• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : المكاسب المحرّمة .
              • القسم الفرعي : التكسب الحرام وأقسامه / المكاسب (أرشيف صوتي) .
                    • الموضوع : الدرس 158_التكسّب الحرام وأقسامه (153). مسائل: الثانية: في جواز بيع المشتركات قبل الحيازة .

الدرس 158_التكسّب الحرام وأقسامه (153). مسائل: الثانية: في جواز بيع المشتركات قبل الحيازة

 

الدرس 158 / الخميس: 25-آذار-2021

وأمَّا بالنسبة للقول الآخر الذي ذهب إليه السَّيِّد الخوئي (رحمه الله)، فقد قال: أن «الإحياء يورث الأحقيَّة دون الملكية، وذلك للروايات الدَّالَّة على وجوب إخراج الخراج على غير الشِّيعي، وتحليله للشِّيعة، والملك لا يجتمع مع وجوب إخراج الخراج، وحرمة التَّصرُّف في الأرض دون تأدية الخراج، فعليه تكون كلمة (اللام) في قولهم S: (فهي لهم) أو (هو لهم)، بمعنى الاختصاص، يعني لا يجوز لأحد أن يزاحمه فيما أحياها من الأرض.».

­ ثمَّ قال ­: «ويدلُّنا على ذلك أيضاً أمران: أحدهما الرِّوايات الصَّحيحة الواردة في عدم جواز تعطيل الأرض لِمَنْ أحياها، ولو عطَّلها يجوز لغيره الغرس وإجراء الأنهار.

­ إلى أن قال ­: بداهة أنَّه لو كان الإحياء مُوجِباً لكون الأرض مُلْكاً لِمُحييها، كيف يكون للغير أنْ يتصرَّف في مُلْك المحيي بلا إذن منه.

­ ثمَّ قال ­: الأمر الثَّاني: ما في رواية عمر بن يزيد: فإذا ظهر القائم = «فَلْيُوطّن نفسه على أنْ تُؤخَذ منه» بداهة أنه لو فرضنا أنّ الإحياء يورث الملكية كيف يكون للإمام (عليه السلام) أخذ الأرض منهم واخراجهم منها صغرة، كما في ذيل رواية مسمع بن عبد الملك وقوله (عليه السلام) في آخر رواية الكابلي (حتى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها)». انتهى موضع الشاهد من كلامه.

أقول: اِعلم أنَّه يظهر من جميع الأعلام قديماً وحديثاً أنَّ الأرض تُمْلك بالإحياء، مَعَ توافر الشَّرائط المقرَّرة للإحياء، بحيث لم يخالف أحد في ذلك، حتَّى العامَّة لم ينسب الخلاف في ذلك إليهم.

وبالجملة، فهذا لا خلاف فيه بينهم.

نعم، إذا ماتتِ الأرض بعد أن كانت معمورةً في يد مالكها، وعلم أنَّ مُلْكه لها كان بالإحياء، وهو أو وارثه معلوم، فالمعروف بين الأعلام أنَّها باقية على مُلْكه أو مُلْك وارثه، بل قيل: إنَّه لم يعرف الخلاف في ذلك قبل العلاَّمة (رحمه الله) في التَّذكرة، فإنَّه حكى عن مالك مُلْك المحيي الثَّاني، ثمَّ قال: «لا بأس بهذا القول عندي...».

وعليه، فالخلاف من بعضهم إنَّما هو في أنَّ المحيي الثَّاني يملكها أم لا؟ ولم يقع خلاف بينهم في أنَّ المحيي الأوَّل يملكها أو له حقُّ الأولويَّة فقط.

وحكي عن جماعة من الأعلام ممَّنْ تأخَّر عَنِ العلاَّمة (رحمه الله) موافقته على أنَّ المحيي الثَّاني يملكها، بل عن جامع المقاصد أنَّ هذا القول مشهور بين الأصحاب.

أقول: قدِ استدلَّ لهذا القول ­ أي أنَّ المحيي الثَّاني يملكها ­ بما سيأتي الكلام عنه ­ إن شاء الله تعالى ­ في المسألة الثَّالثة.

والآن نعود إلى ما ذكره السَّيِّد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله)، وقد عرفت أنَّه استدلَّ بثلاثة أدلَّة:

الأوَّل: بوجوب إخراج الخراج على غير الشِّيعي، والمُلك لا يجتمع مع وجوب الإخراج.

