• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الزكاة .
              • القسم الفرعي : زكاة مال التجارة / الزكاة (ارشيف صوتي) .
                    • الموضوع : الدرس 89 _زكاة مال التجارة 2 .

الدرس 89 _زكاة مال التجارة 2

أقول: لا يكفي مجرَّد إعداد المال للتِّجارة بأن تجعل السِّلعة المملوكة في معرض البيع بقصد الاتِّجار؛ إذ يمنع صِدْق مال التِّجارة بمجرَّد كون المال منويّاً به التِّجارة، بل لا بدّ في صِدْقه من تحقُّق التِّجارة بالفعل، بأن يصير المال بالفعل متعلِّقاً للعمل الذي يُعدُّ في العرف تجارةً، بأن تقع العاملة عليه بإبداله بمال آخر بقصد الاسترباح، كما يتَّضح من ملاحظة النَّظائر، مثل مال الإجارة ومال المضاربة ونحوهما، فإنَّه لا يصدق إلاَّ إذا تحقَّقت الإجارة والمضاربة فعلاً، ومجرَّد النِّيّة غيرُ كافية في الصِّدق.

والخلاصة: أنَّه وقع الكلام في أمرَيْن:

الأوَّل: هل يُشترط في مال التِّجارة أن يكون مملوكاً بعقد معاوضة أم لا؟

الثَّاني: على فرض اعتبار كونه مملوكاً بعقد معاوضة، هل يُشترط قصد الاكتساب به حين التَّملُّك أم لا؟

أمَّا الأمر الأوَّل: فقد عرفت أنَّ المشهور على اشتراط كونه مملوكاً بعقد معاوضةٍ.

وقدِ استدلّ صاحب الجواهر (رحمه الله) لعدم اشتراط ذلك بجملة من الرِّوايات:

منها: رواية محمَّد بن مسلم «كلُّ مالٍ عملتَ به، فعليك فيه الزَّكاة إذا حال عليه الحَوْل، قال يونس: تفسير ذلك: أنَّه كلُّ ما عُمِل للتِّجارة، من حيوانٍ وغيره، فعليه فيه الزَّكاة»([1])، حيث إنَّها عامَّةٌ لغير المعاوضة؛ إذ يُحتمل أن يكون المراد من رأس المال المذكور فيها ثمن المتاع، ولو كان من الواهب والمورِّث.

ومنها: رواية خالد بن الحجاج الكرخي «قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الزَّكاة، فقال: ما كان من تجارة في يدك فيها فضل، ليس يمنعُك من بيعها إلاَّ لِتزداد فضلاً على فضلك فزكِّه، وما كانت من تجارةٍ في يدك فيها نقصان، فذلك شيء آخر»([2])، وقد ذُكِر أنَّها عامَّة أيضاً، فيُحتمل فيها ما احتُمِل في سابقتها.

ومنها: رواية شُعيب «قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كُلُّ شيءٍ جرَّ عليك المال فزكِّه، وكلُّ شيءٍ وَرِثته أو وُهِبَ لك فاسْتَقبِل به»([3]).

ويرد عليه أوَّلاً: أنَّ الرِّوايات الثَّلاث ضعيفة سنداً:

أمَّا الأُولى: فبعدم وثاقة إسماعيل بن مرار.

مضافاً إلى احتمال أن يكون هذا قول محمَّد بن مسلم، لا قول الإمام (عليه السلام)؛ إذ لم ينسبه إلى الإمام (عليه السلام).

والثَّانية: بجهالة خالد بن الحجَّاج الكرخيّ.

والثَّالثة: باشتراك شُعيب بين عدَّةِ أشخاصٍ، فيهم الضَّعيف والمجهول والموثَّق.

وثانياً: أنها ليست عامَّةً لغير المعاوضة؛ لأنَّ الظَّاهر من العمل في رواية ابن مسلم هو المعاوضة، وكذا قوله (عليه السلام) في رواية خالد «لِتزداد فضلاً على فضلِك»، فإنَّه ظاهر في زيادة السِّعر على رأس ماله الذي عاوض عليه، وكذا الجرّ في رواية شعيب.

والخلاصة: أنَّ اشتراط المعاوضة متسالم عليه بينهم؛ إذ لم ينقل فيه خلاف صريح من أحد، وهو العُمْدة في المقام.

