(1) المعروف بين الأعلام: أنّه إذا خرج وقت النافلة أي: القدمين، والأربعة أقدام، أو المِثل والمِثلين وقد تلبّس من النافلة، ولو بركعةٍ، زاحم بها الفريضة، أتمّها مخفّفة، وإن لم يكن صلّى شيئاً بدأ بالفريضة وجوباً، أو استحباباً على خلاف بين الأعلام.
ويدلّ على الحكمين المذكورين: موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديثٍ «قال: وقت صلاة الجُمُعة إذا زالتِ الشَّمس شراك، أو نصف، وقال: للرجل أن يصلّي الزّوال ما بين زوال الشّمس إلى أن يمضي قدمان، فإن كان قد بقي (صلّى خ ل) من الزّوال ركعة واحدة، أو (و خ ل) قبل أن يمضي قدمان، أتمّ الصّلاة حتّى يصلّي تمام الركعات، فإن مضى قدمان قبل أن يصلّي ركعة بدأ بالأُولى، ولم يصلّ الزّوال إلاّ بعد ذلك، وللرجل أن يصلّي من نوافل الأولى (العصر خ ل) ما بين الأُولى إلى أن تمضي أربعة أقدام، فإن مضت الأربعة أقدام، ولم يصلّ من النوافل شيئاً، فلا يصلّي النوافل، وإن قد صلّى ركعة فليتمّ النوافل حتّى يفرغ منها، ثمّ يصلّي العصر، وقال: للرجل أن يصلّي إن بقي عليه شيء من صلاة الزّوال إلى أن يمضي بعد حضور الأولى نصف قدم، وللرجل إذا كان قد صلّى من نوافل الأولى شيئاً قبل أن تحضر العصر فله أن يتمّ نوافل الأولى إلى أن يمضي بعد حضور العصر قدم، وقال: القدم بعد حضور العصر مثل نصف قدم بعد حضور الأولى في الوقت سواء»[i]f343، وهي واضحة جدّاً.
نعم، لا يخفى ما في قوله: «أو قبل أن يمضي قدمان» من الإجمال، وكذا بعض الفقرات في الرواية، إلاّ أنّه لا يضرّ بالمقصود.
ولعلّ الإجمال في هذه الفقرة نشأ من تحريف النسّاخ، أو خلل من الراوي في التعبير، كما أنّه ليس بعزيز في روايات عمّار.
ثمّ إنّ بعض الأعلام ذكر أنّ المراد بالتخفيف في قولهم «أتمّها مخفّفةً»: هو الاقتصار على أقلّ ما يجزئ فيها كقراءة الحمد وحدها، وتسبيحة واحدة في الركوع والسجود، حتّى قال بعض المتأخِّرين: إنَّه لو تأدّى التخفيف بالصّلاة جالساً آثره على القيام لإطلاق الأمر بالتخفيف.
ولكنّ الإنصاف: أنّ موثّقة عمّار خالية عن قيد التخفيف، فالأخذ بالإطلاق أقوى.
نعم، لا بأس بما ذكروه احتياطاً، محافظة على المسارعة إلى فضيلة وقت الفريضة.
(1) ما ذكرناه من المزاحمة إنَّما هو في غير الجُمُعة، وأمَّا فيه فقد ذكر جماعة من الأعلام منهم المصنف في الذكرى، وهنا : أنّه لا مزاحمة في يوم الجُمُعة، وذلك لتضيّق الجُمُعة، لكثرة الأخبار، بضيقها:
منها: صحيحة رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّه وفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ جميعاً عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام «قَالَ: إِنَّ مِنَ الأَشْيَاءِ أَشْيَاءَ مُوَسَّعَةً، وأَشْيَاءَ مُضَيَّقَةً، فَالصَّلَاةُ مِمَّا وُسِّعَ فِيه، تُقَدَّمُ مَرَّةً وتُؤَخَّرُ أُخْرَى، والْجُمُعَةُ مِمَّا ضُيِّقَ فِيهَا، فَإِنَّ وَقْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَاعَة تَزُول، ووَقْتَ الْعَصْرِ فِيهَا وَقْتُ الظُّهْرِ فِي غَيْرِهَا»[ii]f344.
ومنها: صحيحة زرارة «قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنّ من الأُمور أُموراً مضيّقة، وأُموراً موسّعةً، وإن الوقت وقتان، والصلاة ممّا فيه السعة، فربّما عجّل رسول الله صلى الله عليه وآله، وربّما أخّر، إلا صلاة الجمعة، فإن صلاة الجمعة من الأمر المضيّق، إنّما لها وقت واحد حين تزول، ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام»[iii]f345.
ومنها: صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق «قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن وقتِ الظُّهر، فقال: بعد الزّوال بقدم، أو نحو ذلك، إلاّ يوم الجمعة، أو في السفر، فإنّ وقتها حين تزول الشمس»[iv]f346، وكذا غيرها من الروايات الكثيرة.
