الدرس 168 / الثلاثاء: 20-نيسان-2021
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويجوز بيع جلد غير المأكول إذا ذُكِّي، وكان ممَّا يقع عليه الذَّكاة قبل دبغه، إجماعاً، وإِنْ حرَّمنا استعماله قبل دبغه. (انتهى كلامه)
(1) لا إشكال بين الأعلام في جواز بيع جلد غير المأكول إذا ذُكِّي، سواء أدبغ قبل البيع أم لا، ولا يحرم استعماله قبل الدَّبغ.
وأمَّا قول المصنِّف (رحمه الله): «وإِنْ حرَّمنا استعماله قبل دبغه...»، ففي غير محلِّه؛ لأنَّه لا أثر للدَّبغ عندنا.
وممَّا يدلُّ على جواز بيع جلد غير المأكول إذا ذُكِّي جملة مِنَ الرِّوايات:
منها: صحيحة عبد الرَّحمان بن الحجَّاج «قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنِ الْفِرَاءِ، أَشْتَرِيهِ مِنَ الرَّجُلِ الَّذِي لَعَلِّي لَا أَثِقُ بِهِ، فَيَبِيعُنِي عَلَى أَنَّهَا ذَكِيَّةٌ، أَبِيعُهَا عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ لَا تَثِقُ بِهِ، فَلَا تَبِعْهَا عَلَى أَنَّهَا ذَكِيَّةٌ، إِلاَّ أَنْ تَقُولَ قَدْ قِيلَ لِي إِنَّهَا ذَكِيَّةٌ»[1]f199.
ومنها: رواية أبي مخلَّد السَّرَّاج «قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ مُعَتِّبٌ، فَقَالَ: بِالْبَابِ رَجُلَانِ، فَقَالَ: أَدْخِلْهُمَا، فَدَخَلَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إِنِّي رَجُلٌ سَرَّاجٌ أَبِيعُ جُلُودَ النَّمِرِ، فَقَالَ: مَدْبُوغَةٌ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ»[2]f200.
ووجه الاستدلال بها: هو أنَّ الدِّباغ عند العامَّة هو ذكاتها، وكأن الإمام (عليه السلام) يتَّقي في ذلك، وإلاَّ فالدِّباغ عندنا لا أثر له.
ولكنَّ الرِّواية ضعيفة بعدم وثاقة أبي مخلَّد السَّراج.
وأمَّا إسناد الشَّيخ (رحمه الله) إلى عليِّ بن أسباط، فهو معتبر في الفهرست، وإن كان إسناده إليه في التَّهذيب ضعيفاً.
ثمَّ إنَّه يظهر من مكاتبة أبي القاسم الصَّيقل وولده جواز بيع جلد الميتة «قَالَ: كَتَبُوا إِلَى الرَّجُلِ (عليه السلام) جَعَلَنَا الله فِدَاكَ، إِنَّا قَوْمٌ نَعْمَلُ السُّيُوفَ، وَلَيْسَتْ لَنَا مَعِيشَةٌ، وَلَا تِجَارَةٌ غَيْرُهَا، وَنَحْنُ مُضْطَرُّونَ إِلَيْهَا، وَإِنَّمَا عِلَاجُنَا مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ مِنَ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ الْأَهْلِيَّةِ، لَا يَجُوزُ فِي أَعْمَالِنَا غَيْرُهَا، فَيَحِلُّ لَنَا عَمَلُهَا وَشِرَاؤُهَا وَبَيْعُهَا وَمَسُّهَا بِأَيْدِينَا وَثِيَابِنَا؟ وَنَحْنُ نُصَلِّي فِي ثِيَابِنَا، وَنَحْنُ مُحْتَاجُونَ إِلَى جَوَابِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَا سَيِّدَنَا؛ لِضَرُورَتِنَا إِلَيْهَا، فَكَتَبَ ((عليه السلام)): اجْعَلْ ثَوْباً لِلصَّلَاةِ...»[3]f201.
فإنَّ سكوته (عليه السلام) عن جواز بيع جلود الميتة، وتصدِّيه فقط لحكم الصَّلاة في الثَّوب بأن يجعل ثوباً للصلاة، هو دليل على جواز البيع، وإلاَّ لمَا كان يحسن السُّكوت عن حكم هذه الأمور.
