• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الصلاة .
              • القسم الفرعي : ما يصح السجود عليه / بحث الفقه .
                    • الموضوع : الدرس263 _ما يصح السجود عليه 8 .

الدرس263 _ما يصح السجود عليه 8

هذا، وحُكي عن بعض الأعلام التقييد بما إذا كان من جنس ما يُسجد عليه، كما في حاشية الإرشاد، وقال المصنِّف R في الذكرى: «وفي النفس من القرطاس شيء، من حيث اشتماله على النورة المستحيلة، إلاَّ أن نقول: الغالب جوهر القرطاس، أو نقول: جمود النورة يردّ إليها اسم الأرض ­ إلى قال: ­ فرع، الأكثر اتّخاذ القرطاس من القنب، فلو اتُّخذ من الإبريسم فالظاهر المنع، إلا أن يقال: ما اشتمل عليه من أخلاط النورة مجوّز له؛ وفيه: بُعد، لاستحالتها عن اسم الأرض.

ولو اتّخذ من القطن والكتان أمكن بناؤه على جواز السجود عليهما، وقد سلف...».

أقول: إنّ منشأ من قيَّد القرطاس بكونه متّخذاً ممّا يجوز السّجود عليه هو الجمع بين أخبار المنع من السّجود على غير الأرض، وما أنبتت، ما لم يكن مأكولاً ولا ملبوساً، وبين روايات القرطاس، بإرجاع روايات القرطاس إلى تلك الأخبار، وتقييدها بها.

وَفِيهِ أوَّلاً: أنّه لا إشكال في أنّ القِرطاس قد خرج عن تلك الأشياء المتّخذ منها، كائنةً ما كانت، إلى حقيقة أخرى، فلا يصدق عليه فعلاً اسم النبات، وعليه فلا معنى للتقييد بكونه متخذاً ممّا يصحّ السّجود عليه.

وَثَانِياً: إنّ إرجاع روايات القرطاس إلى تلك الأخبار وتقييدها بها يلزم منه الحمل على الفرد النادر، وهو المتّخذ من الخشب ونحوه، ممَّا هو نادر بالنسبة إلى المتّخذ من القطن والكتّان، والذي هو الغالب، والمتعارف في القرطاس.

وقد عرفت سابقاً عدم جواز السُّجود عليهما في سائر الأحوال من الغَزْل، وعدمه، والنسج وعدمه.

وَثَالثاً: أنّه على تقدير مراعاة النباتيّة تنسدّ ثمَّرة جواز السّجود على القرطاس لحصول الشكّ غالباً في جنس المتّخذ منه، بحيث يعسر الاطلاع غالباً على مادة القرطاس، وأنّها ممّا يصحّ السّجود عليه، أم لا، ومعه لا يجوز السّجود، لأنّ الشكّ في الشّرط شكّ في المشروط.

ثمَّ إنّ ما ذكره المصنّف R في الذكرى من كيفيّة عمل القرطاس في غير محلّه، لِمَا في كشف اللثام وغيره، من أنّ المعروف في عمله جعل النورة أوَّلاً في مادة القرطاس، ثمَّ يغسل حتّى لا يبقى فيها شيء منها، فليست حينئذٍ جُزْءه.

وفي مفتاح الكرامة: «إنِّي لأعجب من الشهيدَيْن، والمحقِّق الثاني كيف تأملوا فيه منها والصانعون له من المسلمين والنصارى قريبون منهم، وبين أظهرهم، ولا يسألونهم عن كيفية عمله؟!».

أقول: أضف إلى ذلك أنّه يجوز السّجود على النورة بعد طبخها، كما أنّه يجوز التيمّم بها كما عرفت سابقاً.

وَرَابِعاً : بعد التسليم بعدم خروج القرطاس عن تلك الأشياء المتّخذ منها، وأنّه ليس حقيقة أخرى، إلاّ أنّ النسبة بين دليل الجواز، وما دل على المنع عن السجود على غير الأرض ونباتها، عموم من وجه، لافتراق ما دلّ على الجواز في القرطاس المتّخذ من الخشب ونحوه، وافتراق ما دلّ على المنع في غير القرطاس، ممَّا لم يكن من الأرض ونباتها، كالجلد والصوف، ونحوهما، ويجتمعان في القرطاس المتّخذ من غير الأرض، ونباتها كالمتّخذ من الصّوف أو الحرير، فيتعارضان فيه.

