• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : المكاسب المحرّمة .
              • القسم الفرعي : التكسب الحرام وأقسامه / المكاسب (أرشيف صوتي) .
                    • الموضوع : الدرس 163_التكسّب الحرام وأقسامه (158). مسائل: الثَّالثة: في جواز أخذ الأُجرة على كتابة القرآن والعلوم المباحة .

الدرس 163_التكسّب الحرام وأقسامه (158). مسائل: الثَّالثة: في جواز أخذ الأُجرة على كتابة القرآن والعلوم المباحة

 

الدرس 163 / الإثنين: 05-نيسان-2021

ثمَّ إنَّه بقي شيء لا بأس بالإشارة إليه لأهميته، وإن كان محلُّه باب الجهاد وباب إحياء الموات.

وحاصله: أنَّ المعروف بين الأعلام أنَّ أرض العراق أكثرها فتح عنوة، لا جميعها، وأيضاً حُكِي عن الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط: أنَّ ظاهر المذهب أنَّ النَّبيَّ (صلّى الله عليه وآله) فتح مكَّة عنوةً بالسَّيف، ثمَّ آمنهم بعد ذلك، وإنَّما لم يقسم الدُّور والأرضين لأنَّه لجميع المسلمين، وأمَّا في غير هذين الموضعَيْن فهو محلُّ كلام بين الأعلام، ومحلُّ شكٍّ واشتباه.

ثمَّ إنَّه قد أشرنا سابقاً أنَّه يشترط في الحكم بكون الأرض المفتوحة ملكاً للمسلمين أن يكون الفتح بإذن الإمام (عليه السلام)، وأن تكون عامرةً حال الفتح، وإلاَّ كانت ملكاً للإمام (عليه السلام).

وعليه، فإذا شككنا أنَّ الفتح كان بإذنه (عليه السلام) أم لا، فإنَّ الأصل عدم كونه بإذنه، ويترتَّب على ذلك عدم كونها مُلْكاً للمسلمين.

وأيضاً إذا شككنا في كونها عامرةً حال الفتح أم لا، فإنَّ الأصل عدم كونها عامرةً حال الفتح، أي أنَّ الأصل كونها مواتاً.

وعليه، فيكون كلُّ ما لم يعلم كونه معموراً وقت الفتح هو للإمام (عليه السلام)، من غير فرق بين ما لا يوجد فيه أثر عمارة، وبين ما يوجد فيه، ولكن لم يعلم أنَّها كانت وقت الفتح أو متجدِّدةً بعده.

إن قلت: إذا كانت أرض العراق مفتوحةً عنوةً، فلماذا يتعامَل معها معاملة الأملاك الشَّخصية من حيث البيع والشِّراء والهبة، ونحو ذلك.

قلتُ أوَّلاً: إنَّ جملة من أرض العراق كانت مواتاً حين الفتح، وهي ملك للإمام (عليه السلام)، ويملكها من أحياها.

وثانياً: أنَّ جملةً منها أيضاً صُوْلحوا عليه، على أن تكون الأرض لهم وعليهم الجزية، وتسمَّى بأرض الجزية، والأرض الخراجيَّة، وهي ملك لأصحابها، لهم أن يتصرَّفوا فيها كيف شاؤوا، من بيع وصلح، ونحو ذلك.

وعليه، فإذا ثبت أنَّ أرضاً مخصوصةً معيَّنةً فُتِحت عنوةً بإذن الإمام (عليه السلام)، وكانت عامرةً حال الفتح، فهي ملك للمسلمين، ولا يجوز بيعها ولا هبتها ولا وقفها، ونحو ذلك، وإن لم يثبت ذلك، بأن كان عندنا علم إجمالي بأنَّ جملةً مِنَ الأراضي في العراق مفتوحة عنوةً وكانت عامرة حال الفتح، فنقول: إنَّ هذا العلم الإجمالي غير منجز لانحلاله؛ لعدم كون جميع أطرافه محلاًّ للابتلاء.

