• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : المكاسب المحرّمة .
              • القسم الفرعي : التكسب الحرام وأقسامه / المكاسب (أرشيف صوتي) .
                    • الموضوع : الدرس 153_التكسّب الحرام وأقسامه (148). سادسها: ما يجب على المكلّف فعله .

الدرس 153_التكسّب الحرام وأقسامه (148). سادسها: ما يجب على المكلّف فعله

 

الدرس 153 / الأربعاء: 03-آذار-2021

ولعلَّه لِمَا ذهب إليه ابن إدريس (رحمه الله)، قال المصنِّف (رحمه الله) والعلاَّمة في جملة مِنْ كتبه، أنَّه لا يجوز له ذلك، بل ذهب المشهور إلى عدم الجواز، وهذا هو مقتضى الإنصاف؛ لأنَّ الفرض أنَّ هذا المتولِّي غير فقيه شرعيٍّ، كما أنَّه ليس مضطرّاً حسب الفرض، وقد عرفت أنَّه لا يجوز لغير الفقيه إقامتها؛ لأنَّ القدر المتيقَّن مِنَ المخاطب بإقامتها هو الفقيه الجامع للشَّرائط.

وأمَّا الرِّواية المشار إليها في النِّهاية، فهي ضعيفة بالإرسال، ويزيدها وَهْناً إعراض جلِّ الأعلام عنها، إن لم يكن كلُّهم.

نعم، لو اضطرَّه السُّلطان إلى إقامة الحدِّ، جاز حينئذٍ إجابته للتَّقيَّة، ما لم يكن قتلاً ظُلْماً، فإنَّه لا تقيَّة في الدِّماء، والله العالم والهادي.

الأمر الخامس: المعروف بين الأعلام أنَّه كما تباح بالإكراه نفس الولاية المحرَّمة، كذلك يباح به ما يلزمها مِنَ المحرَّمات الأُخَر، ممَّا يصدر الأمر به مِنَ السُّلطان الجائر، عدا إراقة الدِّماء، كما سيأتي ­ إن شاء الله تعالى ­.

وبالجملة، فإنَّ هذا لا الإشكال فيه بين الأعلام قديماً وحديثاً، وإنَّما الكلام بينهم في شمول الإباحة بالإكراه لما يرجع إلى الإضرار بالغير من نهب الأموال وهَتْك الأعراض، وغير ذلك من العظائم، ولو كان الضَّرر المتوعَّد به على تَرْك المُكرَه عليه أقلَّ بمراتب مِنَ الضَّرر المُكرَه عليه، كما إذا خاف على عِرْضه من كلمة خشنة لا تليق به، فهل تباح بذلك أعراض النَّاس وأموالهم، ولو بلغت ما بلغت كثرةً وعظمةً؟

هناك ثلاثة أقوال في المسألة:

الأوَّل: ما ذهب إليه صاحب الجواهر والشيخ الأنصاري w ومَنْ وافقهما مِنَ الأعلام، وهو ارتفاع حرمة الإضرار بالغير بالإكراه مطلقاً، ولو كان الضَّرر المتوعَّد به على ترك المُكرَه عليه أقلَّ بمراتب مِنَ الضَّرر المُكرَه عليه.

الثَّاني: ما يظهر من جماعة كثيرة من الأعلام، وهو التَّفصيل بين ما إذا كان الضَّرر الذي تُوعِّد به أعظم أو مساوياً، فترتفع حرمة الإضرار بالغير، وبين ما إذا كان أقلَّ، فلا ترتفع الحرمة.

الثَّالث: ما عَنِ السَّيِّد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله)، ومَنْ وافقه من تلامذته الأحياء منهم والأموات، وهو التَّفصيل بين ما إذا كان الضَّرر الذي توعَّده المُكرِه ­ بالكسر ­ أمراً مُباحاً في نفسه، كما إذا أكرهه الجائر على نَهْبِ مال غيره، وجَلْبِه إليه، وإلاَّ فيدفع من مال نفسه، فلا ترتفع الحرمة، وبين ما إذا كان ذلك الضَّرر أمراً محرَّماً في نفسه، كما إذا أكرهه الجائر على أن يُلجِئ شخصاً إلى فِعْلٍ محرَّم، كالزِّنا، وإلاَّ أجبره على ارتكابه بنفسه، فهنا تقع المزاحمة ويرجع إلى قواعد باب التَّزاحم.

