• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الصلاة .
              • القسم الفرعي : مكان المصلي / بحث الفقه .
                    • الموضوع : الدرس252 _مكان المصلي 45 .

الدرس252 _مكان المصلي 45

(2) لا يجوز تملّكها وإن زالت آثار المسجديّة بالكليّة، لأنّ العرصة لا تخرج عن الوقف، وما كانت عليه من المسجديّة بزوال العِمارة، وخراب البناء، بل أحكام المسجدية ثابتة لها، وإن كانت كذلك بلا إشكال.

وبعبارة أخرى: لا تزول المسجديّة بزوال الآثار، لأنّ قِوام المسجديّة في الحقيقة إنّما هو بأرض المسجد، لا بالآثار، وأيضاً لا يجوز فِعْل ما ينافي مسجديّته، حتى مع زوال الآثار.

(1) المعروف بين الأعلام أنّه يحرم أن يُؤخذ منها في الطريق، والأملاك، فضلاً عن أن تُؤخذ جميعها، بمعنى جعل بعضها طريقاً، أو ملكاً، بحيث تنمحي عنه آثار المسجديّة.

ونسبه الشّهيد الثاني R في الروض إلى الأصحاب، وفي الجواهر: «بل هو كأنّه من القطعيات إن لم يكن من الضروريات، إذ هو تخريب لها، وتبديل لوضعها، ومنافٍ لمقتضى تأييدها للعبادة المخصوصة...».

قال الله تعالى: « وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ...﴾ ]البقرة: 114[.

وعليه، فيجب إعادتها إلى ما كانت عليه، بل لا يختص الوجوب بالمغيِّر، بل يعمّه، وغيره، كما صرح به في المدارك.

نعم، لا يبعد وجوب المؤونة لو احتيج إليها من المغيِّر، فيجبر عليها، وتُؤخذ من ماله قهراً، كغيره من مؤن ردّ المغصوب، لأنّه حسب الفرض غاصب.

وقدِ اتّضح لك مما ذكرنا أنّه لا يجوز بيع عرصة المسجد في حال من الأحوال، لظهور الأدلّة من الكتاب والسنة، والسيرة، في أنّ المسجديّة من الأمور الأبديّة التي لا يجوز تغييرها إلى غيرها، أو نقلها بأحد النواقل بحال من الأحوال.

نعم، غير المسجد من الأوقاف العامّة يمكن دعوى جواز تغيير هيئاتها إذا قضت به المصلحة، بل يجوز بيعها في بعض الأحوال، هذا كلّه إذا جعل المسجد أو بعضه طريقا أو ملكاً، بحيث تنمحي صورة المسجدية.

وأمّا جعلها طريقاً مع بقاء المسجديّة فقد تقدم حكمه في المكروهات ­ أو مستحبات الترك.

(1) قال المصنِّف R في الذكرى: «ويحرم أيضاً اتّخاذها ­ أي: البِيَع والكنائس ­ في ملك، أو طريق، لِمَا فيه من تغيير الوقف المأمور بإقراره...».

أقول: لا إشكال في ذلك، فإنّ اتّخاذها في ملك، أو طريق، منافٍ لاحترام ما في أيديهم حال الذمّة، وإقرارهم عليها، على حسب ما يقتضيه عقد الذمّة.

وكونها خارجة عن ملكهم بوقفهم إياها لا يقتضي جواز ذلك، فإنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

وتوهّم بطلان وقف الكنائس والبِيَع.

مدفوع: بظهور النصوص في صحّة وقفها إذا صدرت من أهلها.

وقد عرفت أنّه لا يشترط قصد القربة في صحة الوقف، بل لو قلنا به فهو غير منافٍ لذلك، لتأتّيه من اليهود والنصارى، الذين هم أهلها.

