ثمَّ إنَّه هل يشترط الإيمان في جميع أصناف المستحقِّين أم لا؟
قال صاحب المدارك: «ويجب أن يُستثنى من ذلك المؤلَّفة وبعض أفراد سبيل الله...»، وفي المسالك قال: «إنَّما يُشترط الإيمان في بعض الأصناف لا جميعهم، فإنَّ المؤلَّفة، وبعض أفراد سبيل الله، لا يُعتبر فيهما ذلك»، وكأنَّهما أرادا من بعض أفراد سبيل الله الغازي، أو فيما إذا كان الصَّرف على المخالف فيه مصلحة للمؤمن؛ لأنَّه في الحقيقة صرف على المؤمن لا على المخالف.
والإنصاف: أنَّه لا إشكال في عدم اشتراط الإيمان في المؤلَّفة قلوبهم، سواء قلنا: بأنَّ المراد منهم خصوص الكفَّار الذين يُستمالون للجهاد مع المسلمين، أو المراد منهم الكفَّار والمسلمون الذين هم ضعفاء الإيمان، أو المراد منهم خصوص المنافقين، كما اخترنا سابقاً، فعلى جميع الأقوال الثَّلاثة لا يُشترط فيهم الإيمان بالاتِّفاق، بل لا يجتمع هذا الشَّرط مع تفسير المؤلَّفة قلوبهم بالأقوال الثَّلاثة المتقدِّمة، وكذا بعض أفراد سبيل الله، كما عرفت، فإنَّه لا يُشترط فيه الإيمان.
والحصر الوارد في الرِّوايات بأنَّ موضعها أهل الولاية حصر إضافيّ لم يقصد به الاحتراز عن المؤلَّفة قلوبهم وبعض أفراد سبيل الله، بل المقصود به على ما يتبادر منها بيان انحصار مَنْ يستحقّ صرف الزَّكاة في قضاء حوائجه بالمؤمنين، في مقابل أصحاب الحاجة من سائر الفرق.
وأمَّا ما دلَّ على وجوب إعادة المخالف زكاته على الإطلاق، معلّلاً بأنَّه وضعها في غير موضعها، فهو جارٍ مجرى الغالب من صرفها إلى فقرائهم أو دفعها إلى عامل الصَّدقات المنصوب من قِبل الجائر، فكما لا يشمل هذا الحكم بمقتضى هذه العلّة ما لو صرفها إلى فقراء المؤمنين، فإنَّه لا يعيدها؛ لأنَّه وضعها في موضعها، فكذلك لو صرفها المخالف في سائر المصالح التي هي من مصارف الزَّكاة ممَّا لا يعقل اتِّصافها بالإيمان، كما لو صرفت في بناء المساجد والقناطر؛ إذ لا معنى لاشتراط الإيمان في ذلك، فإنَّه أيضاً لا يُعيدها.
وبالجملة، فإنَّ المتبادر من الرِّوايات المانعة عن صرف الزَّكاة إلى غير أهل الولاية هو النَّهي عن صرفها في سدّ خلّة غير الموالي مطلقاً.
ثمَّ إنَّه مع عدم وجود المؤمن وتعذُّر الصَّرف في مصرف آخر ممَّا يجوز صرف الزَّكاة فيه، كبناء مسجد أو قنطرة ونحوهما، فهل تعطى زكاة المال وأمَّا زكاة الفطرة والتي هي زكاة الأبدان فسيأتي الكلام عنها بعد هذه المسألة للمخالف أم تحفظ إلى حال التّمكُّن من المؤمن أو التّمكُّن من مصرف آخر ممَّا يجوز صرف الزَّكاة فيه؟
المشهور بين الأعلام أنَّها لا تُعطى إلى المخالف، فضلاً عمَّا عداه من الكفَّار، بل تحفظ إلى حال التّمكُّن.
وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه؛ لإطلاق أدلة المنع، وظهور جملة منها وصراحة أُخَر في ذلك...».
أقول: لا إشكال بين الأعلام في ذلك، بل لا يُوجد مخالف صريح في المسألة.
نعم، حكى صاحب الحدائق (رحمه الله) عن بعض أفاضل متأخِّري المتأخِّرين أنَّه نقل قولاً بجواز إعطاء المستضعفين عند عدم المؤمن من غير تصريح بقائله.
ولكن لا يخفى: أنَّ هذا لا يضرّ بالتَّسالم، كما أنَّ الرِّوايات ظاهرة في ذلك، كما في صحيحة ابن أبي يعفور المتقدِّمة، حيث إنَّها ظاهرة في عدم جواز الدَّفع لغير المؤمن حتَّى مع الفحص واليأس عن المؤمن، بل رواية إبراهيم الأوسيّ المتقدِّمة صريحة في عدم إعطائهم، وأنَّه تُلقى في البحر بعد أربع سنين من الانتظار، لكنَّك عرفت أنَّها ضعيفة.
والَّذي يهوّن الخطب: أنَّ المسألة فرضيّة؛ إذ يستحيل عادةً عدم وجود مؤمن يمكن إيصال الزَّكاة إليه، كما يستحيل عادةً تعذُّر مصرف آخر من مصارف الزَّكاة في سائر العناوين الأخرى.
وأمَّا رواية يعقوب بن شعيب الحداد عن العبد الصالح (عليه السلام) «قال: قلتُ له: الرَّجل منَّا يكون في أرض منقطعة، كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال: يضعها في إخوانه وأهل ولايته، قلتُ: فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال: يبعث بها إليهم، قلتُ: فإن لم يجد مَنْ يحملها إليهم؟ قال: يدفعها إلى مَنْ لا ينصب، قلتُ: فغيرهم؟ قال: ما لغيرهم إلاَّ الحجر»([1])، حيث إنَّها ظاهرة في جواز إعطائها لغير النَّاصب، فتشمل المخالف غير الناصب.
وفيها أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بإبراهيم بن إسحاق حيث إنَّ المراد به النهاوندي الضعيف، بقرينة روايته عن عبد الله بن حماد الأنصاري، وبجهالة يعقوب بن شعيب الحدَّاد.
وثانياً: ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله) من أنَّها مطروحة أو محمولة على مستضعف الشِّيعة.
أقول: بل لو سلِّم أنَّها معتبرة فلا بأس بالحَمْل على ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله)؛ للاتِّفاق على عدم جواز إعطائهم، وقد عرفت في مبحث حُجِّيّة خبر الواحد أنَّه يُشترط في حُجيَّة خبر الواحد أن لا يكون مخالفاً للسُّنّة القطعيّة، وقد عرفت أنَّ هناك تسالماً على عدم جواز إعطائهم مطلقاً، بل تُحفظ حتَّى يجد لها مصرفاً، والله العالم.
([1]) الوسائل باب 5 من أبواب المستحقين للزكاة ح7.
|