(1) إذ قلنا: بامتدادها طول النّهار كما هو الصحيح، وقد تقدّم فلا مزاحمة حينئذٍ، لأنَّ الوقت كلّه لها، ما عدا مقدار الفرضَيْن.
(2) أمَّا على ما ذهبنا إليه من كون مجموع النّهار من أولّه إلى آخره وقتاً لأدائها فالأمر واضح، إذ لا موضوع للقضاء.
وأمَّا على مذهب المشهور من أنّ وقتها من الزّوال إلى القدَمَيْن لنافلة الظّهر، وأربعة أقدام لنافلة العصر، أو من المِثل والمِثلين، على رأي البعض الأخر، فإذا زاحمت النافلة الفريضة، بحيث صلّى ركعةً منها، ثمّ خرج وقتها فالأقرب أيضاً: أنها في الباقي أداء تنزيلاً لها منزلة الصلاة الواحدة، وقد أدرك منها ركعة.
وقد ذهب إلى ذلك المصنف هنا، وفي الذكرى والبيان، وكذا صاحب الجواهر، وغيرهما من الأعلام.
(1) المشهور بين المتأخرين: امتداد نافلة المغرب إلى ذهاب الحمرة المغربيّة، وفي البيان والذخيرة: دعوى الشهرة عليه، من غير تقييد بالمتأخرين، وفي المدارك: «هذا مذهب الأصحاب، لا نعلم فيه مخالفاً»، وفي المعتبر: «نسبته إلى علمائنا»، وعن ظاهر الغنية والمنتهى: «دعوى الإجماع عليه».
وبالمقابل ذهب المصنّف هنا، وفي الذكرى: إلى امتداد وقتها بامتداد وقت الفريضة، وتبعه صاحب المدارك، والشيخ البهائي في الحبل المتين، وصاحب الذخيرة، واستجوده الفاضل الأصبهاني في كشفه، والسيد الخوئي في تنقيحه (رحمهم الله جميعاً)، وهو الصحيح، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وقد يستدلّ للمشهور بعدّة أدلّة:
منها: الإجماع المحكي.
وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة، من أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد: ليس حجّة، وإنّما يصلح للتأييد فقط، لا للاستدلال.
ومنها: ما ذكره صاحب الجواهر، حيث قال: «لأنّه المعهود من فِعْلها من النبي صلى الله عليه وآله، وغيره، والمنساق ممّا ورد فيه من النصوص، بل قد عرفت فيما مضى التصريح في غير واحد من الأخبار بضيق وقت المغرب، وأنّه يخرج بذهاب الحمرة، فضلاً عن نافلتها...».
وفيه: أنّه، إن ثبت أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان يأتي بها بعد المغرب قبل سقوط الشفق، إلاّ أنّه لا يدلّ على أنّ الإتيان بها بعد سقوط الشفق يكون قضاء، ولعل الإتيان بها قبل سقوط الشَّفَق من باب الأفضليّة، كما هو الإنصاف.
أضف إلى ذلك: أنَّ مقتضى إطلاق الأخبار الآمرة بفعلها بعد المغرب هو مشروعيّة الإتيان بها بعد المغرب مطلقاً، سواء أتى بالمغرب في أوّل وقتها، أو في آخره.
وعليه، فإذا صلّى المغرب، وبعد فراغه من الفريضة سقط الشَّفق فمقتضى الإطلاق مشروعيّة الإتيان بالنافلة أداءً.
وأمّا قوله: «والمنساق ممَّا ورد...»
فيرد عليه: أنَّه لا شاهد لهذه الدعوى، إذ ليس في النصوص الواردة في نافلة المغرب إلاَّ الحثّ والترغيب على فِعْلها بعد المغرب، سواء أكانت قبل ذهاب الشَّفَق، أم بعده، وليس حالها إلاّ حال الأخبار التي ورد فيها الحثّ على الأدعية، والتعقيبات المأثورة بعد الفريضة، فإنّها مطلقة، سواء أكانت بعد المغرب مباشرة، وقبل ذهاب الشَّفق، أم بعده، وإن كان الأفضل الإتيان بها قبل سقوط الشفق، بل بعد الفريضة مباشرة.
وأمَّا قوله: «إنّ وقت المغرب ضيّق، لصراحة الأخبار بذلك، وأنّه يخرج بذهاب الحمرة، فضلاً عن نافلتها».
فيرد عليه: أنَّ هذه الأخبار محمولة على وقت الفضيلة، أي أنَّ وقت الفضيلة يخرج بذهاب الحمرة.
وقد اعترف هو بذلك، فكيف يصحّ الاستدلال بها لخروج وقت نافلتها على الإطلاق؟!.
[i] الوسائل باب 40 من أبواب المواقيت ح1.
[ii] الوسائل باب 8 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح1.
[iii] الوسائل باب 8 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح3.
[iv] الوسائل باب 8 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح7.
|