وممَّا ذكرنا يتَّضح حال أراضي الشَّام المشكوك أصلاً في كونها مفتوحةً عنوةً فضلاً عَنِ وجود العلم الإجمالي، وكذا غيرها مِنَ الأراضي، والله العالم والهادي.

قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: الثَّالثة: يجوز أخذ الأُجرة على كتابة العلوم المباحة، ويكره على كتابة القرآن مَعَ الشَّرط؛ لفحوى الرِّواية. (انتهى كلامه)

(1) لا إشكال في جواز أَخْذ الأجرة على كتابة العلوم المباحة؛ لأنَّه عمل محترم عند العقلاء والشَّرع، ويُبْذل بإزائه المال، فتشمله إطلاقات أدلَّة الإجارة.

أضف إلى ذلك: أنَّه مقتضى الأصل، وكذا الحال بالنسبة لكتابة القرآن المجيد.

مضافاً إلى الرِّوايات الخاصَّة الواردة في المقام، والتي منها رواية عليِّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) «قَاْل: سَأَلْتُه عَنِ الرَّجلِ يَكْتُبُ المِصْحَفَ بالأَجْرِ، قَاْل: لَاْ بَأَسَ»[1]f176.

ومنها: روايته الأخرى عن أخيه «قَاْل: وسَأَلْتُه عَنِ الرَّجلِ، هَلْ يَصْلُحُ لَهُ أنْ يكتبَ المصحفَ بالأَجْر؟ قَاْل: لَاْ بَأْسَ»[2]f177، ولكنَّهما ضعيفتان بعبد الله بن الحسن، فإنَّه مهمل، وقد رواهما ابن إدريس (رحمه الله) في آخر السَّرائر، نقلاً عن جامع البزنطي صاحب الرِّضا (عليه السلام)، ولكنَّهما أيضاً ضعيفتان بالإرسال؛ لعدم ذكر ابن إدريس (رحمه الله) طريقه إلى جامع البزنطي.

وقد يستدلُّ على كراهة الأجرة على كتابة القرآن المجيد بروايتين:

الأولى: موثقة روح بن عبد الرَّحيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ شِرَاءِ الْمَصَاحِفِ وَبَيْعِهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ يُوضَعُ الْوَرَقُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَكَانَ مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْحَائِطِ قَدْرَ مَا تَمُرُّ الشَّاةُ، أَوْ رَجُلٌ مُنْحَرِفٌ، قَالَ: فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي، فَيَكْتُبُ مِنْ ذلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُمُ اشْتَرَوْا بَعْدَ ذلِكَ، قُلْتُ: فَمَا تَرى فِي ذلِكَ؟ قَالَ لِي: أَشْتَرِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَبِيعَهُ، قُلْتُ: فَمَا تَرى أَنْ أُعْطِيَ عَلى كِتَابَتِهِ أَجْراً؟ قَالَ: لَا بَأْسَ، وَلكِنْ هكَذَا كَانُوا يَصْنَعُونَ»[3]f178.

وفيه: أنّها لا تدلُّ على كراهة أَخْذ الأُجْرة على الكتابة؛ لأنَّ المراد بقوله (عليه السلام): «وَلكِنْ هكَذَا كَانُوا يَصْنَعُونَ»: يوضع الورق عند المنبر ويكتبون، فهذا هو المتعارف عندهم، ولم يكن المتعارف أخذ الأجرة على الكتابة، وهذا لا يفهم منه الكراهة.

