الدرس 170 / الخميس: 22-نيسان-2021
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والملاقيح: وهي ما في الأرحام. والمضامين: وهي ما في الأصلاب. (انتهى كلامه)
(1) يقع الكلام في أمرين:
الأوَّل: في حُكْم بيع المني إذا صار في الرَّحم، ويسمَّى بالملاقيح.
الثَّاني: في حكم بيع عَسِيب الفحل، أي ماء الفحل في صلبه، ويسمَّى بالمضامين.
أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام عدم صحَّة البيع.
وفي التَّذكرة: «لا نعرف خلافاً بين العلماء في فساد هذين البيعين أي الملاقيح والمضامين ؛ للجهالة، وعدم القدرة على التَّسليم...».
وفيه: أنَّ جهالة المثمن إنَّما تمنع من صحَّة البيع إذا لزم منه الغَرَر، أي الخَطَر باعتبار أنَّ البيع الغرري فاسد، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، سواء أكان الغرر من جهة المثمن أو الثَّمن أو منهما معاً وإلاَّ فمجرد الجهالة لا تمنع من صحَّة البيع؛ إذ لا دليل على اعتبار العلم بالعوضَيْن إلاَّ من جهة لزوم الغَرَر.
وعليه، فلا غرر هنا؛ للعلم بحصول المني في الرَّحم، ولا تختلف القيمة باختلاف الكميَّة والكيفيَّة.
وأمَّا القدرة على التَّسليم، فهي، وإن كانت معتبرةً في صحَّة البيع، إلا أنَّها حاصلة في المقام؛ لأنَّ تسليم كلِّ شيء بحسبه، وحصول المني في رحم الدَّابة تسليم.
والخلاصة: أنَّ البيع هنا لا يبطل من جهة الجهالة، وعدم القدرة على التَّسليم.
نعم، يبطل البيع من جهة أخرى، وهي أنَّ النَّماء تابع للحيوان، فبمجرد وقوع المني في الرَّحم يصير مُلْكاً لمالك الأنثى بالتَّبعيَّة، ويصير جزءاً منها، كما كان قبل ذلك جزءاً مِنَ الفحل، ومُلْكاً لمالك الفحل.
وعلى هذا، فلا يصحُّ بيعه، لا من صاحب الأنثى، ولا من غيره:
أمَّا أنَّه لا يصحُّ بيعه من صاحب الأنثى؛ فلأنَّه ملك له، وهل يشتري الإنسان ملكه؟!
وأمَّا أنَّه لا يصحُّ بيعه من غيره؛ فلأنَّ البائع لا يملك الملاقيح؛ لأنَّ هذا المني بعد أن صار في رحم الأنثى صار مُلْكاً لصاحب الأنثى بالتَّبع، فيكون البائع قد باع ما لا يملك.
ثمَّ إنه قد يستدلُّ للبطلان بالرواية المتقدِّمة في معاني الأخبار عَنِ النَّبي (صلّى الله عليه وآله) «أنَّه نهى عن المجر، وهو أن يباع البعير أو غيره بما في بطن النَّاقة، ونهى (صلّى الله عليه وآله) عَنِ الملاقيح والمضامين، فالملاقيح: ما في البطون، وهي الأجنة، والمضامين: ما في أصلاب الفحول...»[1]f208، وقد عرفت أنَّها ضعيفة بعدم وثاقة بعض الأشخاص، وجهالة جملة منهم.
الأمر الثَّاني: المعروف بين الأعلام حرمة التَّكسُّب بعسيب الفحل، سواء ذلك على نحو البيع أو الإجارة.
قال العلامة (رحمه الله) في التذكرة: «يحرم بيع عسيب الفحل وهو نطفته ؛ لأنَّه غير متقوِّم، ولا معلوم، ولا مقدور عليه، ولا نعلم فيه خلافاً...».
وذهب بعض الأعلام إلى الكراهة، منهم صاحب الجواهر قال: «أمّا التكسب بضراب الفحل بأن يؤجره لذلك مع ضبطه بالمرّة والمرّات المعينة أو بالمدة، أو بغير الإجارة، فلا خلاف أجده في كراهة كسبه».
أقول: قدِ استُدلَّ لحرمة التَّكسُّب بعسيب الفحل، سواء أكان ذلك بالبيع أو بالإجارة، بأمرَيْن:
الأوَّل: ما ذكره العلاَّمة (رحمه الله) في التَّذكرة، من أنَّ عسيب الفحل غير متقوِّم، ولا معلوم، ولا مقدور عليه.
وفيه: أنَّه متموَّل؛ لرغبة العقلاء في المعاوضة عليه بالمال، مع إمضاء الشَّارع المقدَّس المستَكشَف رضاه مِنَ الرِّوايات الآتية.