ولمعرفة مقتضى الإنصاف في المقام، لا بدَّ من ذِكْر أدلَّة الأقوال في المسألة:

أمَّا القول الأوَّل: فقدِ استدلَّ الشَّيخ الأنصاري (رحمه الله) له بجملة مِنَ الأدلَّة نذكر أهمَّها:

منها: دليل نفي الإكراه، فإنَّه بعمومه يشمل جميع المحرَّمات حتَّى الإضرار بالغير ما لم يبلغ الدَّم.

ومنها: عموم نفي الحرج، فإنَّ إلزام الغير تحمُّلَ الضَّرر وتَرْك ما أُكْرِه عليه حرج.

ويرد على هذين الدَّليلَيْن أنَّ دليل نفي الإكراه، وكذا دليل نفي الحرج، هما مِنَ الأدلَّة الامتنانيَّة، أي أنَّها مسوقة للامتنان على جنس الأمَّة، كما ذكرنا ذلك مفصَّلاً في علم الأصول.

ومِنَ المعلوم أنَّ دَفْع الضَّرر المتوجِّه إلى أحد بالإضرار بغيره خلاف الامتنان على الأمَّة الإسلاميَّة.

وبالجملة، فلا حُسْن بالامتنان على بعضهم بترخيصه في الإضرار بالبعض الآخر.

والخلاصة: أنَّ هذين الدَّليلَيْن ليسا تامَّيْن.

ومنها: الرِّوايات الدَّالَّة على أنَّه إنَّما جُعِلت التَّقيَّة ليُحْقَن بها الدِّماء، فإذا بلغ الدَّم، فلا تقيَّة، حيث إنَّها دلَّت على أنَّ حدَّ التَّقية بلوغ الدَّم.

وعليه، فتشرع لما عداه، ففي صحيحة محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «إنَّما جُعِلتِ التَّقيَّة لِيُحْقَنَ بها الدَّمُ، فإِذَا بَلَغَ الدَّمَ فَلَيْسَ تَقيَّةٌ»[1]f130.

وفي موثَّقة أبي حمزة الثُّمالي «قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله S: لَنْ (لم) تَبْقَى الْأَرْضُ إِلاَّ وَفِيهَا مِنَّا عَالِمٌ يَعْرِفُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَتِ التَّقِيَّةُ لِيُحْقَنَ بِهَا الدَّمُ، فَإِذَا بَلَغَتِ التَّقِيَّةُ الدَّمَ فَلَا تَقِيَّةَ...»[2]f131، وكذا غيرها.

والإنصاف: أنَّ هذا الدَّليل قويٌّ.

وتوضيحه: أنَّه مِنَ المعلوم أنَّ التَّقيَّة شُرِّعت لحِفْظ النَّفس والعِرْض والمال، ونحو ذلك ممَّا يضطرُّ إليه الإنسان.

وعليه، فإذا أمره السُّلطان الجائر بظُلْم شخص وتوعَّده على تَرْك ذلك، بحيث لو تخلَّف عن أَمْره لحصل له الضَّرر الذي لا يتحمَّل، فيجوز له العمل بما يأمره تقيَّةً، وتبقى التَّقيَّة جائزة، حتَّى تبلغ الدَّم.

ومعنى ذلك أنَّها مشروعة فيما عدا الدَّم، فتشمل حينئذٍ إضرار الغير في نفسه وعرضه وماله دفعاً للضَّرر اليسير في نفسه أو عرضه أو ماله.

ومن هنا يتضح لك أنَّ ما ذكره السَّيِّد أبو القاسم (رحمه الله) ليس تامّاً، حيث قال: «أنَّ الظَّاهر من هذه الأخبار أنَّ التَّقيَّة إنَّما شُرِّعت لحِفْظ بعض الجهات المهمَّة، كالنُّفوس وما أشبهها، فإذا أدَّت إلى إتلاف ما شُرِّعت لأجله فلا تقيَّة، لأنَّ ما يلزم من وجوده عدمه فهو محال ­ إلى أن قال: ­ والغرض من تشريع التَّقيَّة قد يكون حِفْظ النَّفس، وقد يكون حِفْظ العِرْض، وقد يكون حِفْظ المال ونحوه، وحينئذٍ فلا يشرع بها هَتْك الأعراض ونَهْب الأموال؛ لانتهاء آمادها بالوصول إلى هذه المراتب...».

