قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وفي إعطاء النَّاشز على القول بجواز إعطاء الفاسق تردُّد، أشبهه الجواز(3)
(3) ذهب المصنِّف (رحمه الله) إلى جواز دفع الزَّكاة إلى الزَّوجة الدَّائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النُّشوز، تفريعاً على القول بجواز إعطاء الفاسق؛ لأنَّها عاصية من جهة النُّشوز.
وقد يستدلُّ للجواز: باندراجها في إطلاق الأدلَّة السَّالمة عن المعارضة، بعد سقوط وجوب الإنفاق عليها.
وذهب كثير من الأعلام إلى عدم الجواز، منهم المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر، حيث قال: «لا تُعطى الزَّوجة من سهم الفقراء والمسكنة مطيعةً كانت أم عاصيةً إجماعاً؛ لتمكنها من النَّفقة».
أقول: ما ذهب إليه المشهور من المنع هو الأقوى؛ لتمكُّنها من تحصيل النَّفقة بإزالة المانع وهو النُّشوز بعد وجود المقتضي، وهو كونها زوجةً دائمةً.
وعليه، فيصدق عليها الغنى عرفاً، وأنَّها ليست فقيرةً.
ومنه تعرف أنَّ القول: باندراجها في إطلاق الأدلة السَّالمة عن المعارض، في غير محلِّه.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: أمَّا المعقود عليها ولمَّا تبذل التَّمكين ففيها وجهان مرتّبان، وأولى بالمنع. ولو قلنا: باستحقاقها النَّفقة فلا إعطاء(1)
(1) المعقود عليها ولمَّا تبذل التَّمكين هي أولى بالمنع من النَّاشز، وقد اتَّضح الحكم ممَّا تقدَّم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا تُعطى الهاشميّ إلاَّ من قبيله، أو قصور الخمس، فيُعطى التَّتمة لا غير على الأقوى(2)
(2) يقع الكلام في سبعة أمور:
الأوَّل: يُشترط أن لا يكون المستحقّ هاشمياً إذا كانت الزَّكاة من غيره.
الثَّاني: لا فرق في الصَّدقة المحرَّمة عليهم بين أن تكون من سهم الفقراء، وبين غيره من السِّهام.
الثَّالث: يجوز للهاشميّ أخذ زكاة الهاشميّ من غير فرق بين السِّهام أيضاً.
الرَّابع: يجوز للهاشميّ أخذ زكاة غير الهاشميّ مع الاضطرار إليها، وعدم كفاية الخمس وسائر الوجوه.
الخامس: هل المحرَّم من صدقات غير الهاشميّ عليه مخصوص بزكاة المال الواجبة وزكاة الفطرة، أم يشمل الصَّدقات الواجبة غير الزَّكاتَيْن، كالكفَّارات والصَّدقات المنذورة والموصى بها للفقراء وردّ المظالم، إذا كان مَنْ يُدفع عنه من غير الهاشميّ؟
السَّادس: يجوز للهاشميّ أن يتناول الصَّدقة المندوبة من هاشميّ وغيره.
السَّابع: هل تختصُّ حرمة الصدقة بمَنْ كانوا من ولد هاشم أم لا؟
أمَّا الأمر الأوَّل: فلا إشكال بين الأعلام في أنَّه لا تحلّ للهاشميّ زكاة غيره الواجبة، وفي المدارك: «أجمع علماء الإسلام كافَّةً على أنَّ الصَّدقة المفروضة من غير الهاشميّ محرَّمة على الهاشميّ، حكاه في المنتهى، والنُّصوص الواردة به من الطَّرفَيْن مستفيضة...».
وفي الحدائق: «وهو محلّ إجماع من علماء الخاصَّة والعامَّة»، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بين المؤمنين، بل وبين المسلمين، بل الإجماع بقسمَيْه عليه، بل المحكيّ منهما متواتر كالنُّصوص التي اعترف غير واحد بكونها كذلك إكراماً لهم بالتَّنزيه عن أوساخ النَّاس التي هي من الرِّجس الذي أذهب الله عنهم وطهَّرهم عنه تطهيراً، فحرَّمه عليهم وعوَّضهم عنه الخمس، من غير فرق بين أهل العصمة منهم وبين غيرهم...».
