٍ لتغيّر الماء وجريانه؛ وبعبارة أخرى: لا يوجب تغييراً في عنوان المستصحب عرفاً أو في الخصوصية المقوّمة له بنحو يُعَدُّ الموجود اللاحق مغايراً مع الموجود السابق عرفاً.

أما الكلام في جريان الاستصحاب في هذه الأقسام، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] وسائل الشيعة: باب 4 من أبواب المواقيت، ح1.
[2] نهاية الأفكار: ج4، ص148.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1582
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء: 24-04-2018
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28