وأمَّا رواية عبد الله بن سنان «قال: شهدتُ صلاةَ المغرب ليلةِ مَطِيرَةٍ في مسجدِ رسولِ الله C فحينَ كانَ قريباً من الشَّفقِ نادوا وأقاموا الصَّلاةَ، فصلُّوا المغربَ، ثمَّ أمهلوا النَّاس حتَّى صلُّوا ركعتين، ثمَّ قام المنادي في مكانه في المسجد فأقام الصَّلاةَ، فصلُّوا العشاءَ، ثمَّ انصرف النَّاس إلى منازلهم، فسألت أبا عبد الله N عن ذلك، فقال: نعم، قد كان رسول الله C عمل بهذا»[i]f455.
ففيها أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بسهل بن زياد.
وثانياً: أنَّها لا تدلّ على أنّ فعل النافلة لا يحقّق التفريق، إذ لا يستفاد منها أنَّ ترك الأذان منشأه الجمع بين الفريضتين ليدلّ على عدم قدح النافلة بالجمع بين الفريضتين، إذ يحتمل أن يكون ترك الأذان لأجل الاستعجال أو المطر أو غيرهما مما سبَّب ترك الأذان للمغرب أيضاً.
هذا، وقد ذكرنا في مبحث المواقيت أنَّ الأقوى كفاية التفريق بين الظُّهر والعصر بالإتيان بالنافلة، فراجع.
الأمر الرابع: هل الأذان للأُولى إنْ جَمَع بينهما في وقت الأُولى، وللثانية إنْ جَمَع بينهما في وقتها، أم لا؟
قال المصنِّف R في الذكرى: «ولو جَمَع الحاضر أو المسافر بين الصَّلاتين، فالمشهور أنَّ الأذان يسقط في الثانية، قاله ابن أبي عقيل والشَّيخ وجماعة، سواء جمع بينهما في وقت الأُولى أو الثانية، لأنَّ الأذان إعلام بدخول الوقت، وقد حصل بالأذان الأوَّل، وَلْيكن الأذان للأُولى إنْ جَمَع بينهما في وقت الأُولى، وإن جمع بينهما في وقت الثانية أذَّن للثانية، ثمَّ أقام وصلَّى الأُولى لِمكان الترتيب، ثمَّ أقام للثانية».
وفيه: ما لا يخفى، فإنَّه ليس في شيءٍ من الأدلَّة إشعار بهذا التفصيل، بل ظاهرها إمَّا وقوع الأذان لخصوص الأُولى وسقوطه عن الثانية، أو للمجموع.
وكأنَّ هذا الكلام منه R مبنيّ على ما ذكره أوَّلاً من أنَّ الأذان للإعلام، فإنَّه متى كان القصد به الإعلام يكون وظيفة صاحبة الوقت، فيقصد به صاحبة الوقت خاصَّة.
ولكنَّه في غير محلِّه، فإنَّ الذي يظهر من الأخبار، وكلمات الأعلام، إنَّما هو مشروعيَّة الأذان كالإقامة للصَّلاة من حيث هي، لا من حيث الإعلام بدخول الوقت، فهو مغاير للأذان الإعلامي، والله العالم.
(1) في الحدائق: «قد صرَّح الأصحاب رحمهم الله بأنَّ القاضي للصَّلوات الخمس، وإن استحبَّ له الأذان والإقامة لكلِّ صلاةٍ صلاةٍ، إلاَّ أنَّه رُخِّص له في الاقتصار على أذان واحدٍ في أوَّل وُرْده، وظاهرهم أنَّ الأذان والإقامة لكلِّ صلاةٍ أفضل، وأن الاقتصار على الأذان في الأُولى من وُرْده دونه في الفَضْل، وهو صريح عبارة الشَّرائع، وجملة منهم عبَّروا بالسُّقوط بقولٍ مطلقٍ...».
أقول يقع الكلام في ثلاثة أمور:
الأوَّل: في الدليل على استحباب الأذان والإقامة لِقضاء كلِّ صلاة.
الثاني: هل الأذان والإقامة لكلِّ صلاةٍ أفضل، أو أنَّ الأفضل ترك الأذان لغير الأُولى كما ذكر المصنِّف R في الذكرى ؟
الثالث: هل سقوط الأذان فيما عدا الأُولى رخصة أو عزيمة؟
أمَّا الأمر الأوَّل: فقد استدلّ العلاَّمة R في المنتهى لاستحباب الأذان والإقامة لكلِّ فريضة بروايتَيْن:
الأُولى: حسنة زرارة «قال: قلتُ له: رجل فاتته صلاة من صلاة السَّفر، فذكرها في الحضر، قال: يقضي ما فاته كما فاته، إن كانت صلاة السَّفر أداها في الحضر مثلها، وإن كانت صلاة الحضر فليقضِ في السَّفر صلاة الحضر كما فاتته»[ii]f456.
الثانية: موثقة عمَّار عن أبي عبد الله N «قال: سُئِل عن الرَّجل إذا أعاد الصَّلاة، هل يعيد الأذان والإقامة؟ قال: نعم»[iii]f457.
قال صاحب المدارك R: «وفي الروايتَيْن ضعف في السَّند، وقصور من حيث الدَّلالة».
أقول:
أمَّا الأولى: فهي حسنة، وصاحب المدارك R يعمل بالصِحاح والحِسَان، فلا وجه للقول بضعفها سنداً حتَّى على مبناه R.
وأمَّا الثانية: فهي على المبنى الصحيح موثَّقة، ولا مانع من العمل بها.
نعم، صاحب المدارك R لا يعمل بالموثَّقات.
[i] الوسائل باب 31 من أبواب المواقيت ح1.
[ii] الوسائل باب 6 من أبواب قضاء الصَّلوات ح1.
[iii] الوسائل باب 8 من أبواب قضاء الصَّلوات ح2.
|