• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الصلاة .
              • القسم الفرعي : مبحث القنوت / بحث الفقه .
                    • الموضوع : الدرس 379 _ القنوت في الصلاة 1 .

الدرس 379 _ القنوت في الصلاة 1

(1) يقع الكلام في أمرين:

الأوَّل: في وجوب القنوت، أو استحبابه.

الثاني: في محلّه.

أمَّا الأمر الأوَّل: فالقنوت لغةً هو الطّاعة والسّكون والدّعاء والقيام في الصّلاة، والإمساك عن الكلام، كما في القاموس، وذكر ابن الأثير معاني أخر: كالخشوع والصّلاة والعبادة والقيام وطول القيام...

وهو في عرف الشّرع أو المتشرّعة ذِكْر مخصوص في موضع معيَّن.

والأقرب: اعتبار رفع اليدين فيه، خلافاً لجماعة، وسيأتي بيان ذلك ­ إن شاء الله تعالى ­.

ثمَّ إنّه لا خلاف بين المسلمين في مشروعيّته في الصّلاة في الجملة:

أمَّا عند الإمامية الطائفة المحقِّة: فواضح.

وأمَّا عند العامَّة: فذكر ابن حزم «أنَّ القنوت حسن بعد الرّفع من الرّكوع في آخر ركعة من كلّ صلاة فرض الصّبح وغير الصّبح وفي الوتر» ثمَّ قال في موضع أخر: «قال أبو حنيفة: لا يقنت في شيء من الصّلوات كلّها إلاّ الوتر، فإنّه فيه قبل الرّكوع السنّة كلّها. وقال مالك والشافعي: لا يقنت في شيء من الصّلوات المفروضة إلاّ الصّبح خاصّة...»؛ ولكنّهم عمليّاً لا يلتزمون ولا يقنتون كما رأيناهم.

ومهما يكن، فإنّ المشهور عندنا شهرةً عظيمةً كادت أن تكون إجماعاً على الاستحباب، بل ادَّعى المصنِّف R في الذكرى الإجماع، حيث قال: «إنّ الاستحباب ثابت بأخبار تكاد تبلغ التواتر، وبإجماع الإماميّة...».

وقال العلاّمة R في التذكرة: «هو مستحبّ في كلّ صلاة مرةً واحدةً فرضاً أو نفلاً، أداءً أو قضاءً، عند علمائنا أجمع»، وقال في موضع آخر منها: «القنوت سنَّة ليس بفرض عند علمائنا، وقد يجري في بعض عبارات علمائنا الوجوب: والقصد شدَّة الاستحباب...».

وقال المحقِّق R في المعتبر: «اتَّفق الأصحاب على استحباب القنوت في كلّ صلاة فرضاً كانت أو نفلاً مرةً، وهو مذهب علمائنا كافَّة...».

وبالمقابل حكي عن ابن أبي عقيل R القول بوجوبه في الفرائض الجهريّة، وربما نسب إليه القول بوجوبه مطلقاً، كما هو ظاهر الشّيخ الصّدوق R كما حكي عنه في الفقيه والهداية، قال في الفقيه: «والقنوت سنّة واجبة، من تركها متعمداً في كلّ صلاة فلا صلاةَ له، قال الله عزَّ وجل: « وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِين ]البقرة: 238[ يعني مطيعين داعين»، وقال في الهداية باب فريضة الصّلاة: «قال الصّادق N ­ حين سئل عمَّا فرض الله تعالى من الصّلاة ­ فقال: الوقت والطّهور والتّوجّه والقبلة والرّكوع والسّجود والدّعاء، ومَنْ ترك القراءة في صلاته متعمِّداً فلا صلاة له، ومن ترك القنوت متعمداً فلا صلاة له...»، وهو أصرح من كلامه في الفقيه.

وعن الشَّيخ البهائي R في الحبل المتين ما يظهر منه الميل إلى الوجوب، حكي عنه أنّه قال: «وبما تلوناه عليك يظهر أنّ القول بما قال به ذانك الشّيخان الجليلان غير بعيد عن جادة الصّواب»، وفي الحدائق: «وإلى القول بوجوبه ­ كما هو ظاهر الصّدوق ­ مال شيخنا أبو الحسن الشّيخ سليمان بن عبد الله البحراني، وذكر أنَّه صنّف رسالةً في القول بالوجوب، ولم أقف عليها».

