• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الصلاة .
              • القسم الفرعي : ما يصح السجود عليه / بحث الفقه .
                    • الموضوع : الدرس268 _ما يصح السجود عليه 13 .

الدرس268 _ما يصح السجود عليه 13

وأمَّا الإبهامان: فالمعروف بين الأعلام الاجتزاء بصدق السُّجود على الإبهامين، للإطلاق، كما في صحيحة زرارة «قال: قال أبو جعفر N: قال رسول الله C: السُّجود على سبعة أعظم: الجبهة واليدين والركبتين والإبهامين من الرجلين، وتُرِغِم بأنفك إرغاماً، أمَّا الفرض فهذه السبعة، وأمَّا الإرغام بالأنف فسنّة من النبي C»[i]f68.

ومن هنا صرح المحقِّق الثاني وصاحب المدارك رحمهما الله، كما عن جدِّه الشَّهيد الثاني R بعدم وجوب وضع الرؤوس والاجتزاء بأيِّ جانب منهما.

وعليه، فما في جملة من كتب الشَّيخ R، والكافي، والغنية، من وضع الطرف من كلٍّ منهما، أي رؤوس الأنامل، وذلك لِمَا في صحيح حمّاد من أنه N «سجد على أنامل إبهامي الرّجلين...»، بناءً على أن الأنملة طرف الإصبع.

ولكنّ المعروف أنّ الأنملة لغةً وعرفاً هي العقدة، لا رأس الإصبع، هذا أوّلاً.

وثانياًَ: أنّ الموجود في نسخة الكافي في ذَيْل صحيحة حمّاد ذِكر الإبهامين، لا الأنامل.

وثالثاً ­ مع قطع النظر عن كلِّ ذلك ­: فإنَّ صحيحة حمّاد لا تدلّ على وجوب السّجود على رؤوس الأنامل، بل هو مستحبّ، لِمَا عرفت في السّجود على الركبتين، فلا حاجة للإعادة.

ومن هنا لا تصلح صحيحة حمّاد لتقييد الإطلاقات، فيصحّ السّجود على مطلق الإبهامين، سواء باطنهما وظاهرهما، ورؤوس أناملهما، والله العالم.

(1) قال المصنِّف R في الذكرى: «لا يجوز أن يكون موضع سجوده أرفع من موقفه بما يزيد عن لبنة، ويجوز قدر لبنة، قاله الأصحاب...»، وقال المحقق في المعتبر: «لا يجوز أن يكون موضع السّجود أعلى من موقف المصلّي بما يعتدّ به مع الاختيار، وعليه علماؤنا»، وقال المحقّق الثاني R في جامع المقاصد: «لا بدّ أن يكون موضع جبهته مساوياً لموقفه، أو زائداً عليه بمقدار لَبِنة موضوعة على أكبر سطوحها، لا أزيد عند جميع أصحابنا...».

وفي المدارك: «اللَبِنة ­ بفتح اللام وكسر الباء، أو بكسر اللام وسكون الباء ­ والمراد بها: المعتادة في زمن صاحب الشَّرع عليه السَّلام، وقُدِّرت بأربع أصابع مضمومة تقريباً، والحكم بعدم جواز ارتفاع موضع السّجود عن الموقف بما يزيد عن اللَبِنة هو المعروف من مذهب الأصحاب، وأسنده في المنتهى إلى علمائنا مؤذناً بدعوى الإجماع عليه...».

وفي المقابل منع صاحب المدارك من العلوّ مطلقاً حتّى بمقدار اللَبِنة، وحُكِي عن ابن الجنيد R أنّه خصَّص جواز مقدار اللَبِنة في العلوّ بصّورة الاضطرار.

أقول: قدِ استدل للمشهور بحسنة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله N «قال: سألتُه عن السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ الْمُرْتَفِع، فَقَالَ: إِذَا كَانَ مَوْضِعُ جَبْهَتِكَ مُرْتَفِعاً عَنْ موضع بدنك قَدْرَ لَبِنَةٍ فَلَا بَأْسَ»[ii]f69.

هذا، وقد استُشكل على هذه الرّواية بعدَّةِ إشكالاتٍ:

الأوَّل: أنّها ضعيفة، كما عن المدارك، لأنّ من جملة رجالها النهدي، وهو مشترك بين جماعة، منهم مَنْ لم يثبت توثيقه.

وفيه: أن الظاهر من إطلاق النهدي أنّه الهيثمَّ بن أبي مسروق بقرينة رواية محمد بن محبوب عنه.

أضف إلى ذلك: أنّه المنصرف من إطلاق اللفظ، وهذا الانصراف، وإن كان خارجيّاً، إلاَّ أنَّه يصلح للتأييد.

وأمَّا هيثمَّ بن أبي مسروق فقد ذكرنا في بعض المباحث في الفِقه أنّ المدح الوارد فيه غير معتدّ به، ولكن ظهر لنا أخيراً أنّ المدح الوارد فيه معتدّ به، فقد مدحه النجاشي R بقوله: «بأنّه قريب الأمر» كما أنّ الكشّي مدحه بقوله: «إنّه فاضل».

