• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الصلاة .
              • القسم الفرعي : مبحث القيام / بحث الفقه .
                    • الموضوع : الدرس373 _القيام في الصلاة 14 .

الدرس373 _القيام في الصلاة 14

(1) المعروف بين الأعلام أنَّه يجب الإيماء بالرَّأس إن أمكن في حالتي الصَّلاة مضطجعاً على جنبه أو مستلقياً، وإلا فبالعينين لكلٍّ من الرُّكوع والسُّجود. وأمّا الانحناء للركوع والسجود فهو غير واجب، إذ لا دليل على الوجوب كما أشرنا سابقاً عند الصلاة قائماً مومياً للركوع والسجود فيما لو كان معذوراً فيهما، كما لو كان عارياً.

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ الإيماء للرُّكوع والسُّجود لا يختصّ بمَنْ صلَّى على جنبه أو مستلقياً، بل هو فرض كلّ من عجز عنهما، وإن صلَّى جالساً، أو قائماً، لو لمانع شرعي كما في العاري، فتخصيصهما به من حيث إطلاق هذا الحكم بالنسبة إليهما إنّما هو بملاحظة حالهما، حيث إنَّ عجزه عن القيام والقعود المسوِّغ له الصَّلاة مضطجعاً أو مستلقياً ينافي عادة قدرته على الرُّكوع والسُّجود.

ثمَّ إنَّ البحث يقع في عدَّة أمور:

الأوّل: وجوب الإيماء بالرأس إذا تعذَّر الرُّكوع والسُّجود.

الثاني: وجوب الإيماء بالعينين بتغميضهما إذا تعذَّر الإيماء بالرأس.

الثالث: وجوب جعل إيماء سجوده أخفض منه لركوعه.

الرابع: إذا تعذَّر الإيماء بالرأس والعينين فلا بدل غيرهما، بل يكتفي بجريان الأفعال على قلبه، أي تصوّرها، والأذكار على لسانه إن تمكّن، وإلاَّ أخطرهما جميعاً في البال، واكتفى به.

الخامس: هل يجب على المومي للسّجود وضع شيءٍ ممَّا يصحّ السّجود عليه على جبهته حال الإيماء، أو أنّه مخيّر بين الإيماء والوضع، أو يتعيّن عليه الوضع فقط دون الإيماء، أو أنّ الوضع بدل عند تعذّر الإيماء؟

أمّا الأمر الأوَّل ­ أي وجوب الإيماء بالرأس عند تعذر الرّكوع والسّجود ­: فيدلّ عليه ­ مضافاً إلى الأخبار المتقدّمة، كموثّقة عمّار ومرسلتي الفقيه والدعائم وخبر عبد السَّلام، والعمدة موثّقة عمار، والباقي ضعيف السّند كما عرفت ­ عدَّة من الرِّوايات:

منها: مرسلة الفقيه «قال: وقال أمير المؤمنين N: دخل رسول الله C على رجل من الأنصار، وقد شبّكته الرّيح، فقال: يا رسول الله C! كيف أُصلّي؟ فقال: إن استطعتم أن تجلسوه فأجلسوه، وإلاّ فوجّهوه إلى القبلة، ومروه فليومئ برأسه إيماءً، ويجعل السُّجود أخفض من الرّكوع، وإن كان لا يستطيع أن يقرأ فاقرأوا عنده وأسمعوه...»[i]f659، ولكنّها ضعيفة بالإرسال.

ومنها: رواية إبراهيم بن أبي زياد الكرخي «قال: قلتُ لأبي عبد الله N: رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء، ولا يمكنه الرّكوع والسّجود، فقال: ليومئ برأسه إيماءً، وإن كان له من يرفع الخمرة فَلْيسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليومئ برأسه نحو القبلة إيماءً»[ii]f660، وهي ضعيفة بجهالة إبراهيم بن أبي زياد الكرخي، وعدم وثاقة محمّد بن خالد الطيالسي.

ورواها الشَّيخ الصَّدوق R بإسناده إلى إبراهيم بن أبي زياد الكرخي، وإسناده إليه وإن كان صحيحاً إلاَّ أنَّ إبراهيم الكرخي مجهول الحال.

ومنها: حسنة الحلبي عن أبي عبد الله N «قال: سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام والسّجود، قال: يومئ برأسه إيماءً، وأن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ»[iii]f661، فإن قوله: «لم يستطع القيام والسّجود» مطلق يشمل ما لو كان مستطيع الجلوس وعدمه، فنقول: على الجالس أن يومئ لهما، ويستفاد منها حكم المضطجع والمستلقي، وسائر مواقع الضّرورة بتنقيح المناط.

ومنها: موثّقة سماعة على نسخة الفقيه «قال: سألته عن الرّجل يكون في عينيه الماء، فينتزع الماء منها، فيستلقي على ظهره الأيام الكثيرة: أربعين يوماً، أو أقلّ، أو أكثر، فيمتنع من الصّلاة الأيام إلاَّ إيماءً، وهو على حاله، فقال: لا بأس بذلك، وليس شيء ممّا حرّم الله إلاّ وقد أحلّه لمن اضطر إليه»[iv]f662، هذا على نسخة الشّيخ الصّدوق R في الفقيه.

