ومنها: مرسلة الشّيخ الصّدوق R «قال: وقال الصّادق N: السّجود على الأرض فريضة، وعلى غير الأرض سنّة»[i]f88، ولكنّها ضعيفة بالإرسال، ورواها الشّيخ الصّدوق R في العِلل مسنداً، ولكنّها ضعيفة بالرفع.
وقيل في معناها بعض الوجوه:
الأوَّل: أنّ المراد أن في السجود على الأرض ثواب الفريضة، وعلى ما أنبتت ثواب النافلة.
الثاني: أنّ المستفاد من أمر الله تعالى بالسّجود إنّما هو وضع الجبهة على الأرض، إذ هو غاية الخضوع والعبودية.
وأمّا جواز وضعها على غير الأرض فإنّما استفيد من فعل النبي C، وقوله رخصة ورحمة، والله العالم.
(1) لا ريب في أنّ أفضل الأرض هي تربة سيد الشهداء N.
ويدلّ عليه جملة من الأخبار بعد التسالم بين جميع الأعلام قديماً وحديثاً، بل هو واضح عند كلّ الشّيعة، حتّى الصبيان منهم يعرفون ذلك :
منها: ما رواه الشّيخ في المصباح عن معاوية بن عمّار «قال: كان لأبي عبد الله N خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله N، فكان إذا حضرته الصّلاة صبّه على سجّادته وسجد عليه، ثمَّ قال N: إنّ السّجود على تربة أبي عبد الله N تخرق الحجب السّبع»[ii]f89، وهي ضعيفة بالإرسال.
لا يُقال: إنّ الشّيخ R له طريق صحيح إلى معاوية بن عمّار.
فإنّه يُقال: هذا إذا كانت الرّواية موجودة في التهذيبين فإنّه التزم هناك أنّ مَنْ بدأ به السّند تكون الرّواية مأخوذة من كتابه وأصله، وأمّا في غيرهما فلم يحرز أنّ الرّواية مأخوذة من أصل معاوية بن عمّار.
ومجرد أنّ راويها هو معاوية بن عمّار لا يكفي لإحراز كونها من أصله.
ومنها: ما في إرشاد الدّيلمي «قال: كان الصّادق N لا يسجد إلاّ على تربة الحسين N تذلّلالله واستكانة إليه»[iii]f90، وهي ضعيفة بالإرسال أيضاً.
ومنها: مرسلة الفقيه «قال: قال الصّادق N: السّجود على طينِ قبر الحسين N ينوّر إلى الأرضين السّبعة، ومَنْ كانت معه سبحة من طين قبر الحسين N كتب مسبّحاً وإن لم يسبّح بها»[iv]f91، ولكنّها ضعيفة بالإرسال أيضاً.
ومنها: ما في الاحتجاج للطبرسي عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان N «أنّه كتب إليه يسأله عن السّجدة على لوحٍ من طينِ القبر، هل فيه فَضْل؟ فأجاب N: يجوز ذلك، وفيه الفضل...»[v]f92، وهو ضعيف بالإرسال.
(تنبيه) ذكر جماعة كثيرة من الأعلام منهم الشَّهيد الثاني R في المسالك: أنَّه يستحبّ التسبيح بالتربة الحسينية استحباباً مؤكّداً.
ويدلّ عليه جملةٍ من الأخبار:
منها: صحيحة عبد الله بن جعفر الحميري «قال: كتبت إلى الفقيه N أسأله: هل يجوز أن يسبِّح الرّجل بطينِ القبر، وهل فيه فَضْل؟ فأجاب وقرأت التوقيع، ومنه نسخت : تسبّح به، فما في شيء من السّبح أفضل منه، ومن فضله، أن المسبّح ينسى التسبيح، ويدير السّبحة، فيُكتب له ذلك التسبيح»[vi]f93، ورواه الطبرسي R في الاحتجاج عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزّمان N مثله[vii]f94، ولكنّه ضعيف في الاحتجاج بالإرسال، والمراد من طين القبر: طين قبر أبي عبد الله الحسين N.
ومنها: مرفوعة الحسن بن علي بن شعيب إلى بعض أصحاب أبي الحسن موسى بن جعفر N «قال: دخلتُ إليه، قال: لا يستغني شيعتنا عن أربع: خمرة يصلِّي عليها، وخاتم يتختّم به، وسواك يستاك به، وسبحة من طين قبر أبي عبد الله N، فيها ثلاث وثلاثون حبّة، متى قلّبها ذاكرالله، كتب له بكل حبّة أربعين حسنة، وإذا قلبها ساهياً يعبث بها كتب الله له عشرون حسنة أيضاً»[viii]f95، وهي ضعيفة بالرفع، وبالإرسال، وبجهالة محمّد بن جعفر المؤدّب، مضافاً إلى أنّ الحسن بن علي بن شعيب مهمل.
