قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وفي الرِّقاب، وهم المكاتبون، والعبيد في الشِّدّة. وفي جواز شراء العبد منها بغير شدَّةٍ، أو لِيُكفِّر به في المرتبة، أو المخيَّرة مع العجز، خلاف (1)
(1) من جملة الأصناف الثَّمانية الرِّقاب، والمشهور بين الأعلام أنَّهم ثلاثة: المكاتبون، والعبيد تحت الشِّدّة، والعبد يُشترى ويُعتق وإن لم يكن في شدَّة، لكن بشرط عدم وجود المستحقّ.
وذهب جملة من الأعلام، منهم الشَّيخ المفيد والعلاَّمة وولده (رحمهم الله)، وغير واحد من المتأخِّرين إلى القول: بعدم اختصاص الرِّقاب بما ذكر، بل يجوز صرف الزَّكاة في فكِّها ولو في غير تلك الموارد، وهو الصَّحيح عندنا، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
إذا عرفت ذلك، فنقول: أمَّا جواز صرف الزَّكاة في المكاتبين، فهو المعروف بين الأعلام، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده في الأوَّل أي المكاتبون بيننا وبين العامَّة، بل الإجماع بقسمَيْه عليه...».
أقول: يدلُّ عليه مضافاً إلى التسالم بين الأعلام وأكثر العامَّة قديماً وحديثاً، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه الآية الشَّريفة: « وَفِي الرِّقَابِ ﴾ ]البقرة: 177[، أي إزالة رقّها، فالآية الشَّريفة منطبقة على المكاتب بالاتِّفاق، ولم يخالف أحد في ذلك.
وقدِ استدلّ أيضاً: بمرسلة الصَّدوق في الفقيه «قَاْل: سُئل الصَّادق (عليه السلام) عَنْ مكاتبٍ عَجِزَ عَنْ مُكَاتبتِه، وقَدْ أدَّى بعضَها، قال: يُؤدِّي عَنْه مِنْ مال الصَّدقة، إنَّ الله (عز وجل) يقول في كتابه: « وَفِي الرِّقَابِ ﴾»([1]).
قال صاحب الوسائل (رحمه الله): «ورواه الشَّيخ بإسناده عن محمَّد بن أحمد بن يحيى، عن أبي إسحاق، عن بعض أصحابه عن الصَّادق (عليه السلام) مثله».
أقول: هي ضعيفة بالإرسال، فهي تصلح للتَّأييد لا للاستدلال.
ومع قطع النَّظر عن ضعفها بالإرسال، فإنَّ ظاهر التَّعليل فيها: «إنْ الله يقول في كتابه: « وَفِي الرِّقَابِ ﴾»، هو عدم تقييد الحكم بما وقع في السُّؤال من تأدية البعض.
ومن هنا أطلق الأعلام الحكم في المكاتب من غير فرق بين ذلك وعدمه، ولا بين المكاتب المطلق والمشروط.
أقول: يدلّ على ذلك إطلاق الآية الشَّريفة، فإنَّها تشمل ما ذكرناه، ولسنا بحاجة إلى هذه المرسلة؛ هذا كلّه في جواز صرف الزَّكاة في المكاتبين.
وأمَّا جواز الصَّرف في العبيد تحت الشِّدّة، فقال في الجواهر: «وأمَّا الثَّاني، فالعمدة في إدراجه في هذا القسم الإجماع المحكيّ صريحاً وظاهراً مستفيضاً، المعتضد بالتَّتبع...».
أقول: يدلُّ على ذلك مضافاً إلى التَّسالم بين الأعلام، حيث لم يظهر الخلاف منهم إطلاق الآية الشَّريفة «وَفِي الرِّقَابِ »، فإنَّها تشمل ما نحن فيه قطعاً.
