• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الزكاة .
              • القسم الفرعي : بقية احكام الزكاة / الزكاة (ارشيف صوتي) .
                    • الموضوع : الدرس 158 _بقيّة أحكام الزكاة 8 .

الدرس 158 _بقيّة أحكام الزكاة 8

 

وممَّا يؤيِّد ذلك: أنَّه بعد موت رسول الله (ص) لمَّا اغتصب النَّاس منصب الخلافة جروا على ذلك، وأرسلوا عمّالهم لجبايتها، وحاربوا مَنْ منعها، واستحلّوا دماءهم، وسمّوهم أهل الرِّدّة.

وفي دعائم الإسلام: «وإنَّ أحداً لم يكن يُفرِّق زكاة ماله على المساكين كما يفعل اليوم»، بل عن أكثر فقهاء العامَّة وجوب الدَّفع إلى الأمراء، وإن علم عدم صرفها في محالّها، وروَوا ذلك عن سعد بن مالك وأبي سعيد الخدريّ وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وعائشة، وأفتى به الأوزاعيّ والشَّافعي وأبو ثور وغيرهم، حتَّى حُكي عن بعضهم أنَّه سُئل عن الزَّكاة، فقال: «اِدفعوها إليهم ­ أي إلى الأمراء ­ وإن أكلوا بها لحوم الحيَّات، وعن آخر: أنَّه سُئل كذلك فأجاب: بالدَّفع إلى الأمراء، فقيل له: إنَّهم يشترون بها العقد والدّرر وينفقونها، فقال: ما أنتم وذلك أُمرتم بدفعها إليهم، وأُمروا بصرفها في وجوهها، فعليكم ما حُمِّلتم وعليهم ما حُمِّلوا».

وبالجملة، فإنَّه لو سُلِّم بالقول بوجوب النَّقل ابتداءً لاختصّ بالنَّبيّ (ص) والوصيّ (عليه السلام) لبسط يدهما، وأمَّا في زمن كفِّ يدهم (عليهم السلام) وزمن الغيبة فلا يجب، بل رخَّصوا للشِّيعة في صرفها، ولم يُوجبوا عليهم حملها ونقلها إليهم.

ويؤيِّد ذلك: ما رواه الشَّيخ الصدوق (رحمه الله) في العِلل عن أبيه عن سعد بن عبد الله، عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن عبد الله بن المغيرة، عن سفيان بن عبد المؤمن الأنصاريّ، عن عمرو بن شمر، عن جابر «قال: أقبل رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) ­ وأنا حاضر ­ فقال: رحمك الله، اقبض منّي هذه الخمسمائة درهم فضعها في مواضعها، فإنَّها زكاة مالي، فقال أبو جعفر (عليه السلام): بل خُذها أنت، فضعها في جيرانك والأيتام والمساكين وفي إخوانك من المسلمين، إنَّما يكون هذا إذا قام قائمنا، فإنَّه يُقسِّم بالسويَّة، ويعدل في خلق الرَّحمان، البرّ منهم والفاجر...»([1]).

وإنَّما جعلناها مؤيِّدةً لضعفها بعمرو بن شمر الجعفيّ وسفيان بن عبد المؤمن الأنصاريّ.

ثمَّ إنَّ هناك بعض الأجوبة عن الاستدلال بالآية الشَّريفة:

منها: احتمال كون الصَّدقة فيها غير الزَّكاة، بل هي أموال كانوا يعطونها لتكفير ما أذنبوه من التّخلُّف، فإنَّه كما روي في قضية «الثلاثة الذين تخلَّفوا عن رسول الله (ص)... إلى أن جاؤوا بأموالهم إلى رسول الله (ص) فقالوا: هذه أموالنا التي خلفنا عنك فتصدق بها عنا قال (عليه السلام): ما أُمرت فيها، فنزل: « خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً »([2])، ولكنَّها نبويّة ضعيفة لا يعوّل عليها.

ومنها: احتمال كون الأمر في الآية الشَّريفة من الأمر بعد الحظر، فيكون للإباحة، ولكنَّه خلاف الظاهر.

والخلاصة إلى هنا: أنَّه لا يجب النَّقل ابتداءً لا إلى الإمام (عليه السلام)، ولا إلى نائبه الخاصّ، ولا إلى نائبه العامّ، والله العالم.