الثَّاني: أنَّه لو عطَّلها مَنْ أحياها، فيجوز لغيره إحياؤها، ولو كان الإحياء موجباً لكون الأرض مُلْكاً له، فكيف يجوز للغير أن يتصرَّف فيها بدون إذنه؟

الثَّالث: ما دلَّ مِنَ الرِّوايات على أنَّ الإمام (عليه السلام) يأخذ الأرض منهم، ويخرجهم منها، فلو كان الإحياء موجباً للمُلْك، فكيف يخرجهم الإمام (عليه السلام) منها؟!

والجواب عن هذه الأدلَّة: هو أنَّه بعد أنْ عرفت أنَّ جميع الأعلام ذهب إلى الملكيَّة بالإحياء للروايات المتقدِّمة، بحيث لم يخالف أحد على الإطلاق، فلا بدَّ مِنَ العمل على طبق الملكيَّة، وما ورد مِنَ الرِّوايات المخالفة لذلك، كما في الأمور الثَّلاثة التي ذكرها السَّيِّد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله)، فلا بدَّ من ردِّ علمها إلى أهلها S، وهم أدرى بها.

ومنها: صحيحة أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (عليه السلام) «قَالَ: وَجَدْنَا فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (عليه السلام): « إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين ]الأعراف: 128[، أَنَا وَأَهْلُ بَيْتِيَ الَّذِينَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ، وَنَحْنُ الْمُتَّقُونَ، وَالْأَرْضُ كُلُّهَا لَنَا؛ فَمَنْ أَحْيَا أَرْضاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلْيَعْمُرْهَا وَلْيُؤَدِّ خَرَاجَهَا إِلَى الْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وَلَهُ مَا أَكَلَ مِنْهَا؛ فَإِنْ تَرَكَهَا و(أَوْ) أَخْرَبَهَا، فَأَخَذَهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِهِ، فَعَمَرَهَا وَأَحْيَاهَا، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنَ الَّذِي تَرَكَهَا، فَلْيُؤَدِّ خَرَاجَهَا إِلَى الْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وَلَهُ مَا أَكَلَ منها حَتّى يَظْهَرَ الْقَائِمُ (عليه السلام) مِنْ أَهْلِ بَيْتِي بِالسَّيْفِ، فَيَحْوِيَهَا وَيَمْنَعَهَا وَيُخْرِجَهُمْ مِنْهَا، كَمَا حَوَاهَا رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله)، وَمَنَعَهَا، إِلاَّ مَا كَانَ فِي أَيْدِي شِيعَتِنَا، فَإِنَّهُ يُقَاطِعُهُمْ عَلى مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَيَتْرُكُ الْأَرْضَ فِي أَيْدِيهِمْ»[1]f152.

وبالجملة، فإنَّ هذه الصحيحة وغيرها ممَّا هو بمضمونها يردُّ علمه إلى أهله S، لمخالفته الأصول والقواعد المعمول بها في المذهب، والله العالم والهادي.

الأمر الثاَّلث: المعروف بين الأعلام أنَّه يعتبر في المحيي أن يكون مسلماً، فلا يملك الكافر بالإحياء، وظاهر التَّذكرة الإجماع عليه، قال فيها: «إذا أذن الإمام لشخصٍ في إحياء الأرض الموات، ملكها المحيي، إذا كان مسلماً، ولا يملكها الكافر بالإحياء، ولا بإذن الإمام ((عليه السلام) له) في الاحياء، فإنْ أذن (له) الامام فأحياها لم يملك عند علمائنا...».

وفي جامع المقاصد: «يشترط كون المحيي مسلماً، فلو أحياه الكافر لم يملك عند علمائنا، وإنْ كان الإحياء بإذن الإمام (عليه السلام)...».

ولكن قال المصنف (رحمه الله) هنا ­ أي في كتاب الدروس في باب إحياء الموات ­: «وثانيها: أنْ يكون المحيي مسلماً، فلو أحياها الذِّمِّي بإذن الإمام ففي تملُّكه نظر، مِنْ توهُّم اختصاص ذلك بالمسلمين، والنَّظر في الحقيقة في صحَّة إذن الإمام له في الإحياء للتَّملُّك، إذ لو أذن لذلك لم يكن بدّ مِنَ القول بملكه، وإليه ذهب الشَّيخ نجم الدِّين (رحمه الله)».