ومنها: ما رواه الشّيخ R في المصباح عن عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي الحسن موسى N «لا يخلو المؤمن من خمسة: سواك، ومشط، وسجّادة، وسبحة، فيها أربع وثلاثون حبة، وخاتم عقيق»[ix]f96.
وروى في المصباح أيضاً عن الصّادق N «من أدار الحجر من تربة الحسين N فاستغفر به مرّةً واحدة كتب الله له سبعين مرّة، وإن أمسك السّبحة بيده، ولم يسبّح بها، ففي كلّ حبّة منها سبع مرات»[x]f97، وهما ضعيفتان بالإرسال.
ومنها: ما في مكارم الأخلاق، قال: روى إبراهيم بن محمد الثقفي «أنّ فاطمة بنت رسول الله C كانت سبحتها من خيوط صوف (الصوف خ ل) مفتّل معقود عليه عدد التكبيرات، فكانت X تديرها بيدها تكبّر وتسبّح إلى أن قُتِل حمزة بن عبد المطلبWسيد الشّهداء فاستعملتْ تربته، وعملت التسابيح، فاستعملها النّاس، فلمّا قتل الحسين N عدل إليه بالأمر، فاستعملوا تربته لِمَا فيها من الفضل والمزيّة»[xi]f98.
وفي مكارم الأخلاق أيضاً «قال: وفي كتاب الحسن بن محبوب أنّ أبا عبد الله N سُئِل عن استعمال التربتين من طين قبر حمزة والحسين J والتفاضل بينهما، فقال N: السّبحة التي من طين قبر الحسين N تسبِّح بيد الرجل من غير أن يسبِّح»[xii]f99، وهما ضعيفتان بالإرسال أيضاً.
ثمَّ إنَّه قد ذكرنا بالتفصيل في باب المزار في الدرس السادس والعشرين بعد المائة ما يتعلّق بالتربة الحسينيّة من حيث الاستشفاء بها، والتسبيح، والسّجود عليها، ونحو ذلك.
وبيَّنا ما قيل في هذه المسألة من الأقوال، وأنّه هل هناك فرق بين التربة المستشفى بها، والتربة المحترمة التي يسجد عليها، ويُسبَّح بها، ولا يجوز تنجيسها، وحكينا عن الشّهيد الثاني R في الرّوضة أنّه قال: «والمراد بطين القبر الشّريف تربة ما جاوره من الأرض عرفاً إلى أربعة فراسخ، ورُوي ثمانية فراسخ، وكلّما قرب منه كان أفضل، وليس كذلك التربة المحترمة منها، فإنّها مشروطة بأخذها من الضريح المقدس، أو خارجه، كما مرّ مع وضعها عليه، وأخذها بالدعاء، ولو وجد تربة منسوبة إليه حكم باحترامها حملاً على المشهور...».
وقلنا هناك: إنَّ الإنصاف: أنّ موضوع التربة المحترمة والطين الذي يُستشفى به واحد، وهو نفس القبر الشريف، أو ما يقرب منه على وجه يلحق به عرفاً، أو ما كان خارجاً ووضع على الضريح المقدّس، فراجع ما قلناه هناك[xiii]f100، فإنّه مهمّ.
تم الانتهاء منه بعد فجر يوم الجمعة في العشرين من ربيع الأول سنة 1437 هــــ، الموافق لليوم الأول من كانون الثاني، سنة 2016 م.
وذلك في محلة حارة حريك من بيروت، وأنا الأقل حسن بن علي الرميتي العاملي، عامله الله بلطفه الخفي.
[i] الوسائل باب17 من أبواب ما يسجد عليه ح2، 3.
[ii] الوسائل باب16 من أبواب ما يسجد عليه ح3.
[iii] الوسائل باب16 من أبواب ما يسجد عليه ح4.
[iv] الوسائل باب16 من أبواب ما يسجد عليه ح1.
[v] الوسائل باب16 من أبواب ما يسجد عليه ح2.
[vi] الوسائل باب 75 من أبواب المزار ح1.
[vii] الوسائل باب 75 من أبواب المزار ذيل ح1.
[viii] الوسائل باب 75 من أبواب المزار ح2.
[ix] الوسائل باب 16 من أبواب التعقيب ح5، والمصباح ص678.
[x] الوسائل باب 16 من أبواب التعقيب ح6، والمصباح ص678.
[xi] الوسائل باب 16 من أبواب التعقيب ح1.
[xii] الوسائل باب 16 من أبواب التعقيب ح2.
[xiii] باب المزار المجلد الخامس من كتاب الحج في الدرس السادس والعشرين بعد المائة، عند قول المصنّف R: (ويستشفى بتربته من حريم قبره) ص365 إلى 371.
(*) في مرآة العقول: «قوله R: (وليكن حذاء وجهك) أي: وليكن بصرك حذاء وجهك» ج15/ 78.
|