وفيه مع قطع النَّظر عمَّا يرد على هذه الرِّواية مِنَ الإشكالات من حيث الدَّلالة، حيث ذكر أنَّه مضطرٌّ إلى ذلك : أنَّها ضعيفة السَّند؛ لجهالة أبي القاسم الصَّيقل وولده.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: الثَّانية عشرة: لا يجوز للأجير على عمل التَّقصير عمَّا استُؤجر له، ولو زاد عن ذلك في الجودة كان أفضل، ولو خصَّ بالزِّيادة بعض المستأجرين كره. ومِنْ ثمَّ ينبغي للمعلّم التَّسوية بين الصُّبيان. ويكره تفضيل بعضهم على بعض في التعليم والأجرة، إلَّا مِعَ الشَّرط. وقال ابن إدريس: إذا آجر نفسه لتعليم مخصوص جاز التَّفضيل بحسبه، وإن استؤجر لتعليمهم مطلقاً حرم التَّفضيل، وإن كان أجرة بعضهم أكثر. ورواية حسَّان المعلِّم عَنِ الصَّادق (عليه السلام) تشعر بالكراهيّة. (انتهى كلامه)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه لا يجوز للأجير على عمل التَّقصير عمَّا استؤجر له؛ لأنَّ ذلك خيانة منه، والأفضل له أن يأتي بأفضل الأعمال، ويكون ذلك إحساناً منه وتكرُّماً.
وأمَّا ما ذكره المصنِّف (رحمه الله)، من أنَّه يكره أن يخصَّ بالزِّيادة بعض المستأجرين، فلا دليل عليه، إلاَّ إذا لزم عنوان آخر.
نعم، رواية حسَّان المعلِّم تُشْعر بكراهة التَّفضيل «قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنِ التَّعْلِيمِ، فَقَالَ: لَا تَأْخُذْ عَلَى التَّعْلِيمِ أَجْراً، قُلْتُ: الشِّعْرُ، وَالرَّسَائِلُ، وَمَا أَشْبَهَ ذلِكَ، أُشَارِطُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الصِّبْيَانُ عِنْدَكَ سَوَاءً فِي التَّعْلِيمِ، لَا تُفَضِّلُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ»[4]f202.
والمراد من قوله: «لا تأخذ على التَّعليم أجراً»، أي على تعليم القرآن، ولكن ذكرنا سابقاً أنه يجوز ذلك.
وفيه أوَّلا: أنَّ الرِّواية ضعيفة بجهالة كلٍّ من حسَّان المعلِّم، والفضل بن كثير.
وثانياً: أنَّ ما تضمَّنته الرِّواية من أنَّه ينبغي مِعَ الشَّرط أن يساوي بين الصِّبيان في التَّعليم، فلا يفضل بعضهم على بعض، ينبغي تقييده بما إذا استؤجر على تعليمهم على الإطلاق.
وأمَّا لو تفاوتت الأجرة بالزِّيادة في التَّعليم، فإنَّه لا إشكال في جواز الزِّيادة لبعضهم على بعض؛ باعتبار ما زادوه مِنَ الأجرة.
وكذا لو وقعت الإجارة على تعليم مخصوص لهذا الصَّبي، وتعليم مخصوص للآخر، وهكذا، فإنَّه لا بأس بزيادة تعليم بعضهم على بعض، عملاً بما وقع عليه التَّراضي في الإجارة.
ومن هنا قال ابن إدريس (رحمه الله) في السَّرائر: «وينبغي للمعلِّم، أن يسوِّي بين الصِّبيان في التّعليم، والأخْذ عليهم، ولا يفضل بعضهم على بعض في ذلك، إلاَّ أن يؤجّر نفسه لهذا على تعليم مخصوص، وهذا يستأجره على تعليم مخصوص، فأمَّا إذا استؤجر على التَّعليم لجميعهم بالإطلاق، فلا يجوز له أن يفضِّل بعضهم على بعض في التَّعليم، لأنَّه استؤجر عليه، سواء كانت أجرة بعضهم أكثر من أجرة بعض آخر».
وفيه: أنَّه لا دليل على الكراهة فضلاً عَنِ الحرمة؛ لأنَّ الزِّيادة في التَّعليم تفضُّل منه وإحسان.
نعم، لو قصَّر في تعليم بعضهم عمداً لحرم ذلك.
ولكنَّ الكلام في الزِّيادة، ولا محذور فيها، إلاَّ إذا لزم عنوان آخر يوجب التَّحريم، والله العالم والهادي.
الوسائل باب 38 من أبواب ما يكتسب به ح2.
الوسائل باب 38 من أبواب ما يكتسب به ح1.
الوسائل باب 38 من أبواب ما يكتسب به ح4.
الوسائل باب 29 من أبواب ما يكتسب به ح1.
|