الأمر الثَّاني: قال صاحب الحدائق (رحمه الله): «قد صرَّح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ­ بل الظَّاهر أنَّه لا خلاف فيه بينهم ­ بأنَّه يستحبّ حمل الزَّكاة إلى الإمام، ومع عدم وجوده فإلى الفقيه الجامع للشرائط، وأنَّه يتأكَّد الاستحباب في الأموال الظَّاهرة، كالمواشي والغلاَّت، وعلَّلوا استحباب نقلها إلى الإمام (عليه السلام): بأنَّه أبصر بمواقعها، وأعرف بمواضعها، ولما في ذلك من إزالة التّهمة عن المالك بمنع الحقّ وتفضيل بعض المستحقِّين بمجرَّد الميل الطَّبيعيّ».

أقول: لا دليل قويّ على استحباب النَّقل.

نعم، قدِ استدلّ للاستحباب بفتوى جماعة من الأعلام.

ولكن لا يخفى عليك: أنَّ ثبوت الاستحباب بالفتوى مبنيّ على قاعدة التَّسامح في أدلَّة السُّنن، وأنَّ من مواردها فتوى الفقيه.

ولكنَّك عرفت عدم ثبوت قاعدة التَّسامح، كما أنَّه ليس من مواردها فتوى الفقيه.

وأمَّا الاستدلال للاستحباب: بأنَّه أبصر بمواقعها وأعرف بمواضعها.

فيرد عليه: أنَّ هذا ليس من مدارك الأحكام الشَّرعيّة.

أضف إلى ذلك: أنَّ الإمام (عليه السلام)، وإن كان أبصر بمواقعها وأعرف بمواضعها من عامّة النّاس، إلاّ أنّ هذا لا يطّرد في الفقيه الجامع للشَّرائط، إذ ربَّما يكون المالك أبصر بمواقعها وأعرف بمواضعها من الفقيه.

الأمر الثَّالث: لو طلبها الإمام (عليه السلام) على وجه الإيجاب بنفسه أو بساعيه وجب صرفها إليه بلا خلاف ولا إشكال؛ لوجوب طاعته وحرمة مخالفته عقلاً ونقلاً.

وأمَّا لو طلبها الفقيه على وجه الإيجاب على نحو الفتوى، بأن يكون هناك ما يقتضي وجوب صرفها في مصرف بحسب الخصوصيّات الموجبة لذلك شرعاً، وجب على مقلّديه الدَّفع إليه، إلاَّ إذا علمنا أنَّه أراد صرفها في جهة خاصَّة لبعض العناوين الثَّانوية، فلا يجب على المكلَّف حينئذٍ نقلها إليه، كما لو هجم العدو على بلاد المسلمين، فطلب صرفها بتمامها في المؤلَّفة قلوبهم لأجل الحفاظ على بلاد المسلمين.

ففي هذه الحالة لا يجب النَّقل إلى الفقيه، بل المكلَّف يصرفها بنفسه أو بوكيله في المؤلَّفة قلوبهم؛ هذا كلّه إذا طلبها على جهة الفتوى.

وأمَّا إذا طلبها على وجه الحكم، فلا دليل حينئذٍ على نفوذ حكمه في هذه الموارد، إلاَّ أن يكون قائلاً بالولاية العامَّة، ولم تثبت عندنا بدليل قويّ، فثبوت الولاية له في الفتوى والحكم بين الخصمَيْن والأمور الحسبيّة لا يجعل أمره مطاعاً في كلِّ شيءٍ.

الأمر الرَّابع: قال صاحب المدارك (رحمه الله): «المراد بالفقيه حيث يُطلق في أبواب الفِقه: الجامع لشرائط الفتوى، وبالمأمون مَنْ لا يتوصّل إلى أخذ الحقوق مع غنائه عنها بالحيل الشَّرعيّة، كذا ذكره المتأخِّرون. ولا بأس به؛ لأنَّ في غير المأمون بهذا المعنى نقصاً في الهمّة وانحطاطاً عمّا أهّله الشَّارع له، وفي الدَّفع إليه إضراراً بالمستحقِّين ونقضاً للحكمة التي لأجلها شُرّعت الزَّكاة».

والإنصاف: أنَّه لا دليل على هذه الأمور المأخوذة في المأمون فالمناط هو العدالة، فلا حاجة إلى ما يزيد عنها.

نعم، اتِّصافه بما ذكر أوقع في النُّفوس، والله العالم.

 

([1]) الوسائل باب 36 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.

([2]) مجمع البيان: ج5، ص67.

 


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=3639
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء: 17-05-2022
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12