وقد يستدلّ للتخفيف بخبر إسماعيل بن جابر أو عبد الله ابن سنان «قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنِّي أقوم آخرَ اللّيلِ، وأخافُ الصبحَ، قال: اقرأ الحمدَ، وأعجلْ، وأعجلْ»[i]f401، لأولويّة ما بعد الصبح ممّا قبله.
وفيه أوّلاً: أنّه ضعيف بجهالة عبد الله بن الوليد.
وثانياً: أنّ الأولويّة غير واضحة.
وعليه، فمورد الخبر غير ما نحن فيه.
الأمر الثاني: المشهور بين الأعلام أنّه لو طلع الفجر ولم يتلبّس بشيءٍ، أو تلبّس بأقل من أربع ركعات، كما هو صريح المصنّف هنا، وفي الذكرى، بدأ بالفريضة، أو بركعتي الفجر قبلها.
واستدلُّوا لذلك بعدَّة أدلَّةٍ:
منها: الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى الناهية عن التطوُّع في وقت الفريضة.
وفيه: أنّ تلك الأخبار محمولة على الكراهة، كما سيتضح لك، فلا تدلّ حينئذٍ على عدم الجواز.
ومنها: مفهوم الشرط في خبر أبي جعفر الأحول المتقدِّم.
وفيه: ما عرفت من كونه ضعيف السند، مضافاً لِمَا ذكرناه من حيث الدلالة، وما يعارضه من خبر يعقوب البزّاز.
ومنها: صحيح إسماعيل بن جابر «قال: قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام: أوتر بعد ما يطلع الفجر؟ قال: لا»[ii]f402.
وجه الاستدلال به: أنّه إذا امتنع الوتر بعد الفجر امتنع ما قبله من صلاة الليل بالأولويَّة.
وفيه: أنّه لا إشكال في مشروعيّة الوتر بعد الفجر في الجملة، وأنّ النهي محمول على الكراهة، كما سيتضح لك، بمعنى أنّ الإتيان بالوتر قبل فريضة الفجر ليس كالإتيان بها بعد الفريضة من حيث الأفضليّة.
ومنها: موثقة المفضَّل بن عمر «قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أقوم وأنا أشكّ في الفجر، فقال: صلِّ على شكِّك، فإذا طلع الفجر فأوتر، وصلّ الركعتين، وإذا أنت قمت وقد طلع الفجر فابدأ بالفريضة، ولا تصلّ غيرها، فإذا فرغت فاقضِ ما فاتك، ولا يكون هذا عادة، وإيّاك أن تطلع على هذا أهلك فيصلّون على ذلك، ولا يصلّون بالليل»[iii]f403، وقد عرفت أنّ المفضّل بن عمر موثَّق.
وجه الاستدلال: هو قوله: «وإذا أنت قمت وقد طلع الفجر».
ولكن ينافيه قوله في صدر الموثّقة: «فإذا طلع الفجر فأوتر»، وهذا يدلّ على جواز الإتيان بالوتر بعد طلوع الفجر عند التلبّس بأقلّ من أربع ركعات في زمان الشكّ.
هذا غاية ما يمكن أن يُستدلّ لما ذهب إليه المشهور، وقد عرفت ما فيه.
ثمَّ إنَّ هناك جملة من الأخبار صريحة على خلاف ما ذهب إليه المشهور:
منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: سألته عن صلاة الليل والوتر بعد طلوع الفجر، فقال: صلِّها بعد الفجر حتّى يكون في وقت تصلّي الغداة في آخر وقتها، ولا تعمّد ذلك في كلّ ليلة، وقال: أوتر أيضاً بعد فراغك منها»[iv]f404.
ومنها: روايته الأخرى «قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أقوم وقد طلع الفجر، فإن أنا بدأت بالفجر صلّيتها في أوّل وقتها، وإن بدأت بصلاة اللّيل والوتر صلّيت الفجر في وقت هؤلاء فقال: اِبدأ بصلاة الليل والوتر، ولا تجعل ذلك ذلك عادة»[v]f405، ولكنّها ضعيفة، لأنّ المرزبان بن عمران غير موثّق، ولا ممدوحاً مدحاً معتداً به.
وأمّا الرواية الواردة عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في مدحه:
ففيها أوّلاً: أنّه هو روايها فلا يفيد شيئاً.
وثانياً: أنّه لا يوجد فيها مدح معتدّ به، فراجع.
ومنها: صحيحة سليمان بن خالد «قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: ربّما قمت، وقد طلع الفجر، فأصلي صلاة اللّيل والوتر والركعتين قبل الفجر، ثمّ أصلي الفجر، قال: قلت: أفعل أنا ذا؟ قال: نعم، ولا يكون منك عادة»[vi]f406.
ومنها: رواية إسحاق بن عمّار «قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أقوم وقد طلع الفجر ولم أصلّ صلاة اللّيل، فقال: صلّ صلاة اللّيل، وأوتر، وصل ركعتي الفجر»[vii]f407، ولكنّها ضعيفة لعدم وثاقة عمّار بن المبارك.
هذا، وقد جمع المحقِّق في المعتبر بين هذه الأخبار، وبين أدلّة المشهور بقوله: «إنَّ اختلاف الفتوى دليل التخيير، يعني: بين فعلها بعد الفجر قبل الفرض، وبعده»، وقد وافقه جماعة ممَّن تأخَّر عنه، وهو جيد، ولكن ما سنذكره أجود منه.
[i] الوسائل باب 46 من أبواب المواقيت ح1.
[ii] الوسائل باب 46 من أبواب المواقيت ح6.
[iii] الوسائل باب 48 من أبواب المواقيت ح4.
[iv] الوسائل باب 48 من أبواب المواقيت ح1.
[v] الوسائل باب 48 من أبواب المواقيت ح5.
[vi] الوسائل باب 48 من أبواب المواقيت ح3.
[vii] الوسائل باب 48 من أبواب المواقيت ح6.
|