الدرس 172 / الأحد: 25-نيسان-2021
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وبيعين في بيع (بيعة): إمَّا البيع بشرط الابتياع، وإمَّا بثمنين نقداً (و) أو نسيئة، فالأقرب في الأول: الصِّحَّة، ويُحمَل النَّهي على الكراهة. (انتهى كلامه)
(1) قال الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط: «ونهى النَّبيُّ (صلّى الله عليه وآله) عن بيعتَيْن في بيعة، وقيل: إنَّه يحتمل أمرين، أحدهما أن يكون المراد به إذا قال: بعتك هذا الشَّيء بألف درهم نقداً، أو بألفَيْن نسيئةً بأيهما شئت خذه، فإنَّ هذا لا يجوز؛ لأنَّ الثَّمن غير معين، وذلك يُفسِد البيع، كما إذا قال: بعتك هذا العبد أو هذا العبد أيُّهما شئت فخذه لم يجز، والآخر أن يقول: بعتك عبدي هذا بألف على أن تبيعني دارك هذه بألف، فهذا أيضاً لا يصحُّ؛ لأنَّه لا يلزمه بيع داره، ولا يجوز أن يثبت في ذمَّته؛ لأنَّ السَّلف في بيع الدَّار لا يصحُّ».
ومثلها عبارة ابن إدريس (رحمه الله) في السَّرائر، ونحوهما عبارة الشيخ (رحمه الله) في النهاية.
وفي ملاذ الأخيار: «قوله (عليه السلام): وعن بيعَيْن في بيع يحتمل أن يكون المراد سَلفَيْن، أحدهما: إلى أجل والآخر إلى أزيد، كذا ذكره الأصحاب، ويحتمل أن يكون المراد النَّهي عن بيع مالَيْن بشخصَيْن بثمن واحد إلى أن قال: أوِ النَّهي عن بيع شيئَيْن بنقد واحد، ولم يبيِّن ثمن كلِّ واحد حتَّى إذا ردَّ أحدهما بعيب أخذ ثمنه، كما ذكره الوالد (رحمه الله)».
أقول: المعروف بين الأعلام أنَّ معنى النَّهي عن بيعَيْن في بيعة هو ما احتمله الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط مِنَ الأمرَيْن، وتبعه على هذا التَّفسير أغلب الأعلام.
ومهما يكن، فقدِ استدلَّ للبطلان بروايتَيْن:
الأولى: حديث المناهي المروي في الفقيه عَنِ الصَّادق عن آبائه S عَنِ النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله) أنَّه: «نَهَى عَنْ بَيْعٍ وسلفٍ، ونهى عَنْ بيعَيْن في بَيْعٍ...»[1]f216، وكأنَّ المراد بسَلَف وبيع: أن يقول: بعتك مَنًّا من طعام حالاًّ بعشرة، وسلفاً بخمسة.
ولكنَّ الحديث ضعيف جدّاً بجهالة الحسين بن زيد، وشعيب بن واقد، كما أنَّ إسناد الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) إلى شعيب فيه حمزة بن محمَّد العلوي، وهو مهمل وعبد العزيز بن محمَّد بن عيسى الأبهري، وهو مجهول.
الثَّانية: رواية سليمان بن صالح عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: نهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عَنْ سَلَفٍ وبيعٍ، وعَنْ بيعَيْن في بيعٍ...»[2]f217، وهي ضعيفة أيضاً باشتراك سليمان بن صالح بين عدَّة أشخاص أغلبهم مجهولو الحال، وإن كنتُ أظنُّ أنَّه سليمان بن صالح الجصَّاص الكوفي الثقة، إلاَّ أنَّ الظَّنَّ لا يغني من الحقِّ شيئاً.
ثمَّ إنَّ مقتضى القاعدة هو صحَّة البيع لو كان المراد من بيعَيْن في بيع هو الاحتمال الثَّاني المذكور في المبسوط، وهو أن يقول: بعتك عبدي هذا بألف على أن تبيعني دارك هذه بألف درهم؛ إذ لا مانع من صحَّة البيع، وهذا الشَّرط جائز.
وعليه، فما ذكره المصنِّف (رحمه الله) مِنَ الصِّحَّة لو كان المراد مِنَ الحديث هذا المعنى هو مقتضى الإنصاف.
