• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الزكاة .
              • القسم الفرعي : اصناف المستحقين للزكاة / الزكاة (ارشيف صوتي) .
                    • الموضوع : الدرس 110 _اصناف المستحقين للزكاة 11 .

الدرس 110 _اصناف المستحقين للزكاة 11

 

الأمر الثَّاني: قال صاحب المدارك (رحمه الله): «وقد أجمع علماؤنا وأكثر العامَّة على استحقاق هؤلاء نصيباً من الزَّكاة وإن كانوا أغنياء ­ إلى أن قال: ­ وقال بعض العامَّة: إنَّ ما يأخذه العامل يكون عوضاً وأُجرةً، لا زكاةً؛ لأنَّه لا يُعطى إلاَّ مع العمل، والزَّكاة تدفع استحقاقاً لا عوضاً، ولأنَّه يأخذها مع الغِنى، والصَّدقة لا تحلّ لغنيّ...»

أقول: إنَّ ما يأخذه العامل ليس من باب الأُجْرة، بل من باب أنَّ الله تعالى جعل للعاملين عليها سهماً من الصَّدقة باعتبار عمله، فعمله شرط في صيرورته مستحقّاً لهذا السَّهم نظير استحقاق المقاتلين سهامهم من الغنيمة، وهي ليست بأُجرة، بل حقّاً ناشئاً من عملهم متعلِّقاً بالمال الذي حصل بأيديهم من فعلهم.

وأمَّا الاستدلال الثَّاني على الأخذ من باب الإجارة وهو ­ أنَّه يأخذها مع الغِنى، والصَّدقة لا تحلّ لغنيّ ­ فيجاب عنه: بأنَّ العامل يأخذ الزَّكاة؛ باعتبار عمله، فجاز له الأخذ مع الغنى كما يُعطى ابن السَّبيل، وإن كان غنيّاً في بلده.

نعم، يبقى الإشكال فيما ذكره الأعلام ­ بل قيل: إنَّه لا ريب فيه ­ من أنَّ الإمام مخيَّر بين أن يقدّر لهم جعالةً مقدَّرةً، أو أجرةً عن مدِّة مقدَّرة.

وجه الإشكال: أنَّ تقدير الأُجْرة أو الجُعالة يُخرجه عن كونه مصرفاً للزَّكاة؛ ضرورة أنَّ العامل يملكها حينئذٍ بعقد الإجارة أو المضاربة، ولذا وجب إعطاؤه من بيت المال لو تلفت الزَّكاة؛ لأنَّها أجرة أو جُعالة.

والإنصاف: أنَّ الإمام (عليه السلام) أو نائبه لا يجعل لهم شيئاً من ذلك، بل يعطيهم على حسب ما يراه.

وتدلُّ عليه حسنة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: قلتُ له: مَاْ يُعْطَى المصدّق؟ قَاْل: مَاْ يرى الإمامُ، ولا يُقدَّر له شيءٌ»([1]).

ويحتمل أن يكون المراد بقوله (عليه السلام): «ولا يقدر له شيء» أنَّه لم يُجعل له في الشَّرع حدٌّ مضبوطٌ، قال المصنِّف (رحمه الله) في البيان: «ولو فقصر السَّهم عن أجرته أتمَّه الإمام من بيت المال، أو من باقي السِّهام، ولو زاد نصيبه عن أجرته فهو لباقي المستحقِّين».

وفيه: أنَّ هذا الكلام إنَّما يتمُّ بناءً على وجوب البسط على الأصناف بالتَّساوي، وهو غير معتبر عند الأعلام، كما هو مقتضى الإنصاف، والله العالم بحقائق أحكامه.

الأمر الثَّالث: المعروف بين الأعلام أنَّه يُشترط في العاملين عليها بعض الشُّروط، منها: التَّكليف بالبلوغ والعقل.

وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه ولا إشكال، فلا تجوز عمالة الصَّبيّ والمجنون ولو بإذن وليهما، لأنَّها ­ أي العمالة ­ نيابة عن الإمام (عليه السلام) في الولاية على قبض مال الفقراء وحفظه لهم، وهما قاصران عن ذلك...».

