• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاصول العملية / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 2 _ الاصول العملية: تمهيد 2 .

الدرس 2 _ الاصول العملية: تمهيد 2

ثمّ إنّ قوله (رحمه الله): «وهي التي ينتهي إليها المجتهد بعد الفحص واليأس عن الظفر بدليل»، إشارة إلى أنّ الأصول العملية لا تقع في طريق الاستنباط، لعدم انطباق ضابط المسألة الأصولية عليها حتى تكون من المسائل الأصولية العملية، إذ ليست الأصول العملية إلا وظائف للجاهل بالحكم الشرعي الواقعي من دون أن تقع في طريق الاستنباط ليستنتج منها حكم كلي فرعي. ومن هنا، احتجنا إلى إدراجها في المسائل الأصولية إلى قوله (رحمه الله): «وهي التي ينتهي إليها المجتهد... هذا».

وقد ذكرنا في مبحث تعريف علم الأصول: أربعة فوارق بين المسألة الأصولية والقاعدة الفقهية، فراجعها فإنّها مهمّة. وقد اتضح بما ذكرنا: أنّه لا يجوز إعمال الوظيفة المقررة لحال الشك إلا بعد الفحص واليأس عن وجود أمارة على أحد طرفي الشك، لما عرفت من أنّ الأمارات حاكمة على الأصول، فلا يجوز الاعتماد على الأصول مع احتمال وجود أمارة في مورد الشك إلا بعد الفحص واليأس عن الظفر بالأمارة، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- المزيد من التوضيح حول هذه المسألة، فهل الفحص وعدم العثور على الأمارة مقتضٍ لصحة العمل بالأصل العملي أم لا؟

ثمّ إنّ الأصول العملية التي ينتهي إليها المجتهد بعد الفحص واليأس عن الدليل: هي الأصول العملية الجارية في الشبهات الحكمية، وأمّا الأصول الجارية في الشبهات الموضوعية، فهي ممّا لا ينتهي إليها المجتهد، وذلك للعلم بالحكم الشرعي الكلّي، فيجوز للمقلّد إجراءها أيضاً، كالشكّ في طهارة الماء الموجود في هذا الإناء مع عدم العلم بحالته السابقة، فإنّه يحكم المقلّد بطهارته أيضاً.

ولا يخفى عليك أيضاً، أنّ الأصول العملية الجارية في حال الشكّ على قسمين:
القسم الأوّل: ما يختصّ بالشبهات الخارجية، كأصالة الصحّة، وقاعدة الفراغ، وقاعدة التجاوز.
القسم الثاني: ما يعمّ الشبهات الحكمية، وهي غيرها من باقي الأصول العملية.

*قال صاحب الكفاية (رحمه الله): والمهم منها أربعة...* وهي الاستصحاب والتخيير والبراءة والاحتياط.
ثمّ إنّه قد اختلفت كلمات الأعلام في تشخيص مجاريها، وأفضل ما يمكن أن يقال فيها: إنّ الشك إمّا يلاحظ فيه الحالة السابقة أو لا. وعلى الثاني، فإمّا أن لا يعلم بالتكليف أصلاً ولو بجنسه، وإمّا أن يعلم. وعلى الثاني، فإمّا أن يمكن فيه الاحتياط، وإمّا لا، فالأوّل مجرى الاستصحاب، والثاني مجرى البراءة، والثالث مجرى الاحتياط (كما في مورد دوران الأمر بين القصر والتمام)، والرابع مجرى التخيير (كما في دوران الأمر بين المحذورين). وإنّما قيّدنا مجرى الاستصحاب بلحاظ الحالة السابقة ولم نكتفِ بمجرّد وجودها، فإنّ مجرّد وجودها بلا لحاظها لا يكفي في كونها مجرى الاستصحاب، إذ هناك من ينكر اعتبار الاستصحاب كلّية، أو في خصوص الأحكام الكلّية، أو في خصوص الشكّ في المقتضي على القول بالتفصيل بين الشكّ في المقتضي والشكّ في الرافع في جريان الاستصحاب.