أقول: يدلُّ عليه مضافاً إلى التَّسالم بين علماء المسلمين قديماً وحديثاً، بحيث أصبحت المسألة من الواضحات الأخبار الكثيرة التي لا يبعد التواتر المعنويّ فيها، ونحن نقتصر على بعض روايات أهل البيت (عليهم السلام).
وأمَّا روايات العامَّة الواردة عنهم، فلا حاجة لذكرها :
منها: صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: إنّ اُناساً من بني هاشم أتوا رسول الله (ص)، فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي، وقالوا: يكون لنا هذا السَّهم الَّذي جعل الله (عز وجل) للعاملين عليها، فنحن أولى به، فقال رسول الله (ص): يا بني عبد المطلب! إنَّ الصَّدقة لا تحلّ لي ولا لكم، ولكنَّي قد وُعدت الشَّفاعة إلى أن قال: أتروني مُؤثِراً عليكم غيركم»([1]).
ومنها: حسنة محمَّد بن مسلم وأبي بصير وزرارة كلّهم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «قالا: قال رسول الله (ص): إنَّ الصَّدقة أوساخ أيدي النَّاس، وإنَّ الله قد حرَّم عليَّ منها ومن غيرها ما قد حرَّمه، وإنَّ الصَّدقة لا تحلُّ لبني عبد المطلب...»([2]).
ومنها: صحيحة ابن سنان يعني عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: لا تحلُّ الصَّدقة لولد العباس، ولا لنظرائهم من بني هاشم»([3])، وكذا غيرها من الرِّوايات.
ولا يُعارض هذه الرِّوايات معتبرة أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنَّه قال: أعطوا الزَّكاة مَنْ أرادها من بني هاشم، فإنَّها تحلُّ لهم، وإنَّما تحرم على النَّبيّ (ص)، وعلى الإِمام الذي من بعده، وعلى الأئمَّة (عليهم السلام)»([4])، والرِّواية معتبرة، فإنَّها، وإن كانت ضعيفةً بطريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) بمحمَّد بن علي أبي سمينة المعروف بالكذب، إلاَّ أنَّها موثقة بطريق الشَّيخ (رحمه الله)، كما أنَّها صحيحة بطريق الكلينيّ (رحمه الله).
وعليه، فتضعيف صاحب المدارك (رحمه الله) لها في غير محلِّه، قال في المدارك: «وأبو خديجة ضعَّفه الشَّيخ في كتاب الرجال».
أقول: الَّذي ضعَّفه الشَّيخ (رحمه الله) هو أبو خديجة سالم بن أبي سلمة، لا سالم بن مكرم الجمال، وهما شخصان، لا شخص واحد.
ومهما يكن، فقد حملها جماعة من الأعلام على حال الضرورة، منهم الشَّيخ (رحمه الله) في التّهذيب، قال: «ويكون وجه اختصاص الأئمَّة (عليهم السلام) منهم بالذِّكر في الخبر أن الأئمَّة (عليهم السلام) لا يضطرّون إلى أكل الزَّكوات والتّقوُّت بها، وغيرهم من بني عبد المطلب قد يضطرون إلى ذلك»، وذكر صاحب الجواهر (رحمه الله) أنَّه يمكن حملها «على بعض الصَّدقات المندوبة التي يختصّ بالرِّفعة عنها منصبّ النُّبوّة والإمامة».
أقول: إن أمكن حَمْلها على بعض هذه الوجوه كما لا يبعد فبه، وإلاَّ فيرد علمها إلى أهلها (عليهم السلام)، وهم أدرى بها بعد كون الحكم بحرمة الأخذ من الزكاة مقطوعاً به، كما عرفت.
([1]) الوسائل باب 29 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
([2]) الوسائل باب 29 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.
([3]) الوسائل باب 29 من أبواب المستحقين للزكاة ح3.
([4]) الوسائل باب 29 من أبواب المستحقين للزكاة ح5.
|