ومقتضى القاعدة في مثل ذلك، وإن كان هو التساقط، إلاّ أنّ الترجيح هنا لمّا دلّ على جواز السّجود على القرطاس، إذ لا يلزم منه محذور، إلاّ الالتزام بالتخصيص في الأدلّة المانعة عن جواز السّجود على غير الأرض ونباتها، وهذا بخلاف العكس، وهو تقديم الأدلّة المانعة، إذ يلزم منه محذور إلغاء عنوان القرطاسيَّة، وعدم دخل هذا العنوان في الحكم، إذ العِبرة في الجواز حينئذٍ كون ما يُسجد عليه من الأرض، أو نباتها غير المأكول، والملبوس سواء أكان قرطاساً أم لا.

مع أنّ ظاهر الرِّوايات أنّ لعنوان القرطاس دخلاً في الحكم، وأنّ له موضوعيّة.

وقد ذكرنا في علم الأصول أنّ العامَّيْن من وجه إذا لَزِم من تقديم أحدهما على الآخر إلغاء عنوان أحدهما قُدِّم الذي لا يلزم منه إلغاء عنوان الآخر.

وذكرنا بعض النظائر له سابقاً؛ مثلاً: ورد في حسنة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله N «أنّه قال: اِغسل ثوبك من أبوال ما لا يُؤكل لحمه»[i]f47، وفي حسنة أبي بصير عن أبي عبد الله N «قال: كلُّ شيءٍ يطير فلا بأس ببوله وخرئه»[ii]f48.

والنسبة بينهما: عموم من وجه، لأنّ حسنة عبد الله بن سنان أخصّ من حسنة أبي بصير من جهة اختصاصها بما لا يُؤكل لحمه، وأعمّ منها من جهة شمولها الطّائر، وغيره، وحسنة أبي بصير أخص من حسنة عبد الله بن سنان لتقييد موضوعها بالطيران، وأعم منها لشمولها الطائر بقسميه المحلل والمحرم أكله فيتعارضان في الطائر الذي لا يؤكل لحمه. وبما أن تقديم حسنة عبد الله بن سنان على حسنة أبي بصير يلزم منه إلغاء عنوان الطير عن كونه موضوعاً للحكم بالطَّهارة، حيث تدلّ على تقييد الحكم بطهارة البَول والخُرء، بما إذا كان الطَّير محلّل الأكل، وهو في الحقيقة إلغاء لعنوان الطّير عن الموضوعيّة، فإنّ الطّهارة على هذا مترتبة على عنوان ما يُؤكل لحمه، سواء أكان ذلك هو الطّير، أم غيره، وهذا بخلاف تقديم حسنة أبي بصير فإنّه لا يلزم منه إلغاء عنوان ما لا يُؤكل لحمه في حسنة عبد الله بن سنان، بل تقييده بما إذا لم يكن طيراً، فلا إشكال حينئذٍ في تقديم حسنة أبي بصير، وكذا غيره من الأمثله الكثيرة.

والخلاصة إلى هنا: أنّه لا ريب في جواز السّجود على القِرطاس مطلقاً حتّى المتّخذ من الحرير فضلاً عن غيره، وإن كان الأحوط الأولى عدم السّجود على المتّخذ من غير ما يصحّ السّجود عليه، والله العالم بحقائق أحكامه.

الأمر الثالث: المعروف بين الأعلام أنّه يُكره السُّجود على القرطاس إذا كان فيه كتابة، وذلك لصحيحة جميل بن دراج المتقدِّمة.

ولكنِ اختَلف الأعلام في أنّ الكراهة هل هي مطلقة، كما عن أكثر الأعلام، أو أنّها مخصوصة بالمبصر، كما حُكي عن المحقِّق والشهيد الثانيين، أو بمن أبصر، وأحسن القراءة، كما عن المبسوط والوسيلة والسرائر، والمصنِّف R هنا، وعن نهاية الأحكام: «الأقرب الجواز في الأعمى» أي عدم الكراهة،، وفي البيان: «قد تتأكّد الكراهة بذلك».

 

[i] الوسائل باب 8 من أبواب النجاسات ح2.

[ii] الوسائل باب 10 من أبواب النجاسات ح1.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=373
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 31-12-2015
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12