• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاصول العملية / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 23 _ الاصول العملية: البراءة 21 .

الدرس 23 _ الاصول العملية: البراءة 21

[الدليل الثالث: الإجماع]
*قال صاحب الكفاية: وأما الاجماع، فقد نقل على البراءة، الا أنه موهون ولو قيل باعتبار الاجماع المنقول في الجملة فإن تحصيله في مثل هذه المسألة ممّا للعقل إليه سبيل، ومن واضح النقل عليه دليل بعيد جدّاً*
قال الشيخ الأنصاري: «وأمّا الاجماع فتقريره من وجهين:
الأوّل: دعوى اجماع العلماء كلّهم من المجتهدين والإخباريين على أنّ الحكم فيما لم يرد فيه دليل عقلي أو نقلي على تحريمه من حيث هو ولا تحريمه من حيث إنّه مجهول الحكم هي البراءة وعدم العقاب على الفعل، وهذا الوجه لا ينفع إلاّ بعد عدم تمامية ما ذكر من الدليل العقلي والنقلي للحظر والاحتياط، فهو نظير حكم العقل الآتي.
الثاني: دعوى الاجماع على أنّ الحكم فيما لم يرد دليل على تحريمه من حيث هو هو عدم وجوب الاحتياط، وجواز الارتكاب وتحصيل الاجماع بهذا النحو من وجوه... إلخ». (انتهى كلامه).
أقول: أمّا تقرير الاجماع على الوجه الأوّل: فهو غير نافع على ما ذكره الشيخ، لكونه مساوقاً لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، المسلّم عند الإخباري والأصولي. وبالجملة، فإنّه لا إشكال في أصل الكبرى، وهو البراءة، إذا لم يقم دليل عقلي أو نقلي على تحريمه من حيث هو ولا على تحريمه من حيث إنّه مجهول الحكم، ولكن الصغرى غير ثابتة عند الكلّ، إذ الإخباري يدعي قيام الدليل على التحريم من حيث إنّه مجهول الحكم الواقعي.
وأمّا تقريره على الوجه الثاني: فهو أيضاً غير تام، ولا حاجة لذكر الوجوه على تحصيل الاجماع، وكيف يتمّ مع مخالفة الإخباريين، وذهابهم إلى وجوب الاحتياط في الشبهة الحكمية التحريميّة، وجملة منهم من أجلاّء الأصحاب وأعيانهم. أضف إلى ذلك، أنّ هذا الاجماع لو كان حاصلاً، فلا يكون اجماعاً تعبديّاً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السّلام)، لاحتمال استناد المجمعين إلى الدليل العقلي أو النقلي، فيكون مدركياً أو محتمل المدركية. والله العالم.

[الدليل الرابع: العقل]
*قال صاحب الكفاية: وأمّا العقل، فإنه قد استقل بقبح العقوبة والمؤاخذة على مخالفة التكليف المجهول بعد الفحص واليأس عن الظفر بما كان حجّة عليه، فإنهما بدونها عقاب بلا بيان ومؤاخذة بلا برهان، وهما قبيحان بشهادة الوجدان...*
ذكرنا سابقاً، أنّه استدل على البراءة بالأدلّة الأربعة، وقد ذكرنا ثلاثة منها: الكتاب العزيز، والسنّة النبويّة الشريفة، والاجماع، وبقي الدليل الرابع وهو العقل.
أمّا الشيخ الأنصاري فقد أكّد هذا الدليل بحكم العقلاء، قال: «من الأدلّة حكم العقل بقبح العقاب على شيء من دون بيان التكليف، ويشهد له حكم العقلاء كافة بقبح مؤاخذة المولى عبده على فعل ما يعترف بعدم اعلامه أصلاً بتحريمه». (انتهى كلامه).
أقول: إنّ من المتّفق عليه بين الأعلام، هو استقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان واصل إلى المكلّف. ومن الواضح، أنّه لا يكفي في صحّة المؤاخذة استحقاق العقوبة مجرّد البيان الواقعي مع عدم وصوله إلى المكلّف، فإنّ وجود البيان الواقعي كعدمه غير قابل لأن يكون باعثاً ومحرّكاً لإرادة العبد ما لم يصل إليه. وبعبارة أوضح: إنّ مجرّد انشاء التكليف لا يؤثر في الانبعاث نحو العمل أو الانزجار عنه ما لم يصبح فعلياً ويصل إلى المكلّف، لأنّ الذي يحرّك المكلّف نحو العمل إنّما هو العلم بالتكليف، لا مجرّد وجوده الواقعي. ومن هنا، لا تكون مخالفة التكليف غير الواصل موجبة لاستحقاق العقاب، لعدم كونه هتكاً للمولى ولا ظلماً عليه، فلا يصحّ المؤاخذة مع عدم وصوله إلى المكلّف، لعدم استناد فوت غرض المولى إلى تقصيره، بل مستند إلى عدم البيان، فلو عاقبه المولى في هذه الحالة لكان عقابه ظلماً، ولا شكّ في قبحه عقلاً.

ثمّ إنّه قد يستشكل في الاستدلال بقاعدة قبح العقاب بلا بيان على جريان البراءة في الشبهات الموضوعية، باعتبار كون المراد بالبيان ما هو وظيفة الشارع، أعني بيان الأحكام الكلّية، وليست وظيفته بيان الموضوعات المشتبهة، وإنّما هي وظيفة العرف، وهذا هو الفارق بين الشبهة الحكمية والشبهة الموضوعية، فإنّ مرجع الشبهة الحكمية إلى الشارع المقدّس، وأمّا مرجع الشبهة الموضوعية فهو العرف. وعليه، فتختصّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان -أي بلا بيان من الشارع- بالشبهة الحكمية، إذ ليس من شأن الشارع المقدّس بيان الموضوعات الخارجية.
وقد يجاب عن هذا الإشكال بأنّ بيان التكليف لا يختصّ بالشارع المقدّس، بل قد يكون بالعقل، كما في موارد الملازمات العقلية. وعليه، فيمكن إزالة الجهل في الشبهة الموضوعية بإرشاد عقله الذي هو بيان.
وقد يجاب أيضاً بأنّ الشارع وإن لم يكن من شأنه بيان الموضوعات المشتبهة، ولكن من شأنه بيان الاحتياط فيها، فإذا لم يبيّن فيها جرى حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان.
والخلاصة إلى هنا: إنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان تجري في الشبهات الموضوعية، كما تجري في الشبهات الحكمية.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1054
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 09-11-2016
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29