(1) قد عرفت أنّ أهلها إن كانوا أهل ذمّة ولم يندرسوا، فلا يجوز التعرض لها، لأنّ ذلك منافٍ لاحترام ما في أيديهم حال الذمّة، وإقرارهم عليها، فإنّ إطلاق ما دلّ على احترام ما في أيديهم حال الذمّة، شامل لأوقافهم التي منها البِيَع والكنائس، ولا دليل على تقييده بأموالهم وأنفسهم، ونحوهما.

ولا ينافي ذلك جواز صلاتنا معهم فيها للنصوص، أو لاشتراكنا معهم في الحقّ بمجرد وقفها معبداً قهراً عليهم.

وأمَّا إن كانت البِيَع والكنائس في أرض الحرب، أو في بلاد الإسلام واندرس أهلها جاز استعمالها في المساجد خاصّة، كما ذهب إليه المشهور لرواية العيص «قال: سألتُ أبا عبد الله N عنِ البِيَع والكنائس، هل يصلحُ نقضهما لبناء المساجد؟ فقال: نعم»[i]f822، ولكنّها ضعيفة، لأنّ محمّد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني R هو البندقي النيشابوري المجهول الحال، وليس هو ابن بزيع الثقة.

نعم، هناك رواية أخرى صحيحة للعيص بن القاسم «قال: سألتُ أبا عبد الله N عن البِيَع والكنائس يُصلّى فيها؟ قال: نعم، وسألتُه: هل يصلح بعضها مسجداً؟ فقال: نعم»[ii]f823، بناءً على أنّ المراد المسجد المعهود، لا ما يسجد عليه.

وقد يستدلّ أيضاً بأنّ جعلها مسجداً هو إحسان محض، وحفظ لوقفيّتها على الجهة التي تعلّق بها غرض الواقف، وهي كونها موقوفة للعبادة.

ثمّ إنّ ظاهر النصّ وفتاوى بعض الأعلام جواز نقضها لبناء المساجد مطلقاً، أي: وإن لم تحتج إلى النقض.

ولكنّ المعروف بينهم أنّ النقض منحصر بما لا بدّ منه في إرادة تغييرها مسجداً كالمحراب، ونحوه، لا أنّ المراد نقضها مطلقاً، بحيث تستعمل آلاتها في مساجد أخر، وذلك لانصراف النصّ إلى ما قلناه، إذ هي ­ بعدما عرفت من صحّة الوقف ­ محترمة على حسب الجهة الموضوعة عليها، أي العبادة، فيشملها ما دلّ على حرمة التخريب.

ومن هنا تعرف أنّ المراد من عبارة المصنّف R وغيره من الأعلام، من أنّها تُبنى مساجد، أي تجعل نفسها مساجد بدون تغيير في هيكليّتها، إلاّ ما لا بدّ منه كالمحراب، ونحوه.

وقد ظهر ممّا تقدّم أنّه لا يجوز استعمالها، ولا استعمال شيء من آلاتها في غير المساجد، ولا في مسجد آخر، مع احتياجها إليه، كما هو الشأن في أحكام سائر المساجد، وغيرها من الأوقاف العامة.

وممّا ينبغي أن يُعلم أنّه بعد اتّخاذها مسجداً للمسلمين تجري عليها أحكام المساجد من وجوب إزالة النجاسة عن كلّ موضع علم بنجاسته مع الإمكان، وحرمة لبث الجنب والحائض، وغير ذلك من أحكام المساجد.

ثمّ إنّ المراد باندراسهم هلاكهم، بحيث لم يبقَ منهم أحد في بلاد الإسلام، أو انقطاع ذمّتهم من بلاده، فلا يكفي في إباحة تغييرنا لها هلاكهم في بلاد خاصة من بلاد المسلمين.

(1) المعروف بين الأعلام عدم جواز اتّخاذ المساجد في الطّريق، ولا في المواضع المغصوبة، إذ الأوّل ملك للمسلمين المستطرقين، والثاني ملك آحادهم.

نعم، لو رجعت الطريق إلى الإباحة، بأن بطل استطراق الناس أمكن حيازتها، وإحياؤها بجعلها مسجداً، وكذا لو كانت الطريق زائدةً على المقدار الشرعي أمكن أيضاً جعل الزائد لذلك، والله العالم.

