قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو ملك عبداً، أو وُلد له، أو تزوَّج بعد الهلال استحبَّت إلى صلاة العيد(1)
(1) كما هو المعروف بين الأعلام، وقد يستدلّ له بروايتَيْن:
الأُولى: مرسلة الشَّيخ (رحمه الله) في التَّهذيب «وقد رُوي: أنَّه إنْ وُلِد (له) قبل الزَّوال يخرج عنه الفِطْرة، وكذلك مَنْ أسلم قبل الزَّوال»([1])، وهي ضعيفة بالإرسال.
الثَّانية: رواية محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «قَاْل: سألتُه عمَّا يجب على الرَّجل في أهله من صدقة الفِطْرة، قَاْل: تصدَّق عن جميع مَنْ تعول من حُرّ أو عبد أو صغير أو كبير من أدرك منهم الصَّلاة»([2])، أي: أدرك صلاة العيد. وهي ضعيفة أيضاً لوجود اثنين من أحفاد البرقيّ في إسناد الشَّيخ الصَّدوق إلى محمَّد بن مسلم، وهما مهملان.
ومع قطع النَّظر عن ضعف السَّند فيهما، فالأمر فيهما محمول على الاستحباب جمعاً بينهما وبين ما دلّ على عدم الوجوب إذا حصل ذلك بعد الغروب، كما في صحيحة معاوية بن عمَّار «قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن مولود ولِدَ ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قَاْل: لا، قد خرج الشَّهر، وسألته عن يهوديّ أسلم ليلة الفطر، عليه فِطْرة؟ قَاْل: لا»([3])، ومراد المصنِّف (رحمه الله) من قوله: «استحبَّت إلى صلاة العيد»، أي إلى انتهاء وقتها، وهو الزَّوال، كما هو المعروف بينهم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والمراد بالهلال دخول شوّال(1)
(1) كما يُفهم من الرِّوايات المتقدِّمة.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويكفي في الضَّيف أن يكون عنده في آخر جزء من رمضان متَّصلاً بشوَّال، سمعناه مذاكرة. والأقرب: أنَّه لا بدّ من الإفطار عنده في شهر رمضان ولو ليلة.وقيل: عَشْرة الأخير، أو نصفه، بل كلّه(2)
(2) اِختلف الأعلام في قدر الضَّيافة المقتضية لوجوب إخراج الفِطْرة عن الضَّيف، فنُقل عن الشَّيخ الطُّوسيّ (رحمه الله) في الخلاف، والسَّيّد المرتضى (رحمه الله) في الانتصار، وابن زهرة (رحمه الله) في الغنية اعتبار طول الشَّهر.
واكتفى الشَّيخ المفيد (رحمه الله) في المقنعة بالنِّصف الأخير.
واكتفى ابن إدريس (رحمه الله) باللَّيلتَيْن الأخيرتَيْن، حيث قال: «ويجب إخراج الفِطْرة عن الضَّيف بشرط أن يكون آخر الشَّهر في ضيافته إلى أن قال: فإن لم يفطر عنده إلاَّ في محاق الشَّهر، وآخره، بحيث يتناوله اسم «ضيف»، فإنَّه يجب عليه إخراج الفِطْرة عنه، ولو كان إفطاره عنده في اللَّيلتَيْن الأخيرتَيْن فحسب...».
وظاهره عدم الاكتفاء بليلة فضلاً عن لحظة في صِدْق الاسم.
واختاره العلاَّمة (رحمه الله) في المختلف، ولكنَّه في المختلف والتَّذكرة اكتفى باللَّيلة الواحدة. ونقل المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر، والعلاَّمة (رحمه الله) في التَّذكرة عن جماعة من الأصحاب الاكتفاء بالعشر الأواخر.
ونقل المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر أيضاً عن جماعة من الأصحاب الاكتفاء بآخر جزء من الشَّهر، بحيث يهلُّ الهلال وهو في ضيافته، قال: «وهذا هو الأَولى».
وأمَّا المصنِّف (رحمه الله) هنا أي في الدُّروس فقال: «ويكفي في الضَّيف أن يكون عنده في آخر جزء من رمضان متَّصلاً بشوال، سمعناه مذاكرةً، والأقرب: أنَّه لا بُدّ من الإفطار عنده في شهر رمضان ولو ليلة».
ولكنَّه قال في البيان: «فيمكن الاكتفاء بمسمَّى الضِّيافة في جزء من الشَّهر، بحيث يدخل شوال، وهو عنده، كما قاله في المعتبر، إلاَّ أنَّ مخالفة قدماء الأصحاب مشكلٌ».
