ومنها: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: خمسُ صلواتٍ تصلِّيهنَّ في كلِّ وقتٍ: صلاةُ الكسوفِ، والصَّلاةُ على الميِّتِ، وصلاةُ الإحرامِ، والصَّلاة التي تفوت، وصلاةُ الطَّوافِ من الفجر إلى طلوع الشَّمس، وبعد العصر إلى اللَّيل»[i]f488، وهي ضعيفة بهاشم بن أبي سعيد المكاري، كما في الوسائل، أو هشام كما في غيره.
ومنها: صحيحة معاوية بن عمَّار «قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه عليه السلام يَقُولُ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ لَا تُتْرَكُ عَلَى (كُلِّ خ ل) حَالٍ: إِذَا طُفْتَ بِالْبَيْتِ، وإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُحْرِمَ، وصَلَاةُ الْكُسُوفِ، وإِذَا نَسِيتَ فَصَلِّ إِذَا ذَكَرْتَ، وصَلَاةُ الْجِنَازَةِ»[ii]f489.
لا يقال: إنَّ النسبة بين هذه الأخبار وبين الأخبار الدَّالة على المنع هي العموم من وجه، باعتبار أنَّ الجوازَ في هذه الأخبار أعمُّ من أن يكون على جهة الكراهة أو بدونها، وتلك الأخبار دلَّت على المنع من الصَّلاة، فريضةً كانت أو غيرها، فلماذا قَيَّدت الأخبار الدَّالة على المنع، دون العكس؟!.
فإنَّه يُقال: إنَّ الأخبارَ المجوِّزة حاكمةٌ على الأخبار الناهية، حيث دلَّت على أنَّ المرادَ بالصَّلاة التي نهى الشَارع عن الإتيان بها في هذه الأوقات هي ما عدا هذه الصَّلوات.
ثمَّ لا يخفى أنَّ مقتضى إطلاق الروايات المجوِّزة شمولها لمطلق الفائتة، فريضةً كانت أم نافلة، وانصرافها إلى الفريضة الفائتة بدوي لا يُعتنى به.
ومهما يكن، فإنَّنا سنذكر إن شاء الله تعالى بعد هذه المسألة الرِّوايات الدَّالة على عدم كراهة قضاء النافلة في هذه الأوقات.
بَقِيَ شيءٌ فِي المَقَامِ: وهو أنَّه قد ورد في بعض الأخبار ما يدلّ على الكراهة في قضاء الفرائض في بعض هذه الأوقات:
منها: حسنة زرارة، حيث ورد في ذَيْلها «أيّهما أي المغرب والعشاء ذَكَرْتَ فَلَاْ تصلِّهما إلَّا بعدَ شعاعِ الشَّمس...»[iii]f490.
ومنها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، حيث ورد في ذَيْلها «فَإِن خافَ أن تطلعَ الشَّمسُ فتفوته إحدى الصَّلاتين، فَلْيصلِّ المغرب، ويدعِ العشاء الآخرة حتَّى تطلعَ الشَّمسُ، ويذهب شعاعُها، ثمَّ لِيُصَلِّها»[iv]f491، والرواية صحيحة، لأنَّ شعيب الوارد في السند هو ابن يعقوب العقرقوفي الثقة، وهو ابن أخت أبي بصير، ويروي عنه حماد بن عيسى كثيراً.
ومنها: صحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام، حيث ورد في ذَيْلها «وإنِ استيقظ بعد الفجر فليصلِّ الصُّبح، ثمَّ المغرب، ثم العشاء الآخرة قبل طلوع الشَّمس»[v]f492، ومثلها صحيحة عبد الله بن سنان[vi]f493.
قال في الحدائق رحمه الله «وهذه الأخبار قد حملها الشيخ على التقيَّة، وهو جيِّد، لِمَا قدَّمنا تحقيقه من أنَّ رواية أبي بصير، وصحيحة ابن سنان الدَّالتَيْن على امتدادِ وقتِ العشاءَيْن إلى قبل الفجر إنَّما خرجتا مخرج التقيَّة في ذلك، فكذا في هذا الحكم...».
أقول: يمكن الجمع بالتزام خِفَّة الكراهة الملحقة بالعدم بالنسبة إلى قضاء الفوات، وقد عرفت أنَّ المرادَ بالكراهة هنا أقليَّةُ الثواب.
نعم، معِ استبعاد هذه الجمع لا بأس بالحمل حينئذٍ على التقيَّة بعد عدم إمكان الجمع العرفي.
أضف إلى ذلك: أنَّ هذه الروايات الدَّالة على كراهة قضاء الفرائض في بعض هذه الأوقات موردها فقط طلوع الشَّمس، وإلحاق غروبها وقيامها وسط النَّهار بالطُّلوع فيه رائحة القياس.
وكذلك الوقت الذي يتعلق بالفعل أي: ما بعد صلاتَي الفجر والعصر فلا يمكن إلحاقه بطلوع الشَّمس.
والخلاصة: أنَّ الأخبارَ المتقدِّمة الدَّالة على جواز قضاء الفرائض، وعدم كراهتها عند غروب الشَّمس، وعند قيامها وسط النهار، وبعد صلاتي العصر والفجر، لا يوجد معارِض لها، وإنَّما الموجود هو عند طلوع الشَّمس فقط، وقد عرفت حمله على التقيَّة عند عدم إمكان الجمع بين الأخبار، والله العالم.
(1) المعروف بين الأعلام: عدم كراهة قضاء النافلة في تلك الأوقات خلافاً للشيخ المفيد رحمه الله حيث قال: «لا يجوز ابتداءُ النوافلِ، ولا قضاءُ شيءٍ منها عند طلوع الشَّمس، ولا عند غروبها»، وعن النهاية: «يُكرَه صلاة النوافل وقضاؤها في هذين الوقتَيْن».
والإنصاف: ما ذهب إليه المشهور العلماء، ومن هنا قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى: «وإنَّما قيَّدنا المبتدأة لتظافر الروايات بقضاء النافلة فيها...».
ويدلُّ على عدم الكراهة مضافاً لما تقدَّم جملة من الأخبار:
منها: صحيحة عبد الله بن أبي يعفور «قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: صلاة النهار يجوز قضاؤها أي ساعة شئت من ليل أو نهار»[vii]f494، وهي مطلقة تشمل النوافل وغيرها.
ومنها: صحيحة جميل بن دراج «قال: سألت أبا الحسن الأول عن قضاء صلاة الليل بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، قال: نعم، وبعد العصر إلى الليل، فهو من سر آل محمد المخزون»[viii]f495.
ومنها: صحيحة حسان ابن مهران «قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قضاء النوافل، قال: ما بين طلوع الشمس إلى غروبها»[ix]f496.
ومنها: حسنة الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: اقض صلاة النهار أي ساعة شئت من ليل أو نهار، كل ذلك سواء»[x]f497.
[i] الوسائل باب 39 من أبواب المواقيت ح5.
[ii] الوسائل باب 39 من أبواب المواقيت ح4.
[iii] الوسائل باب 63 من أبواب المواقيت ح1.
[iv] الوسائل باب 62 من أبواب المواقيت ح3.
[v] الوسائل باب 62 من أبواب المواقيت ح4.
[vi] الوسائل باب 62 من أبواب المواقيت ذيل ح4.
[vii] الوسائل باب 39 من أبواب المواقيت ح12.
[viii] الوسائل باب 39 من أبواب المواقيت ح14.
[ix] الوسائل باب 39 من أبواب المواقيت ح9.
[x] الوسائل باب 39 من أبواب المواقيت ح13.
|