وأمّا على نسخة الشّيخ في التهذيب R فلا يوجد فيها لفظ «إلاّ إيماءً» فالاستشهاد بها حينئذٍ إنّما هو على نسخة الفقيه، وهي مقدّمة على نسخة التهذيب في مقام التعارض، كما ذكرنا في أكثر من مناسبة.

ثمّ إنّ المتبادر من إطلاق الإيماء في النصوص والفتاوى إنّما هو كونه بالرأس، كما صرّحت جملة من الأخبار المتقدّمة، فلا يضرّ بالاستشهاد عدم تقييده بالرأس في موثّقة سماعة.

الأمر الثاني: المعروف بين الأعلام أنّه عند تعذّر الإيماء بالرأس يقوم التغميض مقامه، بل هو المشهور بينهم.

وتدلّ عليه بعض الرِّوايات:

منها: مرسلة الفقيه «قال: وقال الصَّادق N: يصلّي المريض قائماً، فإنْ لم يقدر على ذلك صلّى جالساً، فإن لم يقدر أن يصلّي جالساً صلّى مستلقياً، يكبِّر ثمَّ يقرأ، فإذا أراد الرُّكوع غمض عينيه، ثمّ سبّح، فإذا سبّح فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الرّكوع، فإذا أراد أن يسجد غمّض عينيه، ثمّ سبّح، فإذا سبّح فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السّجود، ثمّ يتشهد وينصرف»[v]f663، وهي ضعيفة بالإرسال.

ومنها: مرسلة محمّد بن إبراهيم عمّن حدّثه عن أبي عبد الله N، وهي مثل المرسلة السَّابقة، إلاَّ أنَّه قال: «يصلّي المريض قاعداً، فإن لم يقدر صلَّى مستلقياً»[vi]f664، وهي أيضاً ضعيفة بالإرسال، وبجهالة محمَّد بن إبراهيم، ومورد المرسلتين خصوص المستلقي.

ومن هنا قد يقال: إنَّ وظيفة المستلقي هي التغميض فقط، دون الإيماء بالرأس، وربما ظهر ذلك من القواعد والنهاية والمبسوط والوسيلة والسّرائر، حيث لم يذكر في هذه الكتب أنَّ الإيماء بالرأس مقدَّم على تغميض العينين، بل اقتصر على ذكر تغميض العينين بدلاً عن الرّكوع والسّجود.

وفي الحدائق: «أنَّ مورد مرسلة محمّد بن إبراهيم الاستلقاء، ومورد الإيماء بالرأس في الرّوايات المتقدّمة الاضطجاع على أحد الجانبين، والأصحاب قد رتَّبوا بينهما في كلٍّ من الموضعين، والوقوف على ظاهر الأخبار أَوْلى...».

ويرد عليه: أنَّه ليس في شيءٍ من الأخبار التي وقع التصريح بالإيماء بالرأس إشعار بورودها في خصوص المضطجع، فضلاً عن الظّهور، بل قد عرفت أنّ حسنة الحلبي المتقدّمة شاملة بإطلاقها للجالس، فضلاً عن المضطجع والمستلقي.

وبالجملة، فإنّ النصوص كما اشتملت على الإيماء بالرأس في المضطجع كذلك أمرت به في المستلقي.

نعم، الرّوايات الورادة بتغميض العين موردها المستلقي، إلاّ أنّه لا يضرّ بعد وضوح المناط، وعدم مدخليّة خصوصيّة المستلقي في بدليّته عنهما، وما فيها من إطلاق الأمر بالتغميض فنزِّل على الغالب من كون الإيماء بالرأس فيه مشقة عليه.

أقول: الرّوايات الواردة بتغميض العين في المستلقي كلّها ضعيفة السند والرّوايات التي أطلق فيها الإيماء منصرفة إلى الإيماء بالرأس.

وعليه، فالتغميض إنّما ثبت بالتسالم بين الأعلام، والقدر المتيقّن منه إنّما هو بعد تعذّر الإيماء بالرأس، فتكون النتيجة هي الترتيب بينهما، فالمضطجع يجب عليه أوَّلاً: الإيماء بالرّأس فإن تعذر فالتغميض، وكذا المستلقي فيتعين عليه أولاً: الإيماء بالرّأس ­ وقد عرفت أنّ الرّوايات الواردة بالإيماء بالرّأس ليست مختصّة بالمضطجع، بل تشمل غيره ­ فإنَّ تعذَّر فالتغميض، والله العالم بحقائق أحكامه.

 

[i] الوسائل باب 1 من أبواب القيام ح16.

[ii] الوسائل باب 1 من أبواب القيام ح11.

[iii] الوسائل باب 1 من أبواب القيام ح2.

[iv] الوسائل باب 1 من أبواب القيام ح6.

[v] الوسائل باب 1 من أبواب القيام ح13.

[vi] الوسائل باب 1 من أبواب القيام ذيل ح13.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=483
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء: 06-12-2016
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12