الثَّانية: رواية عبد الرَّحمان بن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَالَ: إِنَّ أُمَّ عَبْدِ الله بْنِ الْحَارِثِ أَرَادَتْ أَنْ تَكْتُبَ مُصْحَفاً، وَاشْتَرَتْ وَرَقاً مِنْ عِنْدِهَا، وَدَعَتْ رَجُلاً فَكَتَبَ لَهَا عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ، فَأَعْطَتْهُ حِينَ فَرَغَ خَمْسِينَ دِينَاراً، وَإِنَّهُ لَمْ تُبَعِ الْمَصَاحِفُ إِلاَّ حَدِيثاً»[4]f179، ولكن اقتصر الاستدلال بها على كراهة أخذ الأجرة مع الشرط لا بدونه، فهو المستفاد من قوله: «فكَتَبَ لَهَا عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ».

ولكن مع قطع النَّظر عن صحَّة هذه الاستفادة، إلاَّ أنَّ الرِّواية ضعيفة بجهالة القاسم بن محمَّد.

وعليه، فالأقوى: عدم الكراهة حتى مَعَ الشَّرط، والله العالم.

قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويكره كتابته بالذَّهب وتعشيره به؛ لرواية محمد الورَّاق، قال الصَّادق (عليه السلام): «لا يعجبني أن يكتب إلَّا بالسَّواد». ولا يحرم ذلك على الأقوى. (انتهى كلامه)

(1) تعشير المصحف بالذَّهب عبارة عن وضع علامة بالذَّهب عند كلِّ عشر آيات.

ويدلُّ على كراهة التَّعشير بالذَّهب موثَّقة سماعة «قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ يُعَشِّرُ الْمَصَاحِفَ بِالذَّهَبِ، فَقَالَ: لَا يَصْلُحُ، فَقَالَ: إِنَّهَا مَعِيشَتِي! فَقَالَ: إِنَّكَ إِنْ تَرَكْتَهُ ﷲ جَعَلَ الله لَكَ مَخْرَجاً»[5]f180، وقد عرفت أنَّ مضمرات سماعة مقبولة.

هذا، وقد ذهب بعض الأعلام إلى حرمته، كالمحقِّق (رحمه الله) في مختصر النَّافع.

ولكنَّ الإنصاف: هو عدم الحرمة؛ لأنَّ قوله (عليه السلام): «لَاْ يَصْلحُ»، لا يدلُّ على الحرمة، بل هو ظاهر في الكراهة.

وعليه، فمقتضى الأصل عدم الحرمة.

ويدلُّ على كراهة كتابته بالذَّهب رواية محمد الوراق «قَالَ: عَرَضْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) كِتَاباً، فِيهِ قُرْآنٌ مُخَتَّمٌ مُعَشَّرٌ بِالذَّهَبِ، وَكُتِبَ فِي آخِره سورة بِالذَّهَبِ، فَأَرَيْتُهُ إِيَّاهُ، فَلَمْ يَعِبْ مِنْهُ شَيْئاً إِلاَّ كِتَابَةَ الْقُرْآنِ بِالذَّهَبِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُكْتَبَ الْقُرْآنُ إِلاَّ بِالسَّوَادِ كَمَا كُتِبَ أَوَّلَ مَرَّةٍ»[6]f181.

ويظهر من هذه الرِّواية أنَّه لا كراهة في تعشير القرآن، كما لا كراهة في كونه مختَّماً بالذهب، أي كتب آخر سورة منه بالذَّهب، وإنَّما الكراهة فقط في كتابته بالذَّهب.

ولكنَّ الذي يهوِّن الخطب: أنَّ الرِّواية ضعيفة؛ لجهالة محمَّد بن الورَّاق.



[1] الوسائل باب 31 من أبواب ما يكتسب به ح12.

[2] الوسائل باب 31 من أبواب ما يكتسب به ح13.

[3] الوسائل باب 31 من أبواب ما يكتسب به ح4.

[4] الوسائل باب 31 من أبواب ما يكتسب به ح10.

[5] الوسائل باب 32 من أبواب ما يكتسب به ح1.

[6] الوسائل باب 32 من أبواب ما يكتسب به ح2.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=3711
  • تاريخ إضافة الموضوع : الإثنين: 05-04-2021
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12