الأمر الثاني: استدلّ المصنِّف R في الذكرى على أنَّ الأفضل ترك الأذان لغير الأُولى بما روي من أنَّ النبيّ C شغل يوم الخندق عن أربع صلوات حتَّى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالاً فأذَّن وأقام فصلَّى الظُّهر ثمَّ أمره، فأقام فصلَّى العصر، ثمَّ أمره فأقام فصلى المغرب، ثمَّ أمره فأقام فصلَّى العشاء»[i]f464.
ثم قال المصنف R: «ولا ينافي العصمة لوجهين:
أحدهما: ما رُوي من أنَّ الصَّلاة كانت تسقط أداءً مع الخوف، ثمَّ تُقضى، حتَّى نُسخ ذلك بقوله تعالى: « وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ ﴾ ]النساء: 102[ الآية.
الثاني: جواز أن يكون ذلك لِعدم تمكّنه من استيفاء أفعال الصَّلاة، ولم يكن قصر الكيفيَّة مشروعاً وهو عائد إلى الأوَّل، وعليه المعوَّل».
قال صاحب المدارك R: «وهو حسن، بل لو قيل: بعدم مشروعيَّة الأذان لغير الأُولى من الفوائت مع الجمع بينها كان وجهاً قويّاً لِعدم ثبوت التعبُّد به على هذا الوجه...».
أقول: العجب من استدلال المصنِّف R بهذه الرِّواية المرويَّة في كتب العامَّة، وليست من طرقنا أصلاً، فهي ضعيفة جدّاً، مضافاً لمخالفتها للعصمة.
وبالجملة، فلسنا مضطرِّين أصلاً لدفع ما يرد على هذه الرِّواية من الإشكالات، مع أنَّ الوجهين اللذي دفع بهما المصنِّف R الإشكال بالنسبة إلى العصمة فيهما ما لا يخفى.
وأعجب من ذلك هو استحسان صاحب المدارك R لما ذكره المصنِّف R!
نعم، يمكن الاستدلال على أفضليَّة ترك الأذان لغير الأُولى بالصحاح المتقدِّمة، أي صحيحتي ابن مسلم وحسنة زرارة، والله العالم.
الأمر الثالث: قدِ اتَّضح حكمه ممَّا تقدَّم فإنَّ السُّقوط فيما عدا الأولى إنَّما هو على نحو الرخصة، لأنَّ الرِّوايات الورادة في ترك الأذان لما عدا الأُولى محمولة على التسهيل والتخفيف على المصلِّي، لأنَّها واردة في مقام دفع الكلفة عنه فلا يفهم منها إلاَّ الرخصة في الترك، لا لزومه وعدم المشروعيَّة، كما ذهب صاحب المدارك R، حيث قال: «بل لو قيل: بعدم مشروعية الأذان لغير الأُولى من الفوائت مع الجمع بينها كان وجهاً قويّاً، لعدم ثبوت التعبُّد به على هذا الوجه»، ووافقه جماعة من الأعلام.
ولكنَّك عرفت أنَّ السُّقوط على نحو الرخصة لا العزيمة.
نعم، لو بنى على السُّقوط على نحو العزيمة في مطلق الجمع بين الفريضتين تعيَّن البناء عليه في المقام لأنَّه من صغرياته، والله العالم.
(1) يقع الكلام في ثلاثة أمور:
الأوَّل: إذا ترك الأذان والإقامة عمداً حتَّى دخل في الصَّلاة، فهل يقطع الصَّلاة، لتداركهما أم لا؟
الثاني: إذا تركهما نسياناً حتَّى دخل في الصَّلاة، هل يجوز له القطع لتداركهما أم لا؟
الأمر الثالث: إذا ترك أحدهما نسياناً، فهل حكمه حكم ما لو تركهما نسيانا أم لا؟
أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام عدم جواز القطع لتداركهما لحرمة قطع الفريضة، وما دلَّ من الرِّوايات على جواز القطع لِتداركهما مختصّ بصورة النسيان.
وذهب الشَّيخ R في النهاية إلى جواز القطع للتدارك في صورة العمد دون النسيان، بعكس المشهور، ووافقه ابن إدريس R في السَّرائر، ولكن لا دليل على ما ذهبا إليه.
نعم، احتمل المصنِّف R في الذكرى أن تكون رواية نعمان الرازي الآتية على أحد معنييها دليلاً لهما.
والخلاصة: أنَّه لا يجوز عندنا قطع الصَّلاة على الأحوط وجوباً لتدارك الأذان والإقامة إذا تركهما عمداً.
وأمَّا الأمر الثاني: فالمشهور بين الأعلام جواز القطع للتدارك ما لم يركع، وفي الجواهر: «وفاقاً للمشهور شهرةً عظيمةً نقلاً وتحصيلاً، بل عن المختلف الإجماع على عدم الرجوع بعد الركوع...».
أقول: قدِ استُدلّ للمشهور بصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله N «قال: إذا افتتحت الصَّلاة فنسيتَ أن تؤذِّن وتقيم، ثمَّ ذكرت قبل أن تركع فانصرف وأذِّن وأقم واستفتح الصلاة، وإن كنت قد ركعت فأتمَّ على صلاتك»[ii]f465، وهي واضحة الدَّلالة
[i] مسند أحمد: ج1/ ص375؛ سنن النسائي: ج2/ ص17؛ والسنن الكبرى: ج1/ ص403.
[ii] الوسائل باب 29 من أبواب الأذان والإقامة ح3.
|