وبالجملة، فالمنكر يدّعي أنّ وجود الحالة السابقة كعدمها لا يكون مجرى الاستصحاب، وهذا بخلاف ما إذا لوحظت فيه الحالة السابقة، فإنّ لحاظها إنّما يكون لأجل جريان الاستصحاب، ويكون الشكّ الملحوظ فيه الحالة السابقة مجرى للاستصحاب على جميع الأقوال.

ولا يخفى، أنّ الحصر في مجاري الأصول، إنّما يكون عقلياً لدورانه بين النفي والإثبات.

وأمّا حصر الأصول في الأربع، فليس بعقلي، لإمكان أن يكون هناك أصل آخر وراء هذه الأصول الأربعة، كما إذا قال المولى: إذا شككت بين الوجوب والإباحة فابني على الاستحباب، أو إذا دار الأمر بين الحرمة والإباحة فابني على الكراهة مثلاً.

[هل أصالة الطهارة من الأصول العملية]

*قال صاحب الكفاية: «فإن مثل قاعدة الطهارة فيما اشتبه طهارته بالشبهة الحكمية وإن كان ممّا ينتهي إليها فيما لا حجّة على طهارته ولا على نجاسته، إلا أن البحث عنها ليس بمهم... إلخ*

توضيحه: أشار بذلك إلى الوجه في عدم تعرّض الأصوليون لقاعدة الطهارة في علم الأصول، مع أنّ الأصول العملية الجارية في الشبهات الحكمية لا تنحصر بالأصول العملية الأربعة المتقدمة، بل تشمل قاعدة الطهارة الجارية في الشبهة الحكمية، فعند الشكّ في نجاسة شيء وطهارته، كالعصير العنبي بعد الغليان، وكعرق الجنب من الحرام، وعرق الإبل الجلاّل ونحوها، تجري فيها أصالة الطهارة، ويحكم بطهارة تلك الأمور.
وقد ذكر صاحب الكفاية (رحمه الله) وجهين لعدم تعرّض الأصوليين لها:
الوجه الأوّل: إنّ تلك الأصول العملية الأربعة هي محلّ خلاف بين الأعلام، ويحتاج تنقيح مجاريها إلى إطالة الكلام، فتعرّضوا لها، بخلاف قاعدة الطهارة الجارية في الشبهة الحكمية، فإنّها جارية بلا كلام من غير حاجة إلى مزيد النقض والإبرام، فلم يتعرّضوا لها.
أقول: إنّ هذا الوجه متين لا غبار عليه، بل هو السبب الوحيد في عدم تعرّضهم لها.
وقد وافق جملة من الأعلام ما ذكره صاحب الكفاية (رحمه الله):
منهم السيد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله) حيث قال: «فتحصل أنّ البحث عن أصالة الطهارة من المسائل الأصولية، والوجه في عدم التعرض له في علم الأصول هو ما ذكرناه من كونها من الأمور المسلّمة التي لا نزاع فيها ولا خلاف». انتهى. وفيه: أنّ هذا الكلام منه (رحمه الله) ينافي ما ذكره في تعريف علم الأصول، حيث أخرج حجّية الظواهر عن مسائل علم الأصول، لكونها مسلّمة لا نزاع فيها، فإذا كان عدم النزاع في المسألة يخرجها عن كونها أصولية، فلماذا لم يخرج أصالة الطهارة التي لا نزاع فيها، وإذا كان التسالم بينهم لا يخرجها عن كونها أصولية، فلماذا أخرج حجّية الظواهر عن مسائل علم الأصول.

الوجه الثاني الذي ذكره صاحب الكفاية (رحمه الله): هو أنّ أصالة الطهارة مختصة ببعض الأبواب -أي باب الطهارة والنجاسة- بخلاف الأصول العملية الأربعة، فإنّها تجري في جميع أبواب الفقه من الطهارة إلى الديّات. وفيه: أنّ هذا الوجه غير تام، إذ لا يشترط في المسألة الأصولية أن تكون جارية في جميع أبواب الفقه، وإلاّ لخرجت جملة من المسائل الأصولية عن علم الأصول، منها: مسألة النهي عن العبادة يقتضي الفساد أو لا يقتضي، فإنّها لا تجري في المعاملات، بل هي مختصّة بالعبادات.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1032
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء: 20-09-2016
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 04 / 27