وأمَّا ما يظهر من خلاف بعضهم، فلا يضرُّ بالتَّسالم بينهم.

وأمَّا الأمر الثَّاني ­ وهو قصد التكُّسب به حين التَّملُّك ­: قال صاحب المدارك (رحمه الله): «أمَّا أنَّه يُشترط في تعلُّق الزَّكاة بالمال نيَّة الاكتساب به فلا خلاف فيه بين العلماء، بل تُعتبر استمرار نيَّة الاكتساب طول الحَوْل ليتحقَّق كونه مال تجارةٍ فيه.

وإنَّما الكلام في اعتبار مقارنة هذه النِّيّة للتملُّك. وقد ذهب علماؤنا وأكثر العامَّة إلى اعتبار ذلك أيضاً؛ لأنَّ التِّجارة عمل، فلا يتحقَّق بالنِّيّة. وحكى المصنِّف في المعتبر عن بعض العامَّة قولاً بأنَّ مال القنية إذا قُصِد به التِّجارة تعلَّقت به الزَّكاة، ويظهر منه الميل إليه، نظراً إلى أنَّ المال بإعداده للرِّبح يصدق عليه أنَّه مالُ تجارةٍ، فتتناوله الرِّوايات المتضمِّنة لاستحباب زكاة التِّجارة، وأنَّ نيَّة القنية تقطع التِّجارة، فكذا العكس، قال: «وقولهم: التِّجارة عمل، قلنا: لا نُسلِّم أنَّ الزَّكاة تتعلَّق بالفعل الذي هو الابتياع، بل لم لا يكفي إعداد السِّلعة لطلب الرِّبح، وذلك يتحقَّق بالنيَّة. وإلى هذا القول ذهب الشَّهيد في الدُّروس، والشَّارح في جملةٍ من كتبه، ولا بأس به» انتهى كلام صاحب المدارك (رحمه الله).

أقول: يظهر من الرِّوايات الكثيرة الدّالَّة على ثبوت الزَّكاة في المال الذي اتُّجر به، أو عُمِل به، قصد الاسترباح حين التملك كالرِّوايات المستفيضة الواردة في مال اليتيم والمجنون المتقدِّمة، حيث ورد في بعضها: «لا يجب في مالهم زكاة حتى يعمل به، فإذا عمل به وجبت الزَّكاة»، وفي بعضها: «إذا حركته فعليك زكاته»، وفي بعضها: «ليس على مال اليتيم زكاة إلاَّ أن يتَّجر به، فإنِ اتَّجر به ففيه الَّزكاة، والرِّبح لليتيم»، وهكذا، فإنَّ صِدْق العناوين المذكورة، كما يتوقَّف على تحقُّق المعاوضة على المال، يتوقَّف أيضاً على كونها بقصد الاسترباح، فإنَّ من اشترى شيئاً للاقتناء لا يُقال: إنَّه تاجر، ولا يُقال: إنَّه اتَّجر، فلا يصدق على المال الذي اشتراه للقنية إن نوى بعد ذلك بيعه بأكثر من ثمنه أنَّه مال التِّجارة.

والإنصاف: أنَّ مال التِّجارة هو المال الذي عُوِّض بمال آخر، وقُصِد به الاكتساب عند المعاوضة؛ لأنَّ هذا هو الذي أُخذ موضوعاً للحكم في الرِّوايات، فإذا كان عنده مائة درهمٍ، فنوى الاتجار بها، فإذا اشترى بها شيئاً بقصد الاسترباح لم يصدق مال التِّجارة على نفس المائة درهم؛ لعدم تحقُّق التِّجارة بها قبل ذلك، وصدق على الشَّيء الذي اشتراه بها أنَّه مال التِّجارة باعتبار أنَّه بدل المال الذي وقعت عليه التِّجارة، فإذا كانت المعاوضة على المائة درهم بقصد القنية لا الاسترباح امتنع أن يصدق على ما اشتراه للقنية أنَّه مال التِّجارة؛ لعدم وقوع التِّجارة عليه، ولا على ما هو بدله.

 

([1]) الوسائل باب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ح8.

([2]) الوسائل باب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ح5.

([3]) الوسائل باب 16 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح1.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=3568
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 16-12-2021
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12