قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وتجب النِّيّة عند الدَّفع إلى الوالي أو المستحقّ(1)
(1) قال صاحب المدارك (رحمه الله): «أجمع الأصحاب على أنَّ النية شرط في أداء الزكاة، بل قال المصنِّف (رحمه الله) في المعتبر: إنَّ ذلك مذهب العلماء كافَّة إلاَّ الأوزاعيّ»، وفي الجواهر: «فلا خلاف في اعتبارها في الزَّكاة، بل الإجماع بقسمَيْه عليه، بل لعلَّه كذلك بين المسلمين، وفي المعتبر: أنَّه مذهب العلماء إلاَّ الأوزاعيّ، وفي التَّذكرة: أنَّه قول عامَّة أهل العلم، إلى أن قال: وحُكي عن الأوزاعيّ عدم وجوبها فيها؛ لأنَّها دين، فلا تجب فيها، كسائر الدُّيون، ولذا يخرجها وليّ اليتيم ويأخذها السُّلطان من الممتنع، والفرق ظاهر؛ لانحصار مستحقِّه، فقضاؤه ليس بعبادة، ولذا يسقط بإسقاط مستحقّه، وولي الطَّفل والسُّلطان يقومان عند الحاجة...».
والإنصاف: أنَّه لا إشكال في اعتبار النِّيّة في الزَّكاة، ويُعتبر فيها ما يُعتبر في نيَّة سائر العبادات من القربة والإخلاص.
والدَّليل على اعتبار القربة والإخلاص فيها: هو التَّسالم بينهم، وهو الدَّليل السالم عن الإشكالات، وقد ذكرت في المقام جملة من الأدلَّة، إلاَّ أنَّها لا تصمد أمام التَّحقيق:
منها: ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله) من قوله تعالى: « وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ ]البينة: 5[، وقوله (ص): «إنَّما الأعمال بالنِّيّات».
وفيه: ما ذكرناه في مبحث التّعبُّديّ والتّوصليّ من علم الأصول بشكل مفصَّل، حيث أجبنا عن هذَيْن الدَّليلَيْن وغيرهما من الأدلَّة، فراجع([1])، فإنَّه مهمّ.
ومنها: ما ذكره السّيِّد أبو القاسم الخوئيّ (رحمه الله) من التَّعبير عنها بالصَّدقة في الكتاب والسَّنة، ومن المعلوم أنَّ الصَّدقة واجبةً كانت أم مندوبةً يُعتبر في مفهومها قصد القربة، وهذا هو الفارق بينها وبين الهدية.
وفيه: أنَّ التَّعبير عنها بالصَّدقة لا يُلازم كونها عبادةً، وإلاَّ فقد ورد التَّعبير عن الوقف بالصَّدقة الجارية، مع أنَّه لا يُشترط القربة في صحَّة الوقف، وقد ذكر (رحمه الله) أدلّة أخرى، إلاَّ أنَّها لا تسلم من الإشكالات، إلاَّ التَّسالم بين الأعلام الَّذي ذكره، فإنَّه حقّ.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: مشتملةً على الوجوب أو الندب(1)
(1) قد ذكرنا سابقاً في كتاب الصَّلاة وغيره أنَّه لا دليل على اشتراط قصد الوجوب أو النَّدب.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وكونها زكاة مال، أو فطرة، أو صدقة (2)
(2) ذكرنا فيما سبق أنَّ قصد التَّعيين لا بدّ منه فيما إذا كان التَّكليف متعدِّداً، كما في صلاتي الظُّهر والعصر، فلو أتى بأربع ركعات متقرِّباً إلى الله تعالى من غير قصد عنوان الظُّهر ولا العصر بطل ولم يقع امتثالاً لشيءٍ منهما، وكذا فريضة الصبح ونافلة الفجر، فإذا أتى بذات الرِّكعتَيْن من غير قصد شيءٍ من العنوانَيْن بطل، ولم يقع مصداقاً لشيءٍ منهما، وكذا فيما لو أتى بصدقة من غير قصد كونها زكاةً أو مندوبةً لدفع البلاء، فلا يكفي، وكذا لو أتى بصدقة ولم ينوِ كونها زكاة مال أو فطرةً، فلا يكفي؛ لتعدُّد التَّكليف مع اختلاف حقيقة الواجب، فإنَّ زكاة الفطرة تغاير زكاة المال ذاتاً، فإنَّ الأولى زكاة الأبدان، والثَّانية زكاة الأموال.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا يُشترط تعيين المال (1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه لا يُشترط تعيين نوع المال، فلو كان عنده خمس من الإبل وأربعون من الغنم فأخرج شاةً عمّا في ذمَّته برئت الذِّمّة بها، وبقي عليه شاة، وكذا لا يُشترط التَّعيين فيما لو اختلف نوع الحقّ، كنصاب من النَّقدَيْن، وآخر من النَّعم، فلو أخرج قيمة زكاة أحدهما برئت ذمَّته منها، وبقي عليه الأخرى.
ولكنَّ الإنصاف: أنَّ ما يدفعه زكاة إن كان مصداقاً لكلٍّ منهما، كما إذا كان عنده أربعون شاة وخمس من الإبل فإنَّ الواجب عليه في كلٍّ منهما شاة، فإذا أعطى شاةً زكاةً فيوزّع عليهما، إلاَّ إذا قصد ما دفعه عن أحدهما المعيّن، وهكذا لو كان عنده نصاب من النّقدَيْن، وآخر من النَّعم، وأخرج قيمة زكاة أحدهما، فيوزّع عليهما؛ لأنَّ ما دفعه من القيمة يقع مصداقاً لكلٍّ منهما.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا يفتقر السَّاعي إلى نيّة أخرى عند الدَّفع إلى الفقراء (2)
(2) ذكر جماعة من الأعلام أنَّ المالك إذا نوى عند الدَّفع إلى الإمام (عليه السلام) أو السَّاعي أو الفقيه فلا يحتاجون إلى نيَّة أخرى عند الدَّفع إلى الفقراء؛ باعتبار ولايتهم عن المستحقّ، فكانت النِّيّة عند الدَّفع إليهم كالنِّيّة عند الدَّفع إلى المستحقّ، وهذا هو مقتضى الإنصاف.
وممَّنْ ذهب إلى ذلك: العلاَّمة (رحمه الله) في التَّذكرة والمصنِّف (رحمه الله) هنا والشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك، بل في محكيّ التَّذكرة: «لا فرق بين أن يطول زمان دفع الإمام (عليه السلام) إلى الفقراء وبين أن يقصُر».
وممَّن ذهب إلى ذلك أيضاً: المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر، حيث جزم بأنَّ المالك إذا دفع إلى السَّاعي لم يحتج السَّاعي إلى النِّية عند الدَّفع إلى المستحقّ؛ لأنَّ السَّاعي كالوكيل لأهل السَّهمان.
([1]) أوضح المقول في علم الأصول: ج1، ص423 إلى 428.
|