ومنها: موثقة أبي أسامة الشحام «قال: قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام أُؤخر المغرب حتى تستبين النجوم؟ قال: فقال: خطابيّة؟! إنَّ جبرئيل نزل بها على محمَّد صلى الله عليه وآله حين سقط القرص»[i]f243، وهي، وإن كانت ضعيفة بطريق الشيخ بعبد الرحمان بن حمَّاد، ولكن الشيخ الصدوق رواها في (العلل) عن أبيه، عن سعد، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، وهي بهذا الطريق موثقة.
ومنها: حسنة محمَّد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد الله عليه السلام «أنَّه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلِّي المغرب، ويصلِّي معه حيٌّ من الأنصار، يُقال لهم بنو سلمة، منازلهم على نصف مِيْل فيصلّون معه، ثمّ ينصرفون إلى منازلهم، وهم يرون مواضع سهامهم»[ii]f244، وهي وإن كانت ضعيفة في الفقيه بزكريا المؤمن، إلاَّ أنَّ الصدوق رواها في الأمالي بطريق حسن، وكذا غيرها من الأخبار.
إذا عرفت ذلك فنقول: إنَّ مَنْ ذهب إلى القول الثاني أي: أن الغروب يتحقَّق بسقوط القرص، علَّل ذلك بكون الروايات الدَّالة على ذلك أكثر عدداً وأصح سنداً من الروايات الدَّالة على القول الأوَّل، وحملوا الروايات الدَّالة على تحقّق الغروب بذهاب الحمرة المشرقيّة على استحباب التأخير إلى زوال الحمرة.
وقالوا: إنَّ الشاهد على هذا الحمل موثَّقة عبد الله بن وضَّاح المتقدِّمة، ورواية شهاب بن عبد ربِّه:
أمَّا الأولى: فقد ورد في ذَيْلها «فكتب إليَّ: أرى لك أن تنتظر حتَّى تذهب الحمرة، وتأخذ بالحائطة لدينك»[iii]f245، باعتبار أنَّ لفظ الاحتياط صريح في الاستحباب.
وأمَّا الثانية: قال أبو عبد الله عليه السلام «يا شهاب! إنِّي أحبّ إذا صلّيت المغرب أن أرى في السماء كوكباً»[iv]f246، فقوله: «أرى في السماء كوكباً» كناية عن ذهاب الحمرة في طرف المشرق، ولفظ «أحب» ظاهر في الاستحباب.
وفيه: أمَّا موثَّقة عبد الله بن وضَّاح، فإنَّ الاحتياط الوارد فيها ليس صريحاً في الاستحباب، ولا ظاهراً فيه، لأنَّ معنى الاحتياط هو الاستظهار، والأخذ بالأوثق، واستفادة الاستحباب تكون بالقرينة، ولا قرينة هنا، بل قلنا سابقا: إنَّ الاحتياط ليس للشبهة الموضوعيَّة، حتَّى يكون للاستحباب، بل عبَّر عليه السلام: بــــ «الاحتياط»، لتعذّر التصريح عليه عليه السلام بالتأخير إلى ذهاب الحمرة المشرقيَّة، لمخالفته لمذهب العامَّة.
وأمَّا رواية شهاب فهي أوَّلاً: ضعيفة بعدم وثاقة محمَّد بن حكيم.
وثانياً: يحتمل أن يكون التعبير بــــ «أحب» لأجل التقيَّة.
وثالثاً: مع قطع النظر عن ذلك : فهو ليس شاهداً لهذا الحمل، بحيث تحمل كلّ النصوص الواردة في كون الغروب يتحقّق بذهاب الحمرة على الاستحباب.
أضف إلى ذلك: أنّ بعض الأخبار آبية عن هذا الحمل، كمرسلة ابن أبي عمير المتقدِّمة وغيرها، ممَّا جعل فيه ذهاب الحمرة معرِّفاً لاستتار القرص، فإنَّها كادت تكون صريحة في إرادة أوَّل الوقت الذي يجوز عنده الصَّلاة والإفطار، وأيضاً فالحمل على استحباب التأخير ينافي الأخبار الدَّالة عموماً على أنَّ الصَّلاة في أوَّل وقتها أبداً أفضل، وخصوصاً في المغرب.
[i] الوسائل باب 18 من أبواب المواقيت ح18.
[ii] الوسائل باب 18 من أبواب المواقيت ح5.
[iii] الوسائل باب 16 من أبواب المواقيت ح14.
[iv] الوسائل باب 16 من أبواب المواقيت ح9.
|