• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : المكاسب المحرّمة .
              • القسم الفرعي : التكسب الحرام وأقسامه / المكاسب (أرشيف صوتي) .
                    • الموضوع : الدرس 141_التكسّب الحرام وأقسامه (136). سادسها: ما يجب على المكلّف فعله .

الدرس 141_التكسّب الحرام وأقسامه (136). سادسها: ما يجب على المكلّف فعله

 

الدرس 141 / الأربعاء: 10-شباط-2021

 

وأمَّا حكم الرُّشا في الأحكام وضعاً، قال النَّراقي في مستنده: «يجب على المرتشي ردُّها على الرَّاشي ­ إن بَذْلها برضى نفسه ­ مع بقاء عينها إجماعاً، والوجه فيه ظاهر، ويجب عليه ردُّ عِوَضها مع تلفها أيضاً ­ وإن لم يكن التَّلف بتفريطه ­ وجوبا فوريّاً، على المصرَّح به في كلام الأصحاب، بل نفى الخلاف بيننا عنه، وعن ظاهر المسالك وغيره: إجماعنا عليه...».

وفي الجواهر: «وكيف كان، فلا خلاف ولا إشكال في بقاء الرِّشوة على مُلْك المالك، كما هو مقتضى قوله: إنَّها سُحْت، وغيره مِنَ النُّصوص الدَّالَّة على ذلك، وأنَّ حُكْمها حُكْم غيرها ممَّا كان من هذا القبيل، نعم قد يشكل الرُّجوع بها مع تلفها، وعلم الدَّافع بالحرمة باعتبار تسليطه، والتَّحقيق فيه ما مرَّ في نظائره».

والإنصاف: هو أنَّ كلَّ ما حُكِم بحرمة أَخْذه وجب على الآخذ ردُّه وردُّ بدله مَعَ التَّلف إذا قصد مقابلته بالحكم بالأجرة، والجعل، حيث حكم بتحريمها، كما ذكرنا سابقاً، وكذا الرِّشوة؛ لأنَّها وقعت في مقابل الحكم، فتكون إجارةً فاسدةً أو جُعْلاً على الباطل، ولذا فَسَّر في القاموس الرشوة بالجُعْل.

وعليه، فيحكم على الآخذ بالضَّمان؛ لكونه من صغريات القاعدة المعروفة عند الأعلام، وهي أنَّ ما يُضْمن بصحيحه يُضْمن بفاسده، هذه القاعدة المتصيدة مِنَ الرِّوايات الواردة في موارد الضَّمان، وسيأتي تحقيقها ­ إن شاء الله تعالى ­ في مبحث البَيْع.

وهنا الرشوة، إمَّا حقيقتها إجارة فاسدة أو جُعْلاً فاسداً، وكلٌّ منهما يضمن بصحيحهما، فيضمن بفاسدهما.

وأمَّا احتمال كون المالك ­ أي الراشي ­ سلَّط المرتشي على العين ­ أي الرِّشوة ­ مجاناً؛ لعلم الدَّافع بالحرمة، فلا يضمن حينئذٍ.

ففيه: أنَّ هذا الاحتمال في غير محلِّه؛ لأنَّ التَّسليط ليس مجانيّاً، بل هو في مقابل الحكم للباذل.

وأما حكم المعاملة المحاباتيَّة مَعَ القاضي، كما لو باع للقاضي ما يساوي عشرة دراهم بدرهم، ليحكم له في الدعوى، وقد ذكرنا أنَّ هذا النَّاقص من الثمن مِنَ الرُّشا المحرَّم، وهل تفسد المعاملة فيبقى المال على ملك الراشي، ويكون المرتشي ضامناً أم لا؟

قال الشَّيخ الأنصاري: «وفي فساد المعاملة المحابى فيها وجهٌ قويٌّ...»، وفي الجواهر: «ثمَّ إنَّ المتَّجه ­ بناءً على أنَّ مِنْ أفرادها عقود المحاباة مثلاً ­ بطلان العقد الذي قد وقع على جهة الرَّشوة؛ لما عرفت مِنَ النُّصوص الدَّالَّة على بقاء المال على مُلْك الرَّاشي بأيِّ طريقٍ كان، بعد فرض اندراجه في الرِّشوة، فتأمَّل جيِّداً، والله أعلم».