وأَّما اعتبار معلوميّة العوضَيْن، فقد عرفت أنّه من باب عدم الغرر، والمفروض أنَّه منتفٍ؛ للعلم بالطَّروقة.
وأمَّا قوله بعدم القدرة على التسليم.
نقول: بل هي حاصلة؛ لأنَّ تسليم كلِّ شيء بحسبه، والفرض حصول النُّطفة في رحم الدَّابة.
الثَّاني: الرِّوايات النَّاهية عَنِ التَّكسُّب به:
منها: ما رواه الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في الخصال «أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نهى عن خصال تسعة: عن مهر البغي، وعَنْ عَسِيب الدَّابَّة يعني كَسْب الفحل ...»[2]f209، وهي ضعيفة بجهالة جملة مِنَ الأشخاص.
ومنها: مرسلة الفقيه «قال: نهى رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) عَنْ عَسِيبِ الفَحْلِ، وَهُوَ أَجْرُ الضِّرابِ...»[3]f210، وهي ضعيفة بالإرسال.
وفي الحدائق: «والظَّاهر أنَّ هذا التَّفسير من كلام الصَّدوق الذي يُدْخِله غالباً في الأخبار، لكنَّ بعض متأخِّري مشايخنا المحقِّقين، وهو المحقِّق الأردبيلي في شرح الإرشاد أسند هذا الخبر إلى الجمهور».
ومنها: رواية الجعفريَّات «مِنَ السُّحت ثمنُ الميتةِ، وثمنُ اللِّقاحِ إلى أن قال: وعَسْب الفَحْلِ، ولَاْ بَأْسَ أنْ يُهْدَى له العَلَفُ...»f211، وهي ضعيفة بعدم وثاقة موسى بن إسماعيل.
ومنها: ما عن دعائم الإسلام «أَنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله) نَهَى عَنْ بَيْعِ الْأَحْرَارِ، وَعَنْ بَيْعِ الْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ، وَعَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ، وَعَنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ، وَعَنْ بَيْعِ الْعَذِرَةِ، وَقَالَ: هِيَ مَيْتَةٌ»[5]f212، وهي ضعيفة بالإرسال.
والخلاصة: أنَّ الرِّوايات النَّاهية عَنِ التَّكسُّب بعَسِيب الفَحْل كلُّها ضعيفة.
وفي المقابل، دلّت بعض الرِّوايات على جواز التَّكسُّب بعسيب الفحل:
منها: حسنة معاوية بن عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث «قَاْلَ: قلتُ لَهُ: أَجْرُ التُّيُوسِ؟ قَاْلَ: إنْ كانتِ العَرَبُ لَتَعَايَرُ بِهِ، ولَاْ بَأْسَ»[6]f213، والتَّيْس فَحْل العَنْز.
ومنها: رواية حنَّان بن سدير «قال: دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) ومعنا فرقد الحجام إلى أن قال: فقَالَ له: جَعَلَنِيَ الله فِدَاكَ، إِنَّ لِي تَيْساً أُكْرِيهِ، فَمَا تَقُولُ فِي كَسْبِهِ؟ قَالَ: كُلْ مِنْ كَسْبِهِ، فَإِنَّهُ لَكَ حَلَالٌ، وَالنَّاسُ يَكْرَهُونَهُ. قَالَ حَنَّانٌ: قُلْتُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَكْرَهُونَهُ، وَهُوَ حَلَالٌ؟! قَالَ: لِتَعْيِيرِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً»[7]f214، وهي ضعيفة بسهل بن زياد.
وأما القول بكراهة التَّكسُّب بعَسِيب الفَحْل فهو لأجل الجمع بين الرِّوايات المانعة والرِّوايات المجوِّزة بحَمْل المانعة على الكراهة.
ولكنَّك عرفت أنَّ الرِّوايات المانعة ضعيفة السَّند.
نعم، قد يقال: إنَّ الكراهة مستفادة من نفس الرِّوايات المجوِّزة؛ لقوله (عليه السلام) فيها: «إنْ كانتِ العَرَبُ لَتَعَايَرُ بِهِ»، وقوله (عليه السلام): «لِتَعْيِيرِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً...»، ولا بأس بالالتزام بالكراهة لذلك.
نعم، لا كراهة فيما إذا قبض العوض كهدية، والله العالم والهادي.
الوسائل باب 10 من أبواب عقد البيع وشروطه ح2.
الوسائل باب 5 من أبواب ما يكتسب به ح13 و14.
الوسائل باب 12 من أبواب ما يكتسب به ح3.
المستدرك باب 5 من أبواب ما يكتسب به ح1.
المستدرك باب 5 من أبواب ما يكتسب به ح5.
الوسائل باب 12 من أبواب ما يكتسب به ح2.
الوسائل باب 12 من أبواب ما يكتسب به ح1.
|