ومنها: رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلَّت المغرب والعشاء، وإن طهرت قبل أن تغيب الشَّمس صلَّت الظهر والعصر»[i]f290، ولكنَّها ضعيفة، لا لِمَا ذكره السيد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله) من أنَ طريق الشيخ لابن فضال فيه ابن الزبير، وهو غير موثّق، إذ قد عرفت جوابه بل لأنَّ محمّد بن الفُضَيل الراوي عن أبي الصباح الكناني مردَّد بين محمّد بن الفُضَيل الصيرفي الكوفي الأزدي الضعيف، وبين محمّد بن القاسم بن الفُضَيل بن يسار النهديّ البصريّ الثقة، ولا مميّز لأحدهما عن الآخر.
ونحوها: رواية عمر بن حنظلة[ii]f291، ولكنّها ضعيفة، لا لأجل ابن الزبير الواقع في إسناد الشيخ إلى ابن فضّال، بل هي ضعيفة بأبي جميلة، وعدم وثاقة عمر بن حنظلة، وجهالة محمّد بن علي.
ونحوها أيضاً: رواية داود الدجاجي[iii]f292، ولكنّها ضعيفة أيضاً، لا بابن الزبير الواقع في طريق الشيخ إلى ابن فضّال، بل لعدم وثاقة داود الدجاجي.
وهذه الروايات المتقدِّمة ظاهرة جدّاً في امتداد وقت العشاءَيْن بالنسبة للناسي والنائم والحائض إلى طلوع الفجر.
وأما الإشكال عليها باحتمال إرادة القضاء من أخبار الحائض، واحتمال إرادة ما قبل الانتصاف من صحيح عبد الله بن سنان، وصحيح أبي بصير إذ يصدق على قوله عليه السلام: «فإن استيقظ قبل الفجر»، أي: استيقظ قبل النصف، لأنّه قبل الفجر أيضاً : ففي غير محلِّه، لأنَّ هذا الاحتمال خلاف الظاهر، فلا يُصَار إليه بلا قرينة.
وكذا الإشكال عليها بأنَّها خلاف ما ورد في تفسير قوله تعالى: « أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ...﴾ ]الإسراء: 78[، حيث فسّرتها صحيحة زرارة بانتهاء وقت العشاءين إلى نصف الليل، حيث ورد في الصحيحة: « وفِيمَا بَيْنَ دُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ: أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ، سَمَّاهُنَّ اللَّه، وبَيَّنَهُنَّ، ووَقَّتَهُنَّ، وغسَق الليل: هو انتصافه...»[iv]f293.
وفيه: أنَّه يمكن الجمع بين الأخبار بحمل صحيحة زرارة على الوقت الاختياري، وحمل تلك الأخبار المتقدِّمة على الوقت للمضطرّ، والمعذور، فلا منافاة.
ولا يشكل أيضاً على الأخبار المتقدِّمة: بأنّها موافقة للعامّة، وبأنّ المشهور معرِضٌ عنها، إذ لا معنى للإشكال عليها بموافقة العامّة بعد إمكان الجمع العرفي، لأنّ الترجيح بين الأخبار بالمخالفة للعامّة، إنّما هو إذا لم يمكن الجمع العرفي بينها، كما قُرِّر في علم الأصول.
وأمّا إعراض المشهور: فقد عرفت في أكثر من مناسبة أنّه لا يوجب وَهْنَ الرواية.
وأمَّا ما ورد في بعض الأخبار: من الأمر بالقضاء بعد الانتصاف، وصوم اليوم الذي بعده عقوبةً، كما في مرسلة الفقيه «قال: روي في من نام عن العشاء الآخرة إلى نصف الليل أنّه يقضي، ويصبح صائماً عقوبةً»[v]f294، ومرفوعة ابن مسكان إلى أبي عبد الله عليه السلام «قال: مَن نام قبل أن يصلِّي العتمة فلم يستيقظْ حتّى يمضي نصف الليل فليقضِ صلاته، ولْيستغفرِ الله»[vi]f295.
ففيه أوّلاً: أنهما ضعيفتا السند، الأُولى: بالإرسال، والثانية: بالرفع.
وثانياً: أنَّهما مختصّتان بغير المعذور، بقرينة الصوم عقوبة له، والاستغفار، معِ احتمال أن يكون المراد بالقضاء هو الإتيان، لا المعنى المصطلح عليه، والله العالم.
والخلاصة إلى هنا: أنَّه لا إشكال في امتداد وقت العشاءين للناسي، والمعذور، والحائض إلى طلوع الفجر، ولكن هل يختصّ الحكم بهم، أو يعمّ كلّ معذور، ومضطرّ إلى التأخير؟.
قد يقال: باختصاص الحكم بمورد النصوص، كما عن بعض الأعلام.
ولكنّ الإنصاف: هو التعميم، إذ لا خصوصيّةَ لموردِ النصوص، بل العرف يفهم إنْ ذُكِر الناسي أو النائم والحائض أنَّه من باب المثال، لا سيّما أنّه يستبعد التوقيت لخصوص بعض أصناف المضطرّين، دون البعض الآخر، وبالأخصّ بملاحظة ما ورد في غيرهم من المضطرّين.
بقي الكلام في العامد: فهل يمتد وقته مثل المضطرّ إلى طلوع الفجر، وإن كان آثماً بذلك؟.
قد يقال: بالامتداد، كما يفهم من الأمر بالاستغفار، وبالصوم عقوبة في مرسلة الفقيه، ومرفوعة ابن مسكان.
ولكنّك عرفت: أنّهما ضعيفتان من حيث السند، كما أنّ المذكور فيهما القضاء، لا الأداء.
نعم، قد يستدلّ لذلك: بإطلاق رواية عُبَيْد عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: لا تفوت الصَّلاة من أراد الصلاة، لا تفوت صلاة النَّهار حتّى تغيب الشّمس، ولا صلاة الليل حتّى يطلعَ الفجرُ، ولا صلاة الفجر حتّى تطلعَ الشَّمسُ»[vii]f296.
وفيها: أوّلاً: أنها ضعيفة السند لعدم وثاقة علي بن يعقوب الهاشمي.
وثانياً: يحتمل قريباً حمل صلاة الليل على النوافل، لا الفريضة.
أضف إلى كلّ ذلك: أنَّها مطلقة، حيث تشمل العامد وغيره، فتقيّد بغيرها، الدَّال على أنّ الوقت للعامد إلى منتصف الليل، وتُحمَل حينئذٍ على صورة المعذور والمضطرّ، والله العالم.
[i] الوسائل باب 49 من أبواب الحيض ح7.
[ii] الوسائل باب 49 من أبواب الحيض ح12.
[iii] الوسائل باب 49 من أبواب الحيض ح11.
[iv] الوسائل باب 2 من أبواب الفرائض ونوافلها ح1.
[v] الوسائل باب 29 من أبواب المواقيت ح3.
[vi] الوسائل باب 29 من أبواب المواقيت ح6.
[vii] الوسائل باب 10 من أبواب المواقيت ح9.
|