وقدِ استدلّ أيضاً: برواية الكافي عن عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمَّد، عن عليّ بن الحكم، عن عَمْرو، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: سألتُه عَنِ الرَّجلِ يجتمعُ عِنْدَه مِنَ الزَّكاة الخمسمائة والسِّتمائة، يشتري بها نَسَمةً ويعتقها؟ فَقَاْل: إذاً يظلمُ قوماً آخرين حقوقَهم، ثمَّ مكث مَلِيّاً ثمَّ قَاْل: إلاَّ أن يكون عَبْداً مُسْلِماً في ضرورةٍ، فيَشْتَرِيه ويُعْتِقه»([2])، ورواها الشَّيخ (رحمه الله) في التَّهذيب عن الكافي عن عَمْرو بن أبي نصر عن أبي عبد الله (عليه السلام).
ولو كانت الرِّواية كما رواها الشَّيخ في التَّهذيب لكانت صحيحةً؛ لوثاقة عَمْرو بن أبي نصر، حيث وثَّقه النَّجاشي صريحاً.
وأمَّا على رواية الكافي والتي هي الأصل فإنَّها ضعيفة لجهالة عمرو الرَّواي عن أبي بصير، وبما أنَّ الأصحّ هي رواية الكافي؛ لأنَّها الأصل، مع كونه أضبط بكثير من التَّهذيب، فتكون الرِّواية حينئذٍ ضعيفةً، فالتَّعبير عنها بالصَّحيحة كما وقع لبعض الأعلام في غير محلِّه؛ هذا تمام الكلام في السَّند.
وأمَّا بالنِّسبة لدلالتها، فقدِ استشكل جماعة من الأعلام في دلالتها على المطلب؛ لأنَّ غاية ما تدلُّ عليه هو شراء العبد من مال الَّزكاة، وليس فيها دلالة على كونه من سهم الرِّقاب؛ لاحتمال كونه من سهم سبيل الله، بناءً على عمومه لكلِّ عملٍ قربيٍّ، وإلاَّ فقد خصّ المشهور سهم سبيل الله بالجِهاد والمصالح العامَّة.
إن قلت: إنَّه بناءً على عموم سبيل الله لمثل المقام أي العِتق فإنَّه لا يختصُّ بصورة كون العبد تحت الشِّدّة، بل يجوز مطلقاً، فالتَّخصيص حينئذٍ بصورة كونه تحت الشِّدّة يدلُّ على أنَّه من سهم الرِّقاب، كما أنَّ قوله (عليه السلام): «إذاً يظلمُ قوماً آخرين حقوقَهم»، قرينة على كونه من سهم الرِّقاب؛ إذ لا ظلم مع صِدْق سبيل الله إلاَّ بناءً على لزوم البَسْط على الثَّمانية، وسيأتي أنَّه خلاف الإنصاف؛ إذِ الثَّمانية المذكورة في الآية الشَّريفة هي مصرف للزَّكاة.
وعليه، فلا يجب التَّوزيع على الثَّمانية.
قلتُ: نعم، يدلُّ على كونه من سهم الرِّقاب، لاسيَّما أنَّ وجود الرِّقاب في الآية الشَّريفة قرينة على كون السُّؤال في الرِّواية عن سهم الرِّقاب لا عن غيره.
ولولا ضعف السَّند لكان مقتضى الجمع بين هذه الرِّواية وبين الآية الشَّريفة التي دلَّت بظاهرها على جواز صرف الزَّكاة في فكِّ الرِّقاب مطلقاً هو تقييد الرِّقاب بالإسلام. والضَّرورة التي عبَّر عنها الأعلام بكونها تحت الشِّدّة، ولكن بما أنَّ الرِّواية ضعيفة، فتبقى الآية الشَّريفة مطلقة فلا موجب للتَّخصيص بكون العبد تحت الشِّدّة.
ثمَّ إنَّه بناءً على صحَّة الرِّواية، فالمرجع حينئذٍ في الشِّدّة والضَّرورة هو العرف؛ لعدم التَّقدير لها شرعاً، ومعنى صرف الزَّكاة في الرِّقاب هنا أي في هذا القسم الثَّاني هو شراء العبيد منها، وعتقهم بعد الشِّراء، ولا يكفي الشِّراء بلا عتق.
([1]) الوسائل باب 44 من أبواب المستحقِّين للزَّكاة ح1.
([2]) الوسائل 43 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
|