والإنصاف: هو ما عليه المشهور من أنّه مستحبّ في كلّ صلاة، جهريةً كانت أم إخفاتيَّةً، فريضةً كانت أم نافلةً.

نعم، يتأكّد استحبابه في الفرائض، خصوصاً الجهريَّة منها.

ويدلّ على الاستحباب جملة من الرّوايات، كادت أن تكون متواترةً:

منها: صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرّضا N «قال: قال أبو جعفر N في القنوت: إن شئت فاقنت، وإن شئت فلا تقنت؛ قال أبو الحسن N: وإذا كانت التقيّة فلا تقنت وأنا أتقلّد هذا»[i]f685، ورواها في الوسائل أيضاً عنه بإسناده عن أحمد بن محمّد بطريق آخر، وهو صحيح أيضاً، إلاّ أنّه قال: «القنوت في الفجر»[ii]f686.

والإنصاف: أنّهما صحيحتان، لا صحيحة واحدة، لاختلافهما سنداً ومتناً، ولو في الجملة، وهما صريحتان في جواز تركه في غير حال التقيّة، واختصاص الصّحيحة الثانية بالفجر لا يقدح بالاستدلال بها، إذ لا قائل بعدم وجوبه في الفجر، ووجوبه فيما عداه.

وقوله: «وأنا أتقلّد هذا» يحتمل أن يكون من كلام الإمام N، ويحتمل أن يكون من كلام الرّاوي.

ومنها: موثّقة سماعة «قال: سألتُه عن القنوت في الجمعة، فقال: أمَّا الإمام فعليه القنوت في الرّكعة الأولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل أن يركع، وفي الثانية بعد ما يرفع رأسه من الرّكوع قبل السّجود ­ إلى أن قال: ­ ومن شاء قنت في الرّكعة الثانية قبل أن يركع، وإن شاء لم يقنت، وذلك إذا صلّى وحده»[iii]f687، وهي صريحة في جواز تركه للمنفرد، ومضمرات سماعة مقبولة، كما تقدّم.

ومنها: رواية عبد الملك بن عمرو «قال: سألتُ أبا عبد الله N عن القنوت قبل الرُّكوع أو بعده؟ قال: لا قبله ولا بعده»[iv]f688، وهي ضعيفة بعدم وثاقة عبد الملك بن عمرو؛ والمدح الوارد فيه لا يؤخذ به، لأنّه هو راويه.

ومنها: روايته الأخرى «قال: قلتُ لأبي عبد الله N: قنوت الجمعة في الرّكعة الأولى قبل الرّكوع، وفي الثانية بعد الرّكوع؟ فقال لي: لا قبل ولا بعد»[v]f689، وهي ضعيفة أيضاً بما عرفت.

والظّاهر أنّ المقصود من الرّوايتين نفي اللزوم، لا نفي المشروعيّة، ويحتمل حملها على التقية، لأنّ السّؤال إنّما هو عن محلّ القنوت، لا عن استحبابه أو وجوبه، فالإجابة عنه بالنفي المطلق بعد ثبوت مشروعيّته يكون للتقيّة.

وكذا غيرها من الرّوايات الكثيرة التي سيأتي بعضها أيضاً ­ إن شاء الله تعالى ­.

هذا، وقدِ استدّل للقول بالوجوب بالكتاب العزيز، والسنّة الشريفة.

أما الكتاب العزيز فقوله تعالى: « وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِين ]البقرة: 238[.

وفيه: أنه لا ظهور للآية الشريفة في إرادة القنوت بالمعنى المصطلح عليه، إذ لم يثبت للقنوت حقيقة شرعيّة في زمان صدور الآية الشريفة.

وعليه، فالأقرب أن يكون معنى « قَانِتِين مطيعين أو خاشعين، ونحوهما، حيث إنَّ ظاهرها إرادة القنوت من حين الأخذ في القيام، لا بعده عند إرادة الرّكوع من القيام الحاصل في الرّكعة الثانية من الصلاة.

وعليه، فلو أريد القنوت بالمعنى المصطلح للزم القول بوجوبه من حين الأخذ في القيام، وهو في غير محلِّه.

 

[i] الوسائل باب 4 من أبواب القنوت ح1.

[ii] الوسائل باب 4 من أبواب القنوت ذيل ح1.

[iii] الوسائل باب 5 من أبواب القنوت ح8.

[iv] الوسائل باب 4 من أبواب القنوت ح2.

[v] الوسائل باب 5 من أبواب القنوت ح9.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=489
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 15-12-2016
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12