وفيه أوَّلاً: أنَّ الغرض مِنَ التَّقيَّة ليس حِفْظ نفوس النَّاس وأعراضهم وأموالهم حتَّى يلزم من ذلك المحذور المتقدِّم، بل المراد حِفْظ نفس المبتلى بالتَّقيَّة وعِرْضه وماله.

نعم، سوف يأتي ­ إن شاء الله تعالى ­ أنَّه لا تقيَّة في الدِّماء.

وثانياً: أنَّه يلزم على ما ذَكَره أنَّه لا يشرع بالتَّقيَّة هَتْك عِرْض الغير، ونَهْب ماله، مع أنَّه لا إشكال في جواز ذلك تقيةً.

وأمَّا القول الثَّاني: فقد يستدلُّ له بأنَّ المستفاد من أدلَّة الإكراه هو تشريعه لدَفْع الضَّرر، فلا يجوز دَفْعُ الضَّرر بالإضرار بالغير، ولو كان ضرر الغير أدون، فضلاً عن أن يكون أعظم.

وبعبارة أخرى: أنَّ حديث رَفْعِ الإكراه ورَفْعِ الاضطرار مسوق للامتنان على جِنْس الأمَّة، ولا حُسْن في الامتنان على بعضهم بترخيصه في الإضرار بالبعض الآخر، فإذا توقَّف دَفْع الضَّرر عن نفسه على الإضرار بالغير لم يجز، ووجب تحمُّل الضَّرر.

وفيه أوَّلا: ما ذكرنا، من أنَّ الدَّليل على جواز الإضرار بالغير في حال الإكراه هو أدلَّة التَّقيَّة، وليس حديث رفع الإكراه، حتَّى يقال: إنَّه حديث امتناني، والتَّرخيص بالإضرار بالغير هو على خلاف الامتنان.

وثانياً: قد يقال: بأنَّ الضَّرر في موارد الإكراه متوجِّه أوَّلاً وبالذَّات إلى الغير بحسب إلزام المكرِه ­ بالكسر ­ وإرادته الحتميَّة.

وأما المكرَه ­ بالفتح ­: فهو، وإن كان مباشراً، إلاَّ أنَّه ضعيف، لا يُنسَب إليه توجيه الضَّرر إلى الغير، حتَّى يقال: إنَّه أضرَّ بالغير لئلاَّ يتضرَّر بنفسه.

وعليه، فالامتنان بهذا على بعض الأمَّة لا قُبْح فيه، فيشمله حديث رفع الإكراه، بعد أنْ كان على وِفْق الامتنان، لا على خلافه.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ هذا الجواب لا يخفى ما فيه؛ لأنَّ الإكراه لا يوجب سَلْب اختيار المكرَه ­ بالفتح ­ وصيروته كالآلة، بل هو لا زال مختاراً في الفعل، وفِعْله يكون بمنزلة الجُزْء الأخير مِنَ العلَّة.

وعليه، فهو مضرُّ بالغير اختياراً، فدَفْع الضَّرر عن نفسه بالإضرار بالغير يكون على خلاف الامتنان، فلا يشمله حديث الرَّفع.

والخلاصة: أنَّ ما ذكرناه أوَّلاً هو الصَّحيح.

والنَّتيجة إلى هنا: أنَّ القول الثَّاني ليس تامّاً.

وأمَّا القول الثَّالث: الذي ذهب إليه السَّيِّد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله)، وبعض الأعلام من تلامذته، فلا دليل عليه، بلِ اتَّضح عدم صحَّته ممَّا ذكرناه، والله العالم.



[1] الوسائل باب 31 من أبواب الأمر والنَّهي ح1.

[2] الوسائل باب 31 من أبواب الأمر والنَّهي ح2.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=3701
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 03-03-2021
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12