أقول: قد يستدلُّ للمشهور القائل بالاختصاص بالمسلم بجملة مِنَ الرِّوايات:

منها: النَّبويّ «مَوَتانُ الأرْضِ ﷲ ورَسُولِه، مَنْ أَحَيَا شَيْئاً فَهُوَ لَهُ»[2]f153.

ومنها: النَّبويّ الآخر «عاديُّ الأرض ﷲ ولرسوله، ثمَّ هي لكم منِّي، فمَنْ أحيا مواتاً فَهِيَ لَهُ»[3]f154، والمراد بالعاديّ القديم الظَّاهر في الأرض الميتة.

وفيهما أوَّلاً: أنَّهما روايتان ضعيفتان بالإرسال، بل لم يردا من طرقنا؛ إذ أصلهما مِنَ العامَّة.

وثانياً: أنَّ النَّبويَّ الثَّاني يدلُّ على كون موتان الأرض للمسلمين حتَّى قبل الإحياء؛ لقوله (صلّى الله عليه وآله): «ثمَّ هي لكم منِّي».

ومنها: ما في صحيحة أبي خالد الكابلي المتقدِّمة، حيث ورد فيها «فَمَنْ أَحَيى أَرْضاً مِنَ المسلمينَ، فَلْيَعْمُرْهَا»[4]f155.

وفيه ­ مع قطع النَّظر عمَّا ذكرناه من ردِّ علمها إلى أهلها S ­: أنَّها لا تدلُّ على عدم تملُّك غير المسلمين بالإحياء إلا بمفهوم الوصف، وقد عرفت في محلِّه أنَّ الوصف لا مفهوم له.

ومن هنا كان الإنصاف ­ وفاقاً لجماعة من الأعلام ­: أنَّ التَّملُّك لا يختصُّ بالمسلم، فلو أحياها الكافر مَعَ الشَّرائط لتملّكها.

ويدلُّ على ذلك بعض الرِّوايات:

منها: صحيحة محمَّد بن مسلم «قَالَ: سَأَلْتُه عَنِ الشِّرَاءِ مِنْ أَرْضِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، قَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ­ إلى أن قال: ­ وَأَيُّمَا قَوْمٍ أَحْيَوْا شَيْئاً مِنَ الْأَرْضِ، أو عملوه (وَعَمِلُوهَا)، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا، وَهِيَ لَهُمْ»[5]f156.

ومنها: صحيحة أبي بصير «قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله S عَنْ شِرَاءِ الْأَرَضِينَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يشتريها (يُشْتَرَى) مِنْهُمْ، إِذَا عَمِلُوهَا وَأَحْيَوْهَا فَهِيَ لَهُمْ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله) حِينَ ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ، وَفِيهَا الْيَهُودُ، خَارَجَهُمْ عَلَى أَمْرٍ، وَتَرَكَ (على أن يترك) الْأَرْضَ فِي أَيْدِيهِمْ يَعْمَلُونَهَا وَيَعْمُرُونَهَا»[6]f157، وهما صريحتان في كون الكافر يملك بالإحياء.

ويدلُّ على ذلك أيضاً: ما يملكه المسلمون ممَّا يفتحونه عنوةً مِنَ العامر في أيدي الكفَّار، وإن كانوا قد ملكوه بالإحياء، ولو كان إحياؤهم لا يوجب المُلْك لوجب أن يكون ما يفتحونه مُلْكاً للإمام (عليه السلام)، ولا يُظنُّ بأحد الالتزام بذلك.

والخلاصة إلى هنا: أنَّه لا فرق في المُحِيي بين أنْ يكون مسلماً أو كافراً، والله العالم والهادي.

ثمَّ إنَّه بقي جملة مِنَ شرائط التملّك بالإحياء، منها إذن الإمام (عليه السلام)، وغير ذلك ممَّا يأتي الكلام عنها ­ إن شاء الله تعالى ­ في كتاب إحياء الموات، وما ذكرناه هنا إنَّما اقتضته مناسبة المقام.



[1] الوسائل باب 3 من أبواب إحياء الموات ح2.

[2] المستدرك باب 1 من أبواب إحياء الموات ح2.

[3] المستدرك باب 1 من أبواب إحياء الموات ح5.

[4] الوسائل باب 3 من أبواب إحياء الموات ح2.

[5] الوسائل باب 1 من أبواب إحياء الموات ح1.

[6] الوسائل باب 4 من أبواب إحياء الموات ح1.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=3706
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 25-03-2021
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12