وقال الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك: «الضَّيف نزيل الإنسان، وإن لم يكن قد أكل عنده؛ لأنَّ ذلك هو المفهوم منه لغةً وعرفاً، فلا يُشترط أن يفطر عنده مجموع الشَّهر، ولا نصفه الثَّاني، ولا العشر الأخير، ولا ليلتَيْن من آخره، ولا آخر ليلة على الأصحّ، بل يكفي نزوله عليه قبل دخول شوال، وبقاؤه عنده الى أن يدخل»، وقدِ استجوده صاحب الجواهر (رحمه الله).
أقول: لكي يتَّضح ما هو الصَّحيح من هذه الأقوال لا بُدّ من الرُّجوع إلى صحيحة عمر بن يزيد الواردة في المقام ؛ إذ هي العمدة في هذه المسألة «قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرَّجل يكون عنده الضَّيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر، يُؤدِّي عنه الفِطْرة؟ فقال: نعم، الفِطْرة واجبة على كلِّ مَنْ يعول من ذكر أو اُنثى، صغير أو كبير، حُرّ أو مملوك»([4]).
ويظهر من هذه الصَّحيحة أنَّ المناط في وجوب زكاة الضَّيف على المضيف هو صِدْق العيلولة عليه في هذه الفترة الزَّمانيّة القليلة، وليس المناط كونه في عياله مطلقاً، وفي جميع الأحوال والأزمان حتَّى يقال: إنَّ الضَّيف ليس كذلك؛ إذ ليس هو في عياله مطلقاً، بل المناط كونه في عياله، ولو في هذه اللَّيلة، وإن لم يكن في عياله سابقاً، ولن يكون لاحقاً.
وبالجملة، فإنَّ الموضوع أن يكون في عياله ولو في هذا الوقت القصير، فإنَّ قوله (عليه السلام) في الصحيحة: «الفِطرْة واجبةٌ على كلِّ مَنْ يعول...»، قضيَّة كُلِّيّة ، وقد طبَّقها الإمام (عليه السلام) على المورد، وهو الضَّيف الَّذي يحضر يوم الفطر، وليس قوله (عليه السلام): «الفِطرْة واجبةٌ على كلِّ مَنْ يعول...» جملةً مستأنفةً حتَّى يكون قوله (عليه السلام): «نعم» جواباً على السُّؤال عن أداء الفطرة عن الضَّيف الَّذي يحضر يوم الفطر، حتَّى تكون الضِّيافة بعنوانها موضوعاً مستقلاًّ لأداء الفِطْرة، وإن لم يكن في عياله، بحيث يترتَّب عليه وجوب الفِطْرة على المضيف بمجرَّد صِدْق الضِّيافة، وإن لم يتعهَّد المضيف بشيءٍ من لوازم الضِّيافة، كما لو نزل عنده ليلاً وخرج فجراً من غير أن يتكلَّف المضيف شيئاً ما عدا منامه.
ولو كان قوله (عليه السلام): «الفِطرْة واجبةٌ على كلِّ مَنْ يعول...» جملة مستقلة، لكان الأوفق بقواعد اللُّغة العربيَّة الإتيان بواو الاستئناف، بحيث تكون العبارة هكذا: «فقال: نعم، والفِطْرة واجبةٌ...».
والخلاصة: أنَّ المناط في أداء الفطرة عن الضَّيف: كونه في عيلولته في هذه الفترة الزَّمانيّة القصيرة، ولا يُشترط أن يصدق عليه أنَّه في عيالته مطلقاً حتَّى يقال: إنَّ الضَّيف ليس كذلك.
وقدِ اتَّضح ممَّا ذكرناه عدم وجوب الفِطْرة عمَّن يُدعى للعشاء أو الإفطار، وإن حضر قبل الغروب؛ إذ لا يصدق عليه أنَّه من عياله، ولو في هذه الفترة؛ لما عرفت سابقاً من أنَّ العيلولة يُعتبر فيها نحو من التَّابعيّة والمتبوعيّة، بحيث يُعدّ المُعال تابعاً للمُعيل، ومن متعلِّقيه في شؤون معاشه، ومَنْ يُدعى للعشاء أو الإفطار لا يُوجد فيه هذه التَّابعيّة، فإنَّ الدَّاعي إنَّما يتعهَّد بخصوص طعامه وشرابه دون بقيّة الجهات.
وهذا بخلاف الضَّيف الَّذي يتعهّد به المضيف من جميع جهات المعاش، ويكفي فيه حينئذٍ أن ينزل قبل الهلال، ويبقى عنده ليلة العيد، بحيث يكون من عياله في هذه الفترة، وإن لم يصدق أنَّه من عياله بقول مطلق، والله العالم.
([1]) الوسائل باب 11 من أبواب زكاة الفطرة ح3.
([2]) الوسائل باب 5 من أبواب زكاة الفطرة ح6.
([3]) الوسائل باب 11 من أبواب زكاة الفطرة ح2.
([4]) الوسائل باب 5 من أبواب زكاة الفطرة ح2.
|