قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو دفعه في غيرها ارتجع(1)
(1) من المعلوم أنَّ الزَّكاة التي تُصرف في أداء مال الكتابة يتعيَّن صَرْفها في هذا الوجه، سواء أعطيت بيد السيِّد أو بيد العبد ليفكّ بها رقبته، ولا يملكها العبد بقبضها ملكاً مطلقاً، بحيث لو فرض حصول العِتق بدونه يبقى المال في ملكه، بل يرتجع منه في مثل الفرض؛ لأنَّها لم تُصرف في الرِّقاب، والعبد لا يُعطى من الزَّكاة شيئاً إلاَّ في فكاك رقبته، وكذلك الحال لو أُعطيت الزَّكاة للسيِّد، فإنَّ الدَّفع إليه مشروطٌ بالصَّرف في فكّ رقبة العبد.
وبالجملة، فإنَّ التَّمليك مشروط بالعِتق، فإذا لم يتحقَّق المشروط، وهو العِتق ينتفي الملك، ولا بدَّ من أن يُرجع المال إلى صاحبه؛ لأنَّه لم يُوضع في موضعه، وحُكي عن الشَّيخ (رحمه الله) أنَّه لا يرتجع المال؛ لأنَّه ملكه بالقبض، فكان له التصرُّف فيه كيف شاء وأراد.
وفيه: ما عرفته من أنَّ ملك السيِّد له كان مشروطاً بالصَّرف في جهة خاصَّة، وهي فكاك رقبة العبد ولم تحصل، فعليه الردّ؛ هذا كلُه إذا دفع إليه من سهم الرِّقاب.
وأمَّا إذا دفع إلى العبد من سهم الفقراء ولم يصرفه في أداء مال المكاتبة، فقيل: إنَّ المال لا يرتجع؛ إذِ الفقير يملك ما يصرف إليه من الزَّكاة، وله أن يتصرَّف فيه كيف يشاء.
ولكن قد يقال: أنَّ هذا مخالف لإطلاق الرِّوايات الدَّالّة على عدم جواز إعطاء الزَّكاة من سهم الفقراء للعبد، ففي حسنة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: لَيْس في مالِ المملوكِ شيءٌ، ولو كان له ألفٌ ألفٌ، ولوِ احتاجَ لم يُعْطَ مِنَ الزَّكاةِ شيئاً»([1])، ومثلها صحيحته([2])، وكذا موثَّقة إسحاق بن عمَّار، حيث ورد في ذيلها: «ولَاْ يُعطَى العَبْدُ مِنَ الزَّكاةِ شيئاً»([3])، وهذه الرِّوايات شاملة بإطلاقها للعبد المكاتب.
ولكن الإنصاف أن المراد من هذه الروايات هو أن مولاه لا يعطيه من الزكاة، لا الأجنبي، فإذا لم ينفق عليه مولاه فيجوز أن يأخذ الزكاة من الأجنبي للنفقة. وقد ذكرنا سابقاً أن العبد يملك. وسيأتي إن شاء الله تعالى المزيد من ذلك عند قول المصنف: «ولا تعطى القن ولا المدبّر ولا أم الولد».
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والغارمون، وهم المدينون في غير معصيةٍ، ولا يتمكَّنون من القضاء(1)
(1) من جملة من المستحقِّين للزَّكاة الغارمون، وهم الذين تعلقت بذمتهم الدِّيون وعجزوا عن أدائها.
وأمَّا جواز صرف الزَّكاة في الغارمين في الجملة فمِّما لا شبهة فيه ولا خلاف، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، كما لا أجده في استحقاقهم في الجملة هذا السهم من الزكاة كما اعترف به في المعتبر على ما قيل، بل الكتاب والسُّنّة والإجماع بقسمَيْه دالَّةٌ على ذلك...»، وفي المدارك: «استحقاقُ الغارِمين ثابتٌ بالكتاب والسُّنّة والإجماع، وفسَّرهم الأصحاب بأنَّهم المدينون في غير معصيةٍ، قال في المعتبر: ولا خلاف في جواز تسليمها إلى مَنْ هذا شأنه. وقال في المنتهى: وقد أجمع المسلمون على دفع النَّصيب إلى مَنْ هذا شأنه...».
أقول بعد التَّسالم على جواز إعطائهم في الجملة : يقع الكلام في أمرَيْن:
الأوَّل: في اشتراط عجز الغارم عن أداء الدَّين.
الثَّاني: في اشتراط أن لا يكون الدَّين مصروفاً في المعصية.
أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام أنَّه يُشترط أن يكون غير متمكِّنٍ من الأداء، بل يظهر من تتبُّع أقوال الأعلام أنّ هناك تسالم على هذا الشَّرط، حيث لم يُنسب الخلاف إلى أحد ممَّنْ يُعتدّ بقوله.
ويدلُّ على ذلك مضافاً إلى التَّسالم بينهم : حسنة زرارة «قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): رجلٌ حلَّتِ عليه الزَّكاة وماتَ أبُوه وعَلْيه دَينٌ، أَيُؤدِّي زكاته في دينِ أبيه، وللإِبنِ مالٌ كثيرٌ؟ فَقَاْل: إنْ كان أبُوه أَوْرَثه مالاً، ثمَّ ظهر عليه دَينٌ لم يعلم به يومئذٍ فَيَقْضِيه عَنْه، قَضَاه مِنْ جميعِ المِيرَاثِ، وَلَمْ يَقْضِه مِنْ زكاتِه، وإِنْ لم يَكُنْ أَوْرَثه مالاً لم يكن أحدٌ أحقُّ بزكاتِه مِنْ دَينِ أبيه، فإذا أدَّاها في دَينِ أبيهِ على هَذِه الحال أجزأتْ عنه»([4]).
ووجه الاستدلال بها: أنَّها فصَّلت بين ما إذا كان للميِّت مالٌ يمكن تسديد الدَّين منه وما إذا لم يكن.
والخلاصة: أنَّه لا إشكال في اعتبار عجز الغارم عن أداء الدَّين، فلو كان متمكِّناً من ذلك بأن كان عنده ما يفي بديونه ومؤونته لم يقضَ عنه، لاسيِّما أنَّه منافٍ لأدلَّة تشريع الزَّكاة، حيث إنَّها موضوعةٌ لسدِّ خلَّة المحتاجين، لا لصلة الأغنياء.
ثمَّ إنَّ عبارات الأعلام مختلفة في التَّعبير عن هذا الشَّرط، فبعضهم صرَّح باعتبار العجز عن أداء الدَّين، وصرَّح آخرون باعتبار الفقر، وعن ظاهر التَّذكرة الإجماع منَّا على اعتبار الفقر فيه، بل في المبسوط: «الإجماع من أهل العلم كافّةً على ذلك...»، وقد صرَّح في المسالك: بالفرق بين الفقير والغارم، فمنع من إعطاء مالك قوت السَّنة من سهم الفقراء، وإن كان دينه أضعاف ما عنده؛ لأنَّه حينئذٍ غارمٌ غيرُ فقيرٍ.
([1]) الوسائل باب 4 من أباب من تجب عليه الزكاة ح1.
([2]) الوسائل باب 4 من أباب من تجب عليه الزكاة ح3.
([3]) الوسائل باب 4 من أباب من تجب عليه الزكاة ح6.
([4]) الوسائل باب 18 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
|