ومنها: الإيمان بالمعنى الأخصّ؛ لعدم جواز هذه الولاية لغيره.

ومنها: العدالة بالاتِّفاق.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه إن كان هناك تسالم على اعتبار هذه الأمور فبه، وإلاَّ فالأظهر إناطة ذلك بنظر الوليّ، فإن كان هو إمام الأصل (عليه السلام) فهو أعرف بتكليفه، وإن كان غيره ­ كالفقيه في زمان الغيبة ­ فالأمر أيضاً راجع إليه، فإذا رأى صبياً أو فاسقاً بصيراً بالأمور حازماً بأمر السِّياسة ونحوها، وجزم بكونه ناصحاً شفيقاً أميناً حفيظاً، وإن كان فاسقاً غير متحرِّز عن جملة من المعاصي غير المتعلِّقة بعمله، فلا مانع من نصبه لجباية الصَّدقات وضبطها وكتابتها، وغير ذلك ممَّا يتعلَّق بها إذا رأى مصلحة في ذلك.

وممَّا يدلُّ على الاكتفاء بالأمانة والوثاقة والشَّفقة والحفظ وعدم اعتبار العدالة حسنة بريد بن معاوية «قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: بعثَ أميرُ المؤمنين (عليه السلام) مصدّقاً مِنَ الكوفة إلى باديّتها، فَقَاْل له: يا عَبْدَ الله، اِنطلقْ وعَلَيْك بتقوى الله وَحْدَه لا شَرْيك له ­ إلى أن قال: ­ فإذا قبضته فلا توكل به إلاّ ناصحاً شفيقاً أميناً حفيظاً...»([2]).

ومنها: اعتبار الفِقه فيما يحتاج إليه في عمله.

والإنصاف: عدم اعتباره، ويكتفي فيه بسُؤال العلماء، واستحسن المصنِّف (رحمه الله) في البيان عدم اعتبار الفِقه، ونفى البأس عنه في المدارك، وهو مقتضى الإنصاف ­ كما عرفت ­ لعدم الدَّليل عليه.

ومنها: أن لا يكون هاشميّاً، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده...».

أقول: هناك تسالم على أنَّ زكاة غير الهاشميّ محرَّمة على بني هاشم.

وتدلُّ عليه بالخصوص صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَالَ: إِنَّ أُنَاساً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَتَوْا رَسُولَ الله (ص)، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُمْ عَلَى صَدَقَاتِ الْمَوَاشِي، وَقَالُوا: يَكُونُ لَنَا هَذَا السَّهْمُ الَّذِي جَعَلَهُ الله لِلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا، فَنَحْنُ أَوْلَى بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ الله (ص): يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِي وَلَا لَكُمْ، وَلَكِنِّي قَدْ وُعِدْتُ الشَّفَاعَةَ، ­ ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): وَالله! لَقَدْ وُعِدَهَا (ص)، ­ فَمَا ظَنُّكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! إِذَا أَخَذْتُ بِحَلْقَةِ بَابِ الْجَنَّةِ أَتَرَوْنِي مُؤْثِراً عَلَيْكُمْ غَيْرَكُمْ»([3]).

قال صاحب المدارك (رحمه الله): «هذا الشَّرط إنَّما يُعتبر في العامل الذي يأخذ النَّصيب، لا في مطلق العمالة، فلو كان العامل من ذوي القربى وتبرَّع بالعمل، أو دفع إليه الإمام شيئاً من بيت المال جاز، لأنَّ المقتضي للمنع الأخذ من الزَّكاة، وهو منتفٍ هنا»، وهو جيِّد؛ إذ لا مانع من استئجار الهاشميّ، ويُعطى من بيت المال؛ لاختصاص المانع بالزَّكاة لا غير، والله العالم.

 

([1]) الوسائل باب 23 من أبواب المستحقِّين للزَّكاة ح3.

([2]) الوسائل باب 14 من أبواب زكاة الأنعام ح1.

([3]) الكافي ج4 باب الصَّدقة لبني هاشم ح1، ص58/ الوسائل باب 29 من أبواب المستحقِّين للزَّكاة ح1، والموجود في الوسائل أكثر الحديث لا كلّه.

 


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=3589
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء: 01-02-2022
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12