أقول: قد يستدلّ للحرمة بدليلَيْن:
الأوَّل: ما في نهج البلاغة من قوله (عليه السلام): «أَصِلةٌ أم زكاةٌ أم صدقةٌ؟! فذلك محرَّمٌ علينا أهل البيت...»([1]).
الثَّاني: ما وراه الفضل بن الحسن الطَّبرسيّ في صحيفة الرِّضا (عليه السلام) بإسناده «قال: قال رسول الله (ص): إنَّا أهل بيت لا تحلُّ لنا الصَّدقة...»([2])، ورواه الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في عيون الأخبار مسنداً عن الرِّضا عن آبائه (عليه السلام) عن رسول الله (ص)([3]).
وفيهما أوَّلاً: أنَّ رواية نهج البلاغة ضعيفة بالإرسال، ورواية الفضل بن الحسن الطَّبرسيّ (رحمه الله) ضعيفة بالإرسال أيضاً، ورواية العيون ضعيفة بجهالة أكثر من شخص في السَّند.
وثانياً: أنَّهما محمولتان على بعض الصَّدقات الخسيسة التي تدفع لدفع البلاء، وكالتي توضَع تحت رؤوس المرضى، ونحوها، ممَّا لا يليق بمنصب النُّبوة والإمامة.
والخلاصة: أنَّ الأقوى هو الجواز أيضاً إلاَّ في بعض أفراد الصَّدقات الخسيسة. نعم، هذا بحسب الظاهر، ولكن نقول: إنَّ المعصوم (عليه السلام) هو أدرى بتكليفه ولسنا نحن من يُحدِّد له ذلك، والله العالم.
الأمر السَّابع: المعروف بين الأعلام أنَّ الَّذين تحرم عليهم الصَّدقة الواجبة هم بنو هاشم خاصَّة، وفي الجواهر: «على الأظهر الأشهر، بل المشهور، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، خلافاً للإسكافيّ والمفيد فألحقا به أخاه المطلب، ولا ريب في ضعفه...».
وبالجملة، فإنَّ المخالف في المسألة اثنان: الشَّيخ المفيد (رحمه الله) في المسائل الغريّة، حيث ذهبَ إلى تحريم الزَّكاة على بني المطَّلب أيضاً، وهو عمّ عبد المطّلب، والثاني ابن الجنيد (رحمه الله).
والصَّحيح: هو ما ذهب إليه المشهور؛ للرِّوايات الكثيرة الدَّالّة على اختصاص التَّحريم ببني هاشم، وبعضها دالّ على اختصاص التَّحريم ببني عبد المطّلب. ولا فرق بين بني هاشم وبني عبد المطّلب، إذ هما في المصداق واحد حيث إنَّ هاشماً لم يعقّب إلاّ عبد المطّلب وأسد، وأسد لم يعقِّب إلاَّ حُنيناً وفاطمة، وحُنين لم يترك ذريّة، وفاطمة تزوَّجت ابن عمّها أبا طالب. فانحصر عقب هاشم بعبد المطَّلب.
وأمَّا الشَّيخ المفيد والأسكافي (رحمهما الله)، فقد يستدلّ لهما بموثَّقة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث «لو كان العدل ما احتاج هاشميّ ولا مطّلبيّ إلى صدقة، إنَّ الله جعل لهم في كتابه ما فيه سعتهم...»([4]).
والرِّواية موثَّقة، فإنَّ ابن الزُّبير القرشيّ الواقع في إسناد الشَّيخ إلى ابن فضَّال من المعاريف، ما يكشف عن وثاقته.
قال في المدارك: «وأجاب عنه في المعتبر: بأنَّه خبر واحد نادر، فلا يُخصَّص به عموم القرآن. وهو جيِّد».
والأفضل في الجواب عن هذه الموثَّقة: هو ما ذكره صاحب الحدائق (رحمه الله)، حيث قال: «والأظهر في الجواب عن هذه الرِّواية هو ما ذكره بعض مشايخنا المحقِّقين من متأخِّري المتأخِّرين، حيث قال: ويمكن أن يكون المراد بالمطّلبيّ في الخبر مَنْ ينتسب إلى عبد المطلب، فإنَّ النِّسبة إلى مثله قد تكون بالنِّسبة إلى الجزء الثَّاني حذراً من الالتباس، كما قالوا (منافي) في عبد منافٍ، وقد صرَّح بذلك سيبويه، كما نقله عنه نجم الأئمَّة (قد) واختاره، ونقل عن المبرّد أنَّه قال: إن كان المضاف يعرف بالمضاف إليه والمضاف إليه معروف بنفسه فالقياس حذف الأوَّل، والنِّسبة إلى الثَّاني، وإن كان المضاف إليه غير معروف فالقياس النِّسبة إلى الأوَّل، وعلى هذا يقوى ما ذكرناه من الاحتمال، إذِ من المعلوم أنَّ ما نحن فيه من ذلك القبيل، كما اعترف به نجم الأئمَّة (قد)، وعلى هذا فلا يكون في الخبر دلالة على مذهب المفيد (قد)، فإن قلت: فعلى هذا يلزم عطف الشَّيء على مرادفه أو ما شاكله، قلتُ: لا بأس بذلك، فإن العطف التَّفسيريّ شائع لا ترى فيه عوجاً ولا أمتاً، ومعلوم أنَّ هاشماً لم يعقِّب إلاَّ من عبد المطَّلب، كما هو مصرح به في كتب الأصحاب وغيرهم، ففائدة العطف التَّنبيه على هذا المعنى والتقرير له، انتهى، وهو جيِّد وجيه، كما لا يخفى على الفطن النَّبيه»، انتهى كلام صاحب الحدائق (رحمه الله).
والَّذي يُهوِّن الخطب: أنَّ المسألة قليلة الثَّمرة؛ لعدم معلوميَّة مَنْ ينتسب إليه في هذا الزَّمان، بل لا نكاد نعلم باقياً من ذريَّة هاشم في يومنا هذا إلاَّ العلويِّين، وربَّما قيل: والعباسيِّين، وربَّما قيل: بعض الطالبيين.
قال صاحب المدارك (رحمه الله): «وذكر جماعة من أهل النّسب أن عبد المطَّلب ولد له عشرة ذكور وستّ بنات، أسماء الذُّكور: عبد الله وهو أبو النَّبيّ (ص)، والزُّبير، وأبو طالب واسمه عبد منافٍ، والعباس، والمقرّم، وحمزة، وضرار، وأبو لهب واسمه عبد العزى، والحارث، والغيداق واسمه جحل بفتح الجيم قبل الحاء وسكون الحاء، والجحل: اليعسوب العظيم، وأسماء البنات: عاتكة، وأميمة، والبيضاء، وبرّة، وصفيّة، وأروى، وهؤلاء الذكور والإناث لأمّهات شتّى فلم يعقب هاشم إلاَّ من عبد المطّلب، ولم يعقب عبد المطّلب من أولاده الذكور إلاَّ من خمسة، وهم: عبد الله وأبو طالب والعبَّاس والحارث وأبو لهب».
([1]) نهج البلاغة ج2 شرح محمد عبده ص244.
([2]) الوسائل باب 29 من أبواب المستحقين للزكاة ح6.
([3]) الوسائل باب 54 من أبواب الوضوء ح4.
([4]) الوسائل باب 33 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
|