(1) المعروف بين الأعلام عدم جواز الدّفن في المساجد، بل ظاهرهم التسالم عليه، بحيث لم يخالف فيه أحد، وقد ذكره المصنف R هنا، وفي الذكرى، وعلَّله R في الذكرى بأن فيها شغلاً للمسجد بما لم يوضع له.

وعلَّله بعضهم من جهة عدم انفكاك الميت بعد دفنه عن تنجيس القبر، مع عدم الفرق بين الظاهر والباطن، بالنسبة لحرمة التنجيس.

وفيه أوَّلاً: أنه يمكن وضعه على شيء يمنع عن تلويثه المسجد، بل يكفي الشك في حصولها لانتفاء المحذور.

وثانياً: أنه لم يثبت أن المدار في الحرمة على التلويث، بل ظاهر الجميع المنع مطلقا.

وثالثاً: أنَّه لم تثبت حرمة تنجيس باطن المسجد، إذ العمدة في حرمة تنجيس المسجد هو الإجماع، وهو دليل لبّي يُقتصر فيه على القدر المتيقّن، وهو ظاهر المسجد.

وقال المصنِّف R في الذكرى: «ودفن فاطمة عليها السلام في الرّوضة إن صح فهو من خصوصياتها بما تقدّم من نصّ النبي C وقد روى البزنطي، قال: سألتُ أبا الحسن N عن قبر فاطمة X، فقال: دفنت في بيتها، فلمَّا زادت بنو أُمية في المسجد صارت في المسجد»[iii]f824، انتهى كلام المصنِّف R في الذكرى، والرّواية صحيحة.

وقد علّل المنع في المحكي عن نهاية الأحكام بأنّ فيه تضييعاً على المصلّين، وفي المنتهى: «بأنّها جُعلت للعبادة»، ويظهر من هذه التعليلات أنّ المنع عندهم من المسلّمات.

والإنصاف: أنّ التسالم هو الدليل على المنع، وإلاّ لأمكن المناقشة بأنّه إنّما تتمّ المنافاة والتضييق لو حرمت الصّلاة على القبر، أو عنده، بل لو كان مع ذلك مزاحماً للمصلّين، وبأنّ دفن فاطمة عليها السلام لم يثبت كونه لخصوصيةٍ، والأصل الاشتراك.

وبما يظهر من سبر الأخبار المتفرّقة من دفن كثيرٍ من الأنبياء السّابقين في المساجد:

منها: رواية جابر بن يزيد الجُعفي عن أبي جعفر N «قال: صلَّى في مسجد الخيف سبعمائة نبي، وإن ما بين الركن والمقام لمشحون من قبور الأنبياء، وإن آدم لفي حرم الله»[iv]f825، ولكنّها ضعيفة بالمفضّل بن صالح الأسدي النحّاس، أبي جميلة.

ولكنّ الأقوى: المنع، لِمَا عرفت من التسالم.

ويؤيِّده: أنّ الدفن في المساجد يقتضي التعطيل عن الاستعداد للانتفاع بالمسجد لو فرض حدوث حاجة في تغييره مثلاً لحرمة النبش.

ويؤيِّده أيضاً: أنّ الدفن فيها فيه تنفير للمتردّدين إليها، وامتناع صلاتهم، أو كراهتها، التي هي نوع ضرر أيضاً في الأماكن المتّخذة لمضاعفة ثوابِ العبادة.

وأمَّا دفن فاطمة X فلم يثبت أنّه في المسجد، بل ظاهر صحيح البنزنطي عدمه، كما عرفت.

ودفن الأنبياء S السّابقين لم يثبت تعبّدنا به في شرعنا، بل ولم يثبت كونه سابقاً على المسجديّة المعتبرة.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=362
  • تاريخ إضافة الموضوع : الإثنين: 14-12-2015
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12