(1) كما تقدّم مفصَّلاً في مبحث صلاة اللّيل: وقلنا أيضاً: إنّ الأفضلَ الإتيان بصلاة اللّيل وقت السحر، وأفضل شيء لصلاة الوتر هو قبل الفجر بقليل، فراجع ما ذكرناه.
(2) كما رواه المصنِّف رحمه الله في الذكرى عن ابن أبي قرّة عن زرارة «أنَّ رجلاً سألَ أمير المؤمنين عليه السلام عن الوتر أوّل اللّيل فلم يجبه، فلمّا كان بين الصبحَيْن خَرَج أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد، فنادى: أين السائل عن الوتر؟ (ثلاث مرات)، نِعْم ساعات الوتر هذه، ثمَّ قام فأوتر»[i]f408، ولكنّها ضعيفة لجهالة ابن أبي قرّة، وجهالة طريق ابن أبي قرّة إلى زرارة، وجهالة طريق المصنِّف رحمه الله إلى ابن أبي قرّة.
(1) قد تقدّم الكلام في ذلك فراجع.
(2) إذا ظنّ ضِيق الوقت فقد ذهب جماعة من الأعلام إلى أنّه يقتصر على الشفع والوتر وسنّة الفجر، فلو تبيَّن بقاء الليل فقد أفتى ابن بابويه رحمه الله في الفرض: بأنَّه يحتسب الجميع من نافلة اللّيل، فيضيف إليها ستّاً، فيصير المجموع إحدى عشرة ركعة، وهي نافلة اللّيل، ثمّ يأتي بركعتي الفجر.
وقد أفتى الشيخ رحمه الله: بأنَّه يعيد أيضاً ركعة الوتر دون الشفع، وقال الشيخ رحمه الله في المبسوط: «لو نسيَ ركعتين من صلاة اللّيل، ثمّ ذَكَر بعد أن أوتر قضاهما، وأعاد الوتر»؛ ولا يخفى عليك أنّ كلامهم مبنيّ على جواز العدول عن نافلة الفجر إلى نافلة الليل.
أقول: يقع الكلام تارة بالنسبة للأخبار، وأخرى في مقتضى القاعدة، أمَّا الأخبار:
فمنها: رواية علي بن عبد العزيز «قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أقوم وأنا أتخوّف الفجر؟ قال: فأوتر، قلت: فأنظر وإذا عليّ ليل، قال: فصلّ صلاة الليل»[ii]f409، ولكنّه ضعيف بعليّ بن عبد العزيز، فإنّه ضعيف.
وقوله: «فأوتر» المراد منه ثلاث ركعات الوتر، لأن الظاهر من الوتر في هذا الخبر وغيره هو مجموع الركعات الثلاث، أي: الشفع وركعة الوتر، كما استفاض إطلاقه عليها في الأخبار.
وعليه، فقوله: «فصلّ صلاة اللّيل» يحتمل حمله على الركعات الثمان، ويحتمل حمله على الأعمّ منها ومن الوتر، ويحتمل بعيداً حمله على البناء على ما صلّى، أي: أتمّ صلاة اللّيل بإضافة ستِّ ركعات.
وبالجملة، فالخبر لا يخلوّ من إجمال، مضافاً لضعفه سنداً.
ومنها: مرسلة إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض أصحابنا وأظنّه إسحاق بن غالب عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: إذا قام الرجل من اللّيل فظنّ أنّ الصبح قد ضاء، فأوتر، ثمّ نظر فرأى أنّ عليه ليلاً، قال: يضيف إلى الوتر ركعة، ثم يستقبل صلاة اللّيل، ثمّ يوتر بعده»[iii]f410، وهي ضعيفة بالإرسال.
وأمّا قوله: «وأظنّه إسحاق بن غالب»، فإنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً؛ نعم إذا حصل الاطمئنان بأنّه إسحاق فالرواية معتبرة حينئذٍ، لأنّ إسحاق بن غالب ثقة، ولكنّ الاطمئنان غير حاصل.
ثمّ إنّ ظاهر المرسلة أنّه يحتسب ما فعله من ركعات الوتر من صلاة اللّيل، ويضيف إلى الركعة الثالثة ركعة أخرى ليتمّ بها عدد أربع ركعات، ثمّ يتمّ الثَّمان صلاة الليل ويوتر؛ ولا يخفى أنه لا يوجد قائل بذلك.