ثمَّ إنَّ له كتاباً يرويه عنه جملة من الأجلاّء، منهم محمّد بن عليّ بن محبوب، وسعد بن عبد الله، ومحمّد بن الحسن الصفار.

وعليه، فحديثه حسن.

والذي يهوِّن الخطب: أنّ الطائفة عملت بهذه الرّواية، ولم يوجد من ردّها إلاّ صاحب المدارك R.

الإشكال الثاني: أنّه يوجد في بعض النسخ «يديك» باليائين المثنّاتين، بدل «بدنك».

أقول: يكفينا في ردّ هذا الإشكال ما ذكره صاحب الجواهر R، حيث قال: «بل ظاهر استدلال الأصحاب به، والفتوى بمضمونه، على اختلاف طبقاتهم ونُسَخِهم، وفيهم المتثبّت غاية التثبت ككشف اللثام، وغيره، يشرف الفقيه على القطع بعدم هذه النسخة، وأنّه وإن وجد في بعض الكتب فهو من النسّاخ قطعاً، مع أنّه على تقديرها يمكن الاستدلال بالفحوى، ضرورة أولويّة الموقف من اليدين بذلك قطعاً...»، وهو جيد جدّاً.

هذا، ويؤيِّد ما ذكرناه مرسلة الكليني «قال: وفي حديث آخر في السّجود على الأرض المرتفعة، قال: إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن رجلَيْك قدر لبنة فلا بأس»[iii]f70، وهي وإن كانت ضعيفة بالإرسال، إلاّ أنّها تصلح تأييداً للنسخة التي أوردت فيها الحسنة بلفظ «بدنك» بالنون.

الإشكال الثالث: أنّ ثبوت البأس بالزائد عن اللَبِنة في مفهوم القضيّة الشرطية أعمّ من المنع.

وفيه: أنّ المفهوم من كلمة البأس عرفاً هو المنع، لا سيّما بملاحظة وقوعه جواباً عن السّؤال المذكور في الحسنة فإنّه ظاهر في كونه سؤالاً عن الجواز، وعدمه، إذ من البعيد جدّاً أن يكون السّؤال عن وجوب السّجود على الأرض المرتفعة أو استحبابه، بل لعلّه لا يخطر في ذهن أحد.

ويؤيِّده أيضاً فهم الأصحاب وفتواهم بذلك.

الإشكال الرابع: ما ذكره المحقّق الهمداني R، حيث قال: «وأمّا الشرطيّة فهي مسوقة لبيان تحقّق الموضوع، وليس لها مفهوم، كما لا يخفى».

وفيه: أنّ القضيّة الشرطيّة المسوقة لتحقّق الموضوع هي ما كان الترتّب فيه بين الشّرط والجزاء ترتباً عقليّاً، أي إناطة الشّرط بالجزاء إناطة عقليّة، حيث تكون القضيّة الشرطيّة مسوقةً لتحقّق الموضع الذي هو الشّرط نفسه، فهنا حتماً ينتفي الجزاء بانتفاء الشّرط عقلاً، إذ بانتفاء الشّرط ينتفي الموضوع الذي هو نفسه، كما في قولك: إنْ رُزِقت ولداً فاختنه، فإنّ الجزاء متوقّف عقلاً على تحقّق الشّرط الذي هو الموضوع في المثال.

وكما قوله تعالى: « وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ]النور: 33[، فإن إكراه الفتيات على البغاء منوط عقلاً بإرادتهن التعفّف، فإذا انتفى الشّرط ­ وهو إرادتهن التعفّف ­ انتفى الجزاء عقلاً، إذ لا معنى لثبوت الجزاء، وهو إكراههن على البغاء مع انتفاء إرادتهن للتعفّف.

وأمّا إذا كان ترتّب الجزاء على الشّرط ترتّباً شرعيّاً فهنا يكون لها مفهوم مع باقي شرائط المفهوم المذكورة في محلّها، كما في قولك: إِنْ جَاءَكَ زَيْدٌ فَأَكْرِمْه، فلها مفهوم، وهو إِنْ لَمْ يَأْتِكَ زَيْدٌ فَلَاْ تُكْرِمْه، حيث لا يتوقف الإكرام عقلاً على مجيء زيد.

ومسألتنا من هذا القبيل، فإنّ مفهوم قوله N في الحسنة: «إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس» هو إذا لم يكن موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة، بأن كان مرتفعاً أكثر من ذلك ففيه بأس، فالترتّب هنا شرعيّ وليس بعقليّ.

والخلاصة: أنّه لا إشكال في الاستدلال على ما ذهب إليه المشهور بهذه الحسنة، وكلّ الإشكالات الواردة غير تامّة.

 

[i] الوسائل باب 4 من أبواب السجود ح2.

[ii] الوسائل باب 11 من أبواب السّجود ح1.

[iii] الوسائل باب 11 من أبواب السّجود ح3.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=378
  • تاريخ إضافة الموضوع : الإثنين: 11-01-2016
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12