نعم، لو كان المراد منه: الاحتمال الأوَّل الذي ذَكَره الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط لكان البيع باطلاً؛ لأنَّه لا يدري أيّهما الثَّمن الذي يختاره، ليقع عليه العقد، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والقرض يجرُّ نفعاً، كشرط ردِّ الصِّحاح عَنِ المكسَّرة. (انتهى كلامه)
(1) ذكر المصنِّف (رحمه الله) حرمة القرض الرَّبوي في أربعة مواطن على الأقلِّ هنا، وفي قوله قريباً: «ومِنَ المناهي الرِّبا، سواء كان في البيع أو القرض...»، وفي كتاب الرِّبا، وفي باب القرض.
ونحن نقتصر هنا على بيان حرمة القرض الرَّبوي، مع ذكر بعض الرِّوايات الدَّالة على جواز القرض الذي يجرُّ نفعاً مع عدم الشَّرط، ونتكلَّم بالتَّفصيل إن شاء الله تعالى في باب القرض.
إذا عرفت ذلك، فنقول: لا إشكال في حرمة القرض مع شرط النَّفع، وفي الجواهر: «بلا خلاف فيه، بلِ الإجماع منا قسمَيْه عليه، بل ربَّما قيل: إنَّه إجماع المسلمين؛ لأنَّه ربا...».
وفي الواقع هناك تسالم بين الأعلام على ذلك، والرِّوايات الواردة في ذلك متواترة، ففي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) «قَاْل: وَسَأْلتُه عن رجلٍ أَعْطَى رجلاً مائةَ درهمٍ على أنْ يعطيه خمسة دراهم، أو أقلّ، أو أكثر، قال: هذا الرِّبا المحضّ»[3]f218، وهي، وإن كانت ضعيفةً في كتاب قرب الإسناد بعبد الله بن الحسن، فإنَّه مهمل، إلاَّ أنَّها صحيحة لوجودها في كتاب عليِّ بن جعفر، وكذا غيرها.
ولا فرق في الحرمة في صورة الاشتراط بين اشتراط زيادة العين، أو الصِّفة، كما لو شرط الدَّراهم الصِّحاح كالطَّازجيَّة وهي الدَّراهم البِيْض الجيَّدة عوض المكسَّرة، كالغَلَّة وهي الدَّراهم المغشوشة .
نعم، إذا لم يكن بينهما شرط، فلا بأس بأخذ الزِّيادة.
وتدلُّ على ذلك جملة من الرِّوايات:
منها: حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْلَ: إذا أَقْرَضْتَ الدَّراهمَ، ثمَّ جاءَكَ بَخَيْرٍ مِنْهَا، فَلَاْ بَأْسَ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَكُمَاْ شَرْطٌ»[4]f219.
ومنها: حسنة بن مسلم «قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَسْتَقْرِضُ مِنَ الرَّجُلِ قَرْضاً، وَيُعْطِيهِ الرَّهْنَ: إِمَّا خَادِماً، وَإِمَّا آنِيَةً، وَإِمَّا ثِيَاباً، فَيَحْتَاجُ إِلى شَيْءٍ مِنْ مَنْفَعَتِهِ، فَيَسْتَأْذِنُهُ فِيهِ، فَيَأْذَنُ لَهُ؟ قَالَ: إِذَا طَابَتْ نَفْسُهُ، فَلَا بَأْسَ، قُلْتُ: إِنَّ مَنْ عِنْدَنَا يَرْوُونَ أَنَّ كُلَّ قَرْضٍ يَجُرُّ مَنْفَعَةً، فَهُوَ فَاسِدٌ، فَقَالَ: أَوَلَيْسَ خَيْرُ الْقَرْضِ مَا جَرَّ مَنْفَعَةً»[5]f220، أي بلا شرط.
ومنها: صحيحة يعقوب بن شعيب «قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يُقْرِضُ الرَّجُلَ الدَّرَاهِمَ الْغَلَّةَ، فَيَأْخُذُ منها (مِنْهُ) الدَّرَاهِمَ الطَّازَجِيَّةَ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ»[6]f221، والطَّازجية: الدَّراهم البِيض الجيَّدة، والغَلَّة: الدَّراهم المغشوشة، وكذا غيرها مِنَ الرِّوايات الآتية في محلِّها إن شاء الله تعالى .
الوسائل باب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه ح12.
التَّهذيب ج7، في باب من الزيادات ص230، ح25.
الوسائل باب 19 من أبواب الدَّين والقرض ح18.
الوسائل باب 20 من أبواب الدَّين والقرض ح1.
الوسائل باب 19 من أبواب الدَّين والقرض ح4.
الوسائل باب 12 من أبواب الصَّرف ح5.
|