ومنها: ما في الفِقه الرَّضوي: «وإن كنتَ صليت الوتر وركعتي الفجر، ولم يكن طلع الفجر، فَأَضِفْ إليها ستَّ ركعات، وأَعِد ركعتي الفجر، وقد مضى الوتر بما فيه»[iv]f411، ولكنَّك عرفت أنَّ كتاب الفِقه الرَّضوي هو فتاوى لابن بابويه رحمه الله، فلا يمكن الاعتماد عليه؛ نعم، عدم إعادة الوتر على القاعدة، كما سيتضح لك.
ومنها: رواية علي بن عبد الله بن عمران عن الرضا عليه السلام «قال: قال الرضا عليه السلام: إذا كنت في صلاة الفجر، فخرجت، ورأيت الصبح، فزد ركعة إلى الركعتين اللتين صليتهما قبل، واجعله وتراً»[v]f412، ولكنّها ضعيفة جدّاً، فإنَّ بنان بن محمَّد مجهول، وسعد بن السندي مهمل، كما أنَّ علي بن عبد الله بن عمران مجهول الحال.
قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى بعد نقل هذه الرواية: «وفيه تصريح بجواز العدول من النفل إلى النفل لكنّ ظاهره أنّه بعد الفراغ، كما ذكر مثله في الفريضة، ويمكن حمل الخروج على رؤية الفجر في أثناء الصلاة كما حمل الشيخ الفراغ في الفريضة على مقاربة الفراغ».
أقول: ما ذكره في تأويل الخروج بعيد عن ظاهر الرواية، كما يبعد ما ذكره الكاشاني رحمه الله حيث قال بعد نقل الرواية: «هكذا في النسخ التي رأيناها، والصواب اللّيل مكان الفجر، يعني: إذا كنت قد صلّيتَ من صلاة الليل ركعتَيْن، فرأيتَ الصبح، فاجعله وتراً» لأنّ ما ذكره، وإن كان مستحسناً، لكن لا يمكن حمل الأخبار على غير ما وردت لمجرد اعتبارات لا دليل عليها.
وأمّا بالنسبة لمقتضى القاعدة فنقول أوَّلاً: إنّ الأصل عدم النقل من نافلة إلى نافلة، ومن فريضة إلى فريضة، إلا ما ثبت بالدليل، وليس منه ما نحن فيه.
وعليه، فالعدول في غير محلّه، والروايات المتقدّمة ضعيفة السند، لا سيّما مع إعراض المشهور عنها.
وثانياً: أنّه لا موجب لإعادة الشفع والوتر لوقوعهما طبقاً للأمر المتعلّق بهما فينتزع منه الصحّة.
وأمّا الإشكال: بأنّه أتى بهما في الوقت لتخيّل الأمر، بزعم الضيق، فلم يكن في الواقع مأمور بهما.
فيرد عليه: ما عرفته سابقاً من أنّ الشفع والوتر في حدّ ذاتهما نافلتان مستقلتان لا تتوقف صحتهما على ترتبهما على صلاة اللّيل، فهما صلاتان مأمور بهما أمراً مستقلاً.
وأمّا ما ذكره المصنِّف رحمه الله في الذكرى بعد أن نقل عن الشيخ المفيد والشيخ (رحمهما الله) إعادة الوتر، حيث قال: «وكأنّ الشيخين نظرا إلى أن الوتر خاتمة النوافل ليوترها»
ويؤيِّد ما ذكره المصنِّف رحمه الله: ما تقدَّم في خبر زرارة «ولْيكن آخر صلواتك وتر ليلتك»، ولكنّك عرفت أنّه ضعيف سنداً.
وبالجملة، فإنّ ما ذكره المصنف رحمه الله لا يصلح دليلاً لإثبات ما ينافي قاعدة الإجزاء، لا سيّما أنّه يجوز الاقتصار على صلاة الليل ولو لم يأتِ بالشفع والوتر.
وعليه، فلا يكون الوتر شرطاً في صحّة صلاة اللّيل حتّى يكون آخر صلاته وتر ليلته.
وأمّا ركعتا الفجر فإنّ وقعتا في وقتهما فلا موجب لإعادتهما أيضاً، لقاعدة الإجزاء، والله العالم.
[i] الوسائل باب 54 من أبواب المواقيت ح5.
[ii] الوسائل باب 46 من أبواب المواقيت ح8.
[iii] الوسائل باب 46 من أبواب المواقيت ح4.
[v] الوسائل باب 46 من أبواب المواقيت ح5.
|