(1) إذا لم يتمكن من تحصيل العلم وما يقوم مقامه من البيّنة، أو خبر الثقة، فهل يكفي الظنّ، أو يجب عليه تأخير الصّلاة حتّى يحصل له اليقين بدخول الوقت؟.
المشهور: أنّه يكفي الظنّ، بل عن التنقيح وغيره دعوى الإجماع عليه، خلافاً لابن الجنيد رحمه الله، حيث قال على ما حكي عنه : «ليس للشاكّ يوم الغيم، ولا غيره، أن يصلّي إلاّ عند يقينه بالوقت، وصلاته في آخر الوقت مع اليقين خير من صلاته مع الشكّ»، ومال إليه صاحب المدارك رحمه الله حيث قال: «وقول ابن الجنيد لا يخلو من قوّة»، كما قوّاه السيد الحكيم رحمه الله في المستمسك.
وقدِ استدِل للقول الأوّل بعدّة أدلّة:
منها: الإجماع المحكي عن التنقيح.
وفيه: ما عرفته من أنّه يصلح للتأييد، لا للاستدلال، فلا حاجة للإعادة.
ومنها: ما ذكره في الجواهر من الأصل والحرج.
وفيه: أنّ الأصل عدم حجيّة الظنّ، لا أنّ الأصل العمل به.
وأمّا الحرج: ففيه أيضاً أنّه لا حرج في المقام، لإمكان الصبر إلى أن يعلم الوقت.
واستدلّ أيضاً بجملة من الروايات:
منها: موثّقة سماعة «قال: سألته عن الصَّلاة باللّيل والنّهار إذا لم يرَ الشّمس، ولا القمر، ولا النجوم، قال: اجتهد رأيك، وتعمّد القبلة جهدك»[i]f527، وقد عرفت أنّ مضمرات سماعة مقبولة، ولكن ذكر صاحب الحدائق رحمه الله: أنَّه ليس المراد الاجتهاد في الوقت، بل المراد هو الاجتهاد في القبلة، فيكون العطف تفسيريّاً، فلا تكون من المسألة في شيء، ووافقه السيد الحكيم رحمه الله.
ولكن الإنصاف: أنّ المتبادر من السؤال ليس إلاّ الاستفهام عمّا يقتضيه تكليفه بالنسبة إلى الصّلوات المؤقّتة بأوقات مخصوصة عند الشكّ في دخول وقتها بسبب اختفاء الشّمس والقمر والنجوم التي يميز بها عادة الأوقات، وليس السؤال فيها ناظراً إلى القبلة التي لا تتوقف معرفتها على رؤية الشّمس والقمر والنجوم إلاَّ اتفاقا في الأسفار، فإن من كان في الصحراء والبيداء، فإنه بإمكانه تشخيص القبلة بالشّمس والقمر والنجوم.
والخلاصة: أنّ المراد بالاجتهاد هنا إمَّا في خصوص الوقت، ويكون قوله عليه السلام: «وتعمّد القبلة جهدك» للإرشاد إلى كيفيّة الاجتهاد، أو يكون المراد الاجتهاد في الوقت وفي القبلة أيضاً، باعتبار أنّ الجهل بها قد ينشأ عن اختفاء الشّمس والقمر والكواكب.
وعليه، فلا إشكال من حيث الدّلالة.
ومنها: رواية أبي الصباح الكناني «قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صام، ثمّ ظنّ أنّ الشّمس قد غابت وفي السماء غيم، فأفطر، ثمّ إنّ السحاب انجلى، فإذا الشّمس لم تغب، فقال: قد تمّ صومه، ولا يقضيه»[ii]f528، ولكنّها ضعيفة، لاشتراك محمّد بن الفضيل الراوي عن أبي الصباح الكناني بين الأزدي الضعيف، والنهدي البصري الثقة.
ومثلها: رواية زيد الشحّام[iii]f529، ولكنّها ضعيفة أيضاً بأبي جميلة.
نعم، هناك رواية صحيحة في هذا الباب، وهي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديثٍ «أنَّه قال لرجل ظنَّ أنّ الشّمس قد غابت فأفطر، ثمّ أبصر الشّمس بعد ذلك، قال: ليس عليه قضاء»[iv]f530، فلا إشكال من حيث السند.
وأمّا من حيث الدّلالة فقدِ استشكِل من جهتين:
الأُولى: أنّ الرّواية موردها الصّوم، فالاستدلال بها مبني على عدم الفصل بين الصّوم والصّلاة، والفصل موجود، للاتفاق على حجيّة الظنّ في الصّوم، والاختلاف في الصّلاة.
الثانية: أنّه لا إطلاق لها يشمل كلّ ظنّ، لجواز أن يكون المراد ظنّاً خاصّاً تثبت حجيّته عند السائل.
أمّا الإشكال من الجهة الأولى فمضافاً إلى عدم الاعتناء باحتمال اختلاف الحكم في باب الصّلاة والصّوم بعد اتحاد موضوعهما، وهو الوقت في البابين، ومخالفة التفصيل للمشهور : أنّ الاستدلال على حجيّة الظنّ بهذه الرّواية إنّما هو من باب أنّه كاشف كشفاً تعبديّاً عن الواقع في باب الأوقات، فإذا ثبت الوقت شرعاً ترتَّب عليه جميع الآثار، والتي منها الدخول في الصّلاة، فليس الاستدلال من باب عدم القول بالفصل، فلا إشكال حينئذٍ من هذه الجهة.
وأمَّا الجهة الثانية: فنفي الإطلاق فيها في غير محلّه، لثبوت مقدمات الحكمة.
نعم، لا إطلاق فيها من جميع الجهات، بحيث تشمل الأعذار النوعيّة، كالغيم ونحوه، والأعذار الشخصيّة، كالعمى والحبس ونحوهما، فيمكن القول باختصاصها بالأعذار النوعيّة.
[i] الوسائل باب 6 من أبواب القبلة ح2.
[ii] الوسائل باب 51 من أبواب ما يمسك عنه الصّائم ح3.
[iii] الوسائل باب 51 من أبواب ما يمسك عنه الصّائم ح4.
[iv] الوسائل باب 51 من أبواب ما يمسك عنه الصّائم ح2.
|