أقول: ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله)، من بقاء المال على مُلْك الرَّاشي بأيِّ طريق كان، إنَّما يتمُّ لو لم يكن هناك عقد صحيح، والفرض أنَّ العقد صحيح؛ إذ غاية ما هنالك أنَّ المالك اشترط شرطاً ضمناً أنْ يحكم له القاضي، وهذا الشَّرط، وإن كان فاسداً، إلاَّ أنَّ فساد الشَّرط لا يسري إلى المعاملة، كما سيأتي ­ إن شاء الله تعالى ­ في مبحث البَيْع، وسنذكر أيضاً ­ إن شاء الله تعالى ­ أنَّ الشُّروط بشكل عامٍّ لا تُقَابل بجُزْءٍ مِنَ الثَّمن، فلا يقسَّط الثَّمن عليها، وعلى المباع.

ونتيجة ما ذكرناه: أنَّه لا مُوجِب للضَّمان، وإن كانت هذه المعاملة محرَّمةً تكليفاً؛ باعتبار أنَّ النَّاقص مِنَ الثَّمن مِنَ الرُّشا المحرَّم.

الأمر الخامس: هل تحرم الرِّشوة في غير الأحكام؟

قد يقال: بحرمة الرِّشوة مطلقاً، سواء أكانت في الأحكام أم لا؛ وذلك لإطلاق بعض الرِّوايات المتقدِّمة.

وفيه: أنَّ أغلب الرِّوايات المتقدِّمة دلَّت على حرمة الرِّشوة في الحكم، وأمَّا ما دلَّ على حرمتها من غير تقييد بالحكم فهو قليل، وضعيف السَّند؛ هذا أوَّلاً.

وثانياً: دلَّت بعض الرِّوايات على جواز الرِّشوة في غير الأحكام:

منها: صحيحة محمَّد بن مسلم المتقدِّمة «قال: سَأَلْتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَرْشُو الرَّجلَ الرشوة عَلَى أنْ يتحوَّل مِنْ مَنْزِله فيَسْكُنُه، قَاْل: لَاْ بَأَسَ»[1]f86؛ إذِ الظَّاهر من هذه الصَّحيحة كون المراد منها ­ كما في الوسائل ­ أنَّ المنزل مِنَ الأوقاف، ونحوها، ممَّا يختصُّ بمَنْ سبق إليه، وعليه فيرشي السَّاكن فيها على أنْ يخرج منها ليسكنه هو.

ومنها: موثَّقة حكم بن حكيم الصَّيرفي «قَاْل: سَمِعْتُ أبا الحسن (عليه السلام) وَسَأَله حَفْصُ الأعور، فقال: إنَّ (عمَّال) السُّلطانَ يَشْتَرُونَ منَّا القِرَب والأدَاوَى فيُوكِلُوْنَ الوكيلَ حتَّى يَسْتوفيَه منَّا، فنَرْشُوه حتَّى لَاْ يَظْلِمَنا، فَقَاْل: لَاْ بأس مَاْ تُصْلِحُ بِهِ مَاْلكَ، ثمَّ سَكَتَ ساعةً، ثمَّ قَاْل: إِذَا أنْتَ رَشَوْتَه يَأْخُذ أقلَّ مِنَ الشَّرْطِ؟ قلْتُ: نَعَمْ، قَاْل: فَسَدتْ رَشْوَتُك»[2]f87، والقِرَب ­ بكسر القاف ­: جمع القِرْبة، وهي ما يُسْتقى به الماء، وأداوي جمع الإداوة، وهي إناء صغير من جلد.

ثمَّ إنَّ الرِّواية موثَّقة؛ لأنَّ إسماعيل بن أبي سمَّاك (سمَّال) الوارد في السَّند وثَّقه النَّجاشي في ترجمة أخيه إبراهيم، قال النَّجاشي: «إبراهيم بن أبي بكر محمَّد بن الربيع، يكنى بأبي بكر، ابن أبي السمَّال...ثِقَةُ هو وأخوه إسماعيل بن أبي السَّمَّال، رويا عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) وكانا مِنَ الواقفة...».

وقد ذكر بعض الأعلام أنَّه لا يستفاد التَّوثيق من كلام النَّجاشي، بل هو خاصٌّ بإبراهيم.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ التَّوثيق راجع لكلٍّ منهما، وتكون جملة: «رَوَيا عن أبي الحسن» جملة مستقلَّة، وليست خبراً لقوله: «هو وأخوه»، كما أنَّ جملة: «وكان مِنَ الواقفة» جملة مستقلَّة.

ثمَّ إنَّه ممَّا يؤيِّد جواز الرِّشوة في غير الأحكام جريان السِّيرة في الرِّشوة في غير الحكم مِنَ المطالب والمقاصد، والله العالم.



[1] الوسائل باب 85 من أبواب ما يكتسب به ح2.

[2] الوسائل باب 37 من أبواب أحكام العقود